17 شوال 1430

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
المشكلة تتمثل في فتاة تبلغ من العمر 22 عاماً، مطلقة مدللة جداً من قبل الوالدين، لا تحترم والديها، الوالد مدمن خمر عاطل، الوالدة موظفة متعلمة، لها من الأخوات 3 بنات، هي الكبرى.
المشكلة:
1/ الغيرة الزائدة جداً من أخواتها عند أي كلمة توجه لهن من قبل الوالدين وتقول ذلك صراحة.
2/ الألفاظ البذيئة للوالدين.
3/ التسلط ورفع الصوت.
4/ عدم مراعاة الوالدة فالطلبات كثيرة ويجب أن توفر بأي شكل.
5/ عند النقاش ومحاولة تذكيرها بوجوب البر بالوالدين وخاصة الوالدة عدم المبالاة وتحمل الخطأ على الوالدة.
كيف يمكن أن أساعد أهلها؟

أجاب عنها:
د. سلوى البهكلي

الجواب

تلعب التربية دورا هاما في تشكيل سلوك الفرد، وللوالدين أثر كبير في توجيه الأبناء والبنات، خاصة في المراحل العمرية الأولى ومرحلة المراهقة، لأنها فترات تأسيسية يُكون الشخص خلالها شخصيته وسلوكه ويبلور فيها أهدافه المستقبلية. والتربية في الصغر كالنقش على الحجر، ومن شَبَّ على شيء شاب عليه، وخير نموذج للتربية هي التربية الإسلامية التي تشيد بالوسطية والتوازن والاعتدال في جميع الأمور بلا إفراط ولا تفريط. وقد قال سبحانه:"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً " فالتوسط في الأمور هو أساس الصلاح والإصلاح.
والدلال المفرط للأبناء هو نوع من أنواع التفريط المذموم وعواقبه وخيمة. وللأسف أن من يتخذ الدلال أسلوبا في تربيته لأبنائه قد أخطأ في حقهم خطأَ كبيرا، لأنه يساهم في بناء شخصية غير سوية لهم دون أن يدري رغم أنه يعتقد أن ذلك في مصلحتهم. فلا يعني حبنا لأبنائنا، ورغبتنا في إسعادهم، أن نحقق لهم جميع رغباتهم، لأن ذلك سيكسبهم شخصية سلبية، أنانية، مهزوزة، وسيضعف إحساسهم بالأمن والطمأنينة، وسيدفعهم إلى التفكير في أنفسهم فقط وكيفية تحقيق رغباتهم، ولن يلقوا بالا أو يهتموا إلى الكيفية التي يمكن للوالدين أن يحققوا بها مطالبهم ، وهذا ما حدث فعلا لإبنة أختك كما يتضح من سؤالك.
وهذا لا يعني أن الإنسان لا يمكنه أن يتخلص من بعض صفاته السلبية. فالعكس صحيح . وللأسف أن البعض يتوهم أن طباعه لا يمكن تبديلها، وأن طباع الحدة والعنف والمشاكسة التي قد امتازت بها شخصيته لا يمكن أن تتغير أبدا، وهذا اعتقاد غير صحيح فقد أكرم الله سبحانه وتعالى الإنسان بطاقة عظيمة داخله وإرادة كبيرة يمكنه من خلالها ان يغير ما شاء من الطباع. شرط أن يبدأ هو بالتغيير من داخله كما قال سبحانه:( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ). وأكده رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "إنما العِلْمُ بالتّعلُّمِ، وإِنَّما الحِلْم بالتَّحلُّم" .
أخي..
عليك أن تجلس أنت ووالدتها جلسة حوار هادئة لمناقشة سلوكيات ابنتها السلبية وتحديد نقاط ضعفها ونقاط قوتها ومعرفة أين يكمن الخلل في كل نقطه أو سلوك وما أسبابه وما هي الطرق الممكنة لعلاجه.
عليك أن تبدأ بأختك أولا لتغير نظرتها ومعتقداتها ومن ثم تتمكن من علاج ابنتها والسيطرة على سلوكياتها السيئة وتقويمها.
