14 محرم 1431

السؤال

ما رأيكم عن فعل جمهور المسلمين في مناطق كثيرة من الاستعانة بالانبياء والاولياء والشهداء عند الحاجة، وهم يطلبون الاستعانة من الله بتوسل العباد الصالحين وجمهور العلماء في ولاية كيرلا - الهند يقولون لا بأس للاستعانة بعباد الله الكرماء، أي بتوسل أعمالهم الصالحة.
ولكن القليل في كيرالا يزعمون أن هذا من أنواع الشرك، وهناك فرقة الوهابين وفرقة السنيين في قريتي كيرالا.
فسر لى اختلافاتهم وما الصحيح من كلا الطرفين؟ أرجو من سعادتكم جوابا كافيا...

أجاب عنها:
أ.د. عبدالله عمر الدميجي

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإن الاستعانة والدعاء من أجلّ العبادات التي لا يجوز صرفها لغير الله تعالى ولذلك شرع لنا سبحانه أن نقول في كل ركعة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة:5)، يعني لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك وهذا هو حقيقة التوحيد.
والدعاء هو العبادة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك أمر الله تعالى ألا يُدعى لكشف ضر أو لجلب نفع إلا هو عز وجل فقال سبحانه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر:60)، فسمى في هذه الآية الدعاء عبادة.
وقد عاب الله المشركين الذين يدعون غير الله تعالى فقال: )وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النحل:20، 21)؛ فدلت هذه الآية وغيرها من الآيات الصريحة على عدم جواز دعاء الأموات سواء كانوا أنبياء أو صالحين أو غيرهم، وعللت ذلك بأنهم مخلوقون مربوبون لا يملكون نفعاً ولا ضراً ولا حياة ولا نشوراً، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) (آل عمران: من الآية128)، وقال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) (الجـن:19-21)؛ ولذلك عابَ اللهُ كلَّ مَن دعا غير الله تعالى من الأموات من الأنبياء والأولياء وغيرهم من الصالحين وغيرهم فقال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) (الأحقاف:5-6)؛ فالأنبياء والأولياء يتبرؤون من الذين يدعونهم من دون الله يوم القيامة ويكفرون بعبادتهم لهم لأنهم مشركون، يدعون غير الله.
وهذه الآية أيضاً صريحة بأن الدعاء عبادة، وعبادة غير الله هي الشرك، وقد سمى الله دعاء الأموات من الأنبياء والصالحين وغيرهم شركاً فقال تعالى: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (فاطر:13-14).
وهذا العمل من دعاء الأموات من الأنبياء والصالحين هو عمل المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم، وحجتهم هي حجتهم ولذلك قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) (الزمر: من الآية3)، فاللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى هي رموز لأقوام صالحين وكذلك ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر هي أيضاً رموز لأقوام صالحين لما ماتوا عكفوا على قبورهم ودعوهم من دون الله تعالى بقصد أن يقربوهم إلى الله زلفى فكانوا بذلك مشركين.
ومما يدل على ذلك أن أصحاب القرون الثلاثة المفضلة من الصحابة والتابعين وأبتاعهم والأئمة الأربعة وغيرهم لم يؤثر عن أحد منهم ألبتة أنه ذهب إلى صاحب قبر نبي أو ولي فدعاه واستعان به لعلمهم ويقينهم أن هذا شرك منافٍ للإسلام.
فالواجب الحذر من ذلك وتحذير الجهلة من المسلمين الذين يقعون في الشرك من حيث لا يعلمون، والحق لا يعرف بالكثرة بل الحق ما دل عليه الكتاب والسنة وإن كنت وحدك؛ ولذلك قال تعالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (سـبأ: من الآية13)، و(وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (هود: من الآية40)، و(وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (الأنعام: من الآية116)، والزم منهج أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية وهم الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي" فهل كان الصحابة يذهبون إلى القبور للاستعانة بأهلها؟ ومنهم من يسمون بالوهابيين فهم من أهل السنة والاتباع الذين يدعون الناس لمذهب أهل السنة والجماعة وترك عبادة من سواه كما دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضاه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.