فلسطين بين مطرقة الصهاينة وسندان العرب
20 شوال 1430
د. محمد مورو
الواقع الفلسطيني اليوم يثير الحزن رغم وجود نقاط ضوء في النفق المظلم، فهل يفيق العرب والفلسطينيون قبل فوات الأوان .
الحزن على الواقع الفلسطيني له أكثر من سبب، فمن ناحية لا تزال المصالحة بين فتح وحماس برعاية مصرية تراوح مكانها، وأكثر المتفائلين في هذا الصدد يرى أنه حتى لو تمت عملية الوصول إلى اتفاق في القاهرة فإن تنفيذه يبدو صعباً جداً، فالسلطة الحقيقية في الضفة الغربية هي للجنرال دايتون وليست لمحمود عباس، وحماس في غزة لا تريد أن تتورط في القبول بالانتخابات خوفاً من تزوير تلك الانتخابات ومن ثم فقدان ما تم اكتسابه من شرعية لحماس، ورغم أن حماس قدمت حسن نية واضح عندما وضعت قوائم الإفراج عن الأسيرات الفلسطينيات مقابل شريط فيديو يصور الجندي الأسير لديها جلعاد شاليط، وضعت هذه القوائم وفقاً للتقاليد الفلسطينية العادية، ولم تشترط مثلاً أن يكن من حماس، وهذه نقطة إيجابية يجب على الجميع الاعتراف بها .
ومن ناحية أخرى فإن السلطة في الضفة الغربية قد وصلت إلى حالة يرثى لها من التردي وخيانة الوجدان الشعبي الفلسطيني حين أرجأت تحويل تقرير "جولدستون" "الذي يدين إسرائيل في حربها الأخيرة على غزة بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" إلى مجلس الأمن وجمدته إلى تاريخ لاحق من العام القادم، وهو أمر غريب لا يصدر من سلطة وطنية لأن الأمر يتعلق بدماء أطفال ونساء وشيوخ غزة، حتى لو كانت هناك ضغوط أمريكية أو دولية، فإن الأمر لا يمكن أن يصل إلى هذا الحد المخزي والمزري، وإذا كان البعض يرى أن ذلك الموقف – المشين – جاء اضطراراً حتى تستمر مسيرة المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة، وحتى ندعم جهود باراك أوباما ولا نخذله ! ! فإن هذا عذر أقبح من ذنب، لأن المفاوضات ليست غاية في حد ذاتها، وهي لم تسفر عن شيء حتى الآن، وليس من المتوقع أن تسفر عن شيء أيضاً، لأن قادة العدو قالوا بكل اللغات والمواقف أنه لا تفاوض على القدس، ولا وقف للاستيطان ولا حديث عن اللاجئين، وأن كل المتاح هو القبول بما لا تريد إسرائيل أن تحتفظ به من أرض، وأن الحل المتاح هو العار والخيانة وضياع الحقوق لا أكثر ولا أقل، أم مسألة دعم أوباما فهو بئر بلا قاع، ولن نصل إلى شيء مهما قدمنا من تنازلات من عدم إحراج أوباما، لأن أوباما ذاته لا يملك أن يفعل إلا ما تقرره المؤسسة الأمريكية، التي تبحث بالطبع عن مصالح أمريكا ومصالح إسرائيل قبل كل شيء .
من ناحية ثالثة فإن محاولة اليهود من جماعة أمناء جبل الهيكل اقتحام المسجد الأقصى فتح الباب واسعاً حول تسارع وتيرة تهويد القدس وهدم المسجد الأقصى نمهيداً لإقامة هيكل سليمان المزعوم، وهذه المحاولة ليست الأولى بالطبع ولن تكون الأخيرة، ولكن الدلالة الأخطر هنا أنها تزامنت مع هدم البيوت في القدس، ومحاولة شراء بيوت العرب، ومحاولة تهجير هؤلاء العرب، والمزيد من التدفق اليهودي على القدس لإنهاء الوجود العربي بها، وكذلك استمرار حفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى، الأمر الذي يهدد بإضعاف أساسات المسجد تمهيداً لسقوطه أو إسقاطه وهدمه، وقد لاحظ المراقبون زيادة عدد المرات التي حاول اليهود فيها اقتحام المسجد الأقصى في العامين الأخيرين 2008 – 2009 عن غيرها من الأعوام السابقة، رغم أن تلك المحاولات بدأت منذ عام 1968 عندما حاول مايكل روهن حرق المسجد الأقصى في 21 / 8 / 1968 واستمرت بعد ذلك من خلال العديد من أحداث الاقتحام للمسجد أو عمل مؤامرات لضربه بالطيران أو تفجيره أو غيرها من أشكال التآمر المستمر على المسجد الأقصى .
ونلاحظ هنا أن الذي تصدى لمحاولة اليهود الأخيرة في عيد الفصح اليهودي في بداية العام العبري الجديد 24 سبتمبر 2009 هم عرب 1948، الذين توافدوا من الجليل والمثلث والنقب والساحل بالتعاون مع القدسيين، وأن هؤلاء قسموا أنفسهم للاعتصام في المسجد الأقصى بحيث لا يخلو المسجد منهم رغم تعرضهم لقمع الشرطة الصهيونية، وهو أمر يحسب لهؤلاء الرجال الذين تركهم كل العرب والمسلمين في العراء ولم يقدموا لهم شيئاً يذكرمن الدعم، وهناك غياب عربي حكومي شامل في هذا الصدد، وشبه غياب للحركات السياسية والشعبية العربية والإسلامية، وهو أمر يشعر الإنسان بالخزي والعار .
المطلوب من الحكومات العربية والحركات السياسية العربية والشعوب العربية والإسلامية دعم صمود القدسيين ودعم عرب 1948، وقبل هذا وبعده دعم المقاومة الفلسطينية ورفع الحصار عن غزة، لأن المقاومة في النهاية هي الطريق الوحيد لإخافة إسرائيل ومنعها من الاستمرار في مخططها لهدم المسجد الأقصى .