على والدتها أن تدرك أنها المسئولة عن وضع الحدود والقيود لرغباتها هي وأخواتها، وان ذلك كان ينبغي أن يبدأ منذ الصغر، وعليها الموازنة في تربيتهن وأن تتذكر أن خير الأمور أوسطها، فلا إفراط ولا تفريط، فالتدليل يفسد الأبناء. ومن الخطأ أن تستمر في الخطأ، فعليها أن تتعلم وتعلمهن الفرق بين السلوك الصحيح و السلوك الخاطئ، وعليها أن لا تتوقع أنهن سيكًن سعداء بهذه الحدود، فمن الطبيعي أن يتضايقن من تلك الحدود والقوانين، بل وقد يتصرفن بسلبية تجاهها، لأنه من الصعب عليهن أن يفصلن بينها وبين تصرفاتها، وقد يكرهنها أحيانا، لأنهن لم يحصلن على ما يردن إلا أن كراهيتهن هذه لها لن تدوم.
عليك أن تتأكد وتؤكد لأختك أن الأبناء مهما كانوا يعشقون الحرية والانفلات إلا أنهم لا يشعرون بالأمان في ذلك الجو المتحرر، وإنهم يحترمون الآباء الذين يضعون لهم الحدود والقوانين مهما اعترضوا عليها، لأنها تشعرهم بالأمن والأمان.
عليكما أنت ووالدتها بتزيين السلوك الحسن لها، وتوجيه أنظارها إليه والى انتهاجه، وتعريفها بنتائجه الايجابية والآثار التي ستجنيها منه في الدنيا و الآخرة. كما عليك أن تعمل جاهدا على تقبيح السلوك الخاطئ والمنحرف لها, وصرف أنظارها عنه, واطلاعها على آثاره السيئة, وعواقبه الوخيمة.
عليكما الحرص على مراقبتها ومنعها هي وأخواتها من تكوين أي صداقات مشبوهة، وإبعادهن قدر الإمكان عن وسائل الإعلام والكتب المضللة والبرامج المنحرفة.
عليها أن تكبح مطالبها ورغباتها بالحكمة والموعظة الحسنة وبالأدلة من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم تارة ، وبالتجاهل وعدم المبالاة والحزم تارة أخرى، فالعلاج يكمن في عدم الاستجابة لطلباتها حتى تعرف أن التمرد لن يفيدها.
عليكم جميعا وعلى والديها بالأخص عدم تشجيعها على التمادي في سلوكياتها السيئة وما هي عليه من أخطاء. ولا تظن أن الأمر سيكون سهلا فمن اعتاد الاستجابة لرغباته, سيستخدم السلوك العدواني عندما لا نستجيب لرغباته، لذا عليكم الصبر والحزم لمواجهة ما سيحدث عندما تلاحظ هي أن هناك تغييرا في نمط معاملتها. ولا بد من السيطرة على جميع انفعالاتكم في أي موقف أو اصطدام معها، والتحكم في مشاعر الغضب كي لا تنفلت زمام الأمور من بين أيديكم. وعليكم أن تستخدموا كلمة "لا" بحزم عند الخطأ المتعمد والمتكرر منها، وتصروا عليها مهما كانت النتائج.
عليك أن تعين والدتها لتستخدم أسلوب الحزم الايجابي الهادف معها وتضع لها ولجميع أفراد العائلة القواعد التربوية الجديدة والتي معيارها احترام القواعد والمبادئ والقيم، وتعلل ذلك بأنها قد أساءت حسن معاملتها لها والحرية المعطاة لها، وإنها إذا استمرت على طريقتها ستخسر الدنيا والآخرة ، والشاهد أنها قد خسرت حياتها الزوجية وخسرت احترام وحب من حولها.
القدوة من أهم الوسائل والطرق التي نُعلم بها أبنائنا ما نريد. فعلى والدتها أن تنصحها بالرفق واللين تارة، وبالحزم والشدة تارة أخرى، شرط أن تكون هي نفسها قدوة صالحة لابنتها، فلا تنصحها بسلوك حسن وتأتي بعكسه، فعلى الأم أن تراقب سلوكها، وعليها أن تحاول مع زوجها لكي لا يظهر بشكل غير لائق أمام بناته خاصة انه كما ذكرت مدمن للخمر. ولابد أن تتجنب إهانة زوجها أمامهن سواء باللفظ أو الحركة، فقد يكون ذلك هو سبب تماديها على والديها بالألفاظ السيئة.
