وقفات نذارة ونصح حول جامعة الملك عبدالله
10 شوال 1430
د. إبراهيم الفوزان
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد،،،
 
    في حدث أقضَّ مضاجع الصالحين والغيورين على دينهم وإسلامهم تم افتتاح أول جامعة مختلطة في المملكة العربية السعودية منحرفة بذلك عن توجه البلد ودينه وقيمه كخطوة خطيرة في مسيرة التغريب في بلاد الحرمين الشريفين والتي باتت تعاني من الهجمات التغريبية العنيفة في السنوات الأخيرة. ولأهمية الحدث كان لزاماً علينا أن نقف معه عدة وقفات :
 
الوقفة الأولى: اعتماد اللغة الإنجليزية كلغة وحيدة في الجامعة الجديدة ظناً ممن أقروا ذلك بأن التقدم العلمي لا يتأتى إلا باستخدام لغة الآخرين، وهذا خلط لا يسنده لا واقع ولا عقل، فجميع الأمم التي تقدمت في مجال البحث العلمي وفي المجال الصناعي اعتمدت على لغاتها المحلية مع ما في لغاتها من قصور كاليابان ودول أوروبا وغيرها. ونحن الذين نملك لغة العلم لغة القرآن التي هي أكمل اللغات وأقدرها نتنازل عن لغتنا التي هي هويتنا بدعوى التقدم والرقي!!!
 
ومن المأمل أن ينشأ في الجامعة الجديدة مركزاً للترجمة للعربية يكون قادراً على ردم هذه الفجوة بين اللغة العربية والبحث العلمي التطبيقي مستفيدة من الإمكانات الضخمة التي وفرت لها.
 
الوقفة الثانية: ليس التقدم منوطاً بتقليد الغرب في كل شئ كونهم أصحاب السبق في هذا العصر في العلوم التطبيقية والإختراعات والصناعة، فهذه الفكرة المنحرفة والتي تولى كبرها طه حسين عندما عاد من فرنسا منبهراً بما عند القوم من تقدم تقني وعلمي فدعى في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" لتقليد الغرب في كل ما لديه حلوه ومره، خيره وشره!!! ثم هاهم أحفاده من العلمانيين يدعون لذات الشئ ويتباشرون بتحقق شئ منه في الجامعة الجديدة. ومما يجدر التنبيه له أن هنالك أمثلة واقعية ترد هذه الفكرة – المصادمة للدين والمبادئ السامية – لجامعات اسلامية حققت انجازات كبيرة دون أن تنسلخ من دينها وهويتها؛ ومن الأمثلة المحلية جامعة الملك فهد للبترول والمعادن والتي حققت انجازات بحثية واكاديمية عالمية خلال السنوات الماضية.
 
الوقفة الثالثة: فَرَحُ العلمانيون بهذا الحدث وتباشرهم في الصحف ووسائل الإعلام بالإنفتاح الذي وجد بين جنبات الجامعة الجديدة، ولا داعي لنقل مقالاتهم وكتباتهم فقد طفحت بها صفحات الصحف وتلوثت بها سماء الفضائيات، وهم في الحقيقة أعداء الدين وأعداء الله ورسوله وأعداء المسلمين وأعداء الحق وأعداء الفضيلة كما قال الله عنهم في سورة المنافقون ((هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ)) (المنافقون:٤). وقد فرح بهذا الحدث إخوانهم من الكفار الذين يسعون سعياً حثيثاً لإفساد ديننا وقيمنا الإسلامية بحجة حرية الإنسان تارة وحقوق المرأة تارة أخرى.
 
 ومما يجب التنبيه عليه أن هذه الخطوة بالنسبة لهم ما هي إلا خطوة واحدة من خطوات كثيرة يرومون منها محو الدين وقيمه وأخلاقه في المجتمع السعودي المسلم – المعتز بدينه – وتحويله إلى مجتمع إباحي كالمجتمعات الإباحية الغربية .  يقول جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة حقوق الإنسان: "السؤال هو ما إذا كانت جامعة كاوست ستفي بالتزاماتها بالحرية والمساواة بين الجنسين. وسوف نرى إذا كانت الجامعة ستصبح جزيرة للحرية في بحر من القمع، أم أن بوسعها المساعدة على نشر الحريات إلى أجزاء أخرى من المملكة"[i]
 
وفي مقال نشر بجريدة الرياض السعودية قبل فترة – وقبل وجود هذه الجامعة – يقول كاتب المقال: " يمكننا ترقب وتوقع أن شارع التحلية – يقع في مدينة الرياض – لدينا سيشهد تحركات غير مسبوقة من قبل نجماتهوليوود، خاصة بعد تقرير قناة "فوكس" عن أساليب وطرق التعرف على الفتيات فيالسعودية"[ii]. وصدق الله إذ يقول ((وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)) (النساء:٢7).
 
الوقفة الرابعة: الخسارة العظيمة التي ستلحق بكل من ساهم في تقرير هذا المنكر وإقراره وتلك هي الخسارة الحقيقية خسارة الآخرة؛ فالدنيا بالنسبة للآخرة كلاشيء ((قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)) (الزمر:١٥).
 
الوقفة الخامسة: خسارة العقول المستنيرة بنور القرآن الذي جعله الله نوراً ينير القلوب والبصائر فتكون بذلك فعالة ومبدعة في مجال عملها وبحثها ودراستها، وسبب هذه الخسارة أن الصالحين من المتميزين من أعضاء هيئة التدريس سيعزفون عن الإلتحاق بالجامعة لوجود الإختلاط بها وكذلك النابهين من الطلاب والباحثين الذين يعظمون أمر ربهم وينأون بأنفسهم عن الجلوس مع النساء؛ وقد حذر الرسول – صلى الله عليه وسلم – من فتنة النساء وأمر بالحجاب الذي هو نقيض للإختلاط وحرم الفواحش التي من أعظم أسبابها الإختلاط. وقد بين الشيخ عبدالعزيز الطريفي في مقال كتبه في موقع لجينيات أن الإختلاط محرم في جميع الأديان السماوية[iii].
 
الوقفةالسادسة: السكوت المخيف للعلماء والمصلحين دليل على ضعف المرجعية العلمية في البلد مما ينذر بانحراف خطير في الفترة القادمة لعدم وجود المرجعية الضابطة التي نَعُمَ بها المجتمع السعودي في الحقبة الماضية وكان لها الأثر الكبير في ضبط توجه المجتمع والحفاظ عليه من الإنحراف سواءً ما كان منه يميناً أو يساراً. 
وسبب هذا الضعف هو زهد الناس في العلماء الربانيين واكتفاءهم بسماع من يوافق هواهم وييسر لهم الفتوى ممن يسمعون لهم في القنوات الفضائية وغيرها. والواجب على الصالحين والمصلحين من أفراد المجتمع أن يتواصلوا مع علماءهم وأن يلتفوا حولهم وأن يدعموهم معنوياً ومادياً وبالنصح والتذكير بدورهم وواجبهم فهم بشرٌ كغيرهم يحتاجون لذلك كله ليؤدوا الدور المناط بهم شرعاً!
 
الوقفة السابعة: عدم الإغترار بمن أيد وجود الجامعة دون إنكار لما فيها من مخالفة لأمر الله تعالى لأنهم إما مرتزقة أو مخذولون أو ضعفاء علم ودين ولو انتسبوا للعلم والعلماء. وقد سمعت بأم أذني من أحد المشايخ المعروفين من يمتدح جميع وسائل التغريب في البلد في مشهد يسرح بصاحبه في سماء التفكير والتأمل مردداً (( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك))؛ وإن وجود مثل هؤولاء لهو فتنة عظيمة نسأل الله أن يرد ضال المسلمين وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
 
الوقفة الثامنة: بعض المصلحين – جزاهم الله خيراً على إنكارهم وغيرتهم لدينهم – وجهوا نصيحة لمجلس أمناء الجامعة مع أن نسبة كبيرة منهم من الكفار فكيف توجه النصيحة للكافر الذي حقه الدعوة للإسلام لا نصيحته وتبيين حكم الإختلاط له!
 
الوقفة التاسعة: يقول الله عز وجل ((إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ )) (المجادلة:٢0). فمن يعزنا إن أذلنا الله!!! ويقول جل شأنه ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) (النور:٦٣).فعلى الحاكم والمحكوم ممن لهم أثر في إقرار هذا الأمر أن يتقوا الله وأن يحذروا أسباب سخطه وعقوبته وأن لا يغتروا بما هم فيه من صحة ورغد عيش وليتذكروا كيف كانوا قبل اكتشاف النفط في البلاد وما هم عليه الآن وعليهم أن يحفظوا هذه النعم بالشكر لله المنعم سبحانه وتعالى وأن يحذروا كفران النعمة الذي يكون سبباً لزوالها والعياذ بالله ((وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )) (إبراهيم:٧).
 
الوقفة العاشرة: قال تعال ((وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ )) (هود:١١٧)وقال جل وعلا ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) (الأنفال:٢٥)؛ يقول ابن عباس – رضي الله عنهما – في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب[iv]. فعلى العلماء والمصلحين أن يقولوا كلمة الحق لا تأخذهم في الله لومة لائم وأن يحتسبوا الأجر في ذلك نصحاً للراعي والرعية؛ فوالله الذي لا إله إلا هو إن النصح الحقيقي للحاكم ليس في إقراره على كل شئ وإنما في تبيين الحق له والدعاء له في ظهر الغيب. وعلى جميع من قرأ هذه الكلمات أن يبادر بإنكار هذا المنكر بالطرق الشرعية الصحيحة من تبيين للحق للآخرين والتحذير من مغبة مخالفة أمر الله والتواصل مع المسؤولين الأقارب والأصدقاء منهم خاصة.
 
الوقفة الحادية عشرة: تباينت مواقف الإسلاميين حول هذا المنكر العظيم وذلك لأمور محسوسة من أهمها أن بعضهم ممن اعتادوا السفر للخارج أو النظر للنساء في الفضائيات قد مسخت فطرهم وألفوا النظر للحرام بما يجعلهم عاجزين عن الإنكار ولو بالقلب ولا حول ولا قوة إلا بالله. وبعضهم ينتمي لتيارات لا ترى في الإختلاط بأساً إذا كان منضبطاً!!!! وأما العلماء الربانيون وأتباعهم فقد أنكروا هذا الأمر إنكاراً شديداً وضاقت صدورهم به والله المستعان.
 
الوقفة الثانية عشرة: مع أن الخطب جلل ومخطط الأعداء كبير وكما مر بنا في الوقفة الثانية فهم يرومون نشر هذا الأمر في كافة أنحاء البلاد – أبطل الله كيدهم ورده في نحورهم – مع ذلك يجب أن نتعامل مع هذا الأمر على أنه حالة نشاز وألا نُسلم بتعميمه في البلاد ولا نستسلم؛ بل نتعامل معه على أنه حالة خاصة كما هو حال المستشفيات فنحاول جاهدين معتمدين على الله أن نصحح وضع الجامعة ولا نقبل بتبرير الإختلاط في أماكن أخرى بحجة وجوده في الجامعة الجديدة.
 
أخيراً علينا أن نلهج بالدعاء قياماً وقعوداً وعلى جنبٍ، فالدعاء لا بد منه في كل حين وفي كل خطب وفي كل مكان مع فعل الأسباب الشرعية من محاولة لتغيير هذا الواقع ونصح وتوجيه وتذكير ونذارة؛ حمى الله بلاد الحرمين من كيد الفجار وشر الأشرار وأدام عيها نعمة الدين والإستقامة على نهج سيد المرسلين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وأله وصحبه ومن تبعهم على الحق والهدى إلى يوم الدين.


[i] "السعودية: الجامعة الجديدة فرصة لتوسيع هامش الحريات"، موقع منظمة حقوق الإنسان على الشبكة العالمية، في 23 أيلول 2009 م.
[ii] "صديقتي نيكول كيدمان"، جريدة الرياض، العدد 14454.
[iii] "الإختلاط بجامعة الملك عبدالله عمل غير صالح"، موقع لجينيات، موسوعة المقالات، الواقع المعاصر، عبدالعزيز مرزوق الطريفي.
[iv] تفسير ابن كثير.