الابتلاء سنة من سنن اللَّه الجارية في الأمم الخالية

قال – تعالى -: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} [العنكبوت: 2].
لا بد أن يمتحن اللَّه أهل الإيمان ويبتليهم حتى يميز الصادق من الكاذب، ولذلك اقتضت حكمة اللَّه -تعالى- البالغة أن نَصَبَ الابتلاء سبباً مفضياً إلى تمييز الخبيث من الطيب، والشقي من السعيد، ومن يصلح مما لا يصلح .
قال تعالى : {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب} [آل عمران: 179].

 

ويخلص الصادق من الوهن البشري الذي لا تسلم منه نفس بشرية ؛ فتسمو همته فوق الألم فيدرك أنه جسر إلى المعالي.

لا تحْسبنّ المجد تمراً أنت آكله *** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

ويبتلى المرء على قدر دينه، كلما اشتد إيمانه عظم ابتلاؤه، حتى يخلص من شرور نفسه وسيئات أعماله، ويطهرطيب نفسه بكير الامتحان؛ كالذهب الذي لا يخلص ولا يصفو من غشه إلا بكير النيران، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل: يبتلى الرجل على حسب دينه؛ فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه من خطيئة»(1 ).

 

ولذلك؛ فالمؤمن ينظر إلى الابتلاء أنه نعمة ورحمة من اللَّه على عباده، يتعهدهم بالابتلاء المرة بعد المرة؛ لينقيهم، ويطهرهم، ويذهب عنهم رجز الشيطان، ويربط على قلوبهم، ويثبت به الأقدام.

 

وكذلك ينظر إليه أنه دليل رضى ومحبة من اللَّه لعباده؛ فإن اللَّه إذا أحب عبداً ابتلاه، وكلما صلب إيمان المرء وقوي يقينه؛ اشتد بلاؤه، فمن رضي؛ فله الرضى، والعكس بالعكس.

 

ولا بد أن نعرف أن العلماء هم ورثة الأنبياء , وهم صفاء هذه الدنيا ومن خيرة البشر بعد الأنبياء وان بذهابهم ورحيلهم من الدنيا يعم الشر والبلاء في الأرض والله المستعان .

والأنبياء والمرسلين وأهل العلم والصلاح ُمحاربين من السفهاء وضعاف النفوس عندما يريدون الخير للناس .

 

وجاء عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ في قوله: (لا يأتي عليكم زمان إلا وهو أشر مما كان قبله: أَمَا إني لا أعنى أميرًا خيرًا من أمير، ولا عامًا خيرًا من عام، ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون، ثم لا تَجِدون منهم خلَفا، ويَجيء قوم  يُفتَون برأيهم) وفي لفظ عنه: (فيَثْلِمون الإسلام ويَهدِمونه)

 

والمتأمل اليوم في حالنا يجد أهل الفساد وأهل الخير في صراع كبير ودائما حتى قيام الساعة وأهل الفساد دائماً يسعون وراء كل ما يحقق أهدافهم و يصطادون في الماء العكرة والله المستعان .

 

فالمؤمن من يقول في هذه الأحوال: "لا حول ولا قوة إلا بالله" و "حسبنا الله ونعم الوكيل. على الله توكلنا. اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى. وأنت المستعان. وبك المستغاث. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" ويقوم بما يقدر عليه من الإيمان والنصح والدعوة. ويقنع باليسير، إذا لم يمكن الكثير. وبزوال بعض الشر وتخفيفه، إذا تعذر غير ذلك {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا - وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ - وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.