على الزوجة أن تتجنب الاصطدام بزوجها خاصة أمام بناتها لأن ذلك قد يهز من صورتهما أمامهن ، وبالتالي تنشأ العقد والاضطرابات النفسية التي هي أصل كل علة وداء. وعليها أن تحاول التحكم في مشاكلها الزوجية قدر الإمكان وان لا تقحم بناتها فيها، لأن ذلك يزعزع ثقتهن بمن حولها ويفقدهن الشعور بالأمن أو الاستقرار، وفد يكون هذا هو سبب عدم احترام الفتاة لوالديها، وتبلد مشاعرها، واستبدادها
عليكم بذل شتى الوسائل لتفهم هي وأخوتها أن علاقة الحب والمودة والرحمة والاحترام المتبادل هي العلاقة التي تربط أفراد الأسرة بعضها ببعض، وأنها متى ما تقطعت أو زالت هذه العلاقة فلا رابط آخر بينكما، خاصة وأنها لا تقيم للوالدين احتراما ولا تقيم لشرع الله وزنا، وأنها إن استمرت على ما هي عليه ستكون هي الخاسر الأول والخاسر الأكبر في الدارين.
عليك أن تؤكد للفتاة أن عقوق الوالدين من أعظم الذنوب والآثام، ومن أكبر الكبائر وانه لن يكتمل إيمانها ما دامت تنهج هذا الطريق.. ذكرها بأن الدنيا ليست آخر المطاف وأن هناك آخرة ستقف فيها أمام الله سبحانه وتعالى ليحاسبها عن كل ما صدر منها فماذا ستفعل آنذاك. حاول جاهدا أن تغرس الوازع الديني داخلها وداخل أفراد الأسرة، فهو الدواء والعلاج الحقيقي لكل معضلة ومشكلة.
يجب عليها أن تدرك أن حسن الخلق هو الأصل في سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وأن الشخص الخير هو الذي يعيش لأسرته، ومجتمعه فيكون كبير الشأن، أما الذي يعيش لنفسه ولا يراعي حق غيره سيموت صغيرا وإن طال عمره.
عليكم أن تتعاونوا جميعا أنت ووالدتها وأخوتها وكل من تتعامل معه لتقويم سلوكها وتوجيهها نحو السلوك القويم وتقبيح السلوك السيء لها، وأن تتخذوا موقفا صارما معها كلما تصرفت أي تصرف عدواني تجاه أي احد منكم، وأبسط المواقف الصارمة هو تجاهلها وتجاهل طلباتها معها، شرط أن تدرك أن ذلك بسبب سلوكياتها العدوانية.
على والدتها أن تعلمهما الطريقة الصحيحة لمواجهة الحياة بحلوها ومرها، وان تجعلها تأخذ درسا جيدا من طلاقها ليكون هو خطوتها الأولى لتعلم المسئولية لتخطو بإذن الله نحو حياة أكثر استقرارا وسعادة.
الغيرة الشديدة جدا هي إحدى علامات عدم الثقة بالنفس، وان ظهر لكم عكس ذلك. لذا،عليكم تعزيز ثقتها بكم وبنفسها وبمن حولها، وستتمكن من ذلك عند معرفة ما تملكه من طاقات ومهارات وإمكانيات ، ثم تحديد هدف أو أهداف معينه يمكنها تحقيقها للشعور بالنجاح، وبالتالي سيساعدها ذلك على تعزيز ثقتها بنفسها.
عليكم أن تخاطبوا الجزء الطيب منها ومن شخصيتها، وعلى والدتها أن تخصص لها وقتًا كافيا تقضيه معها لتتقرب منها وتتعرف عليها عن قرب، لتعرف دواخلها وطرق التأثير عليها لتتمكن من تقويمها وتوجيهها، وعليها أن تبدي لها إعجابها بسلوكياتها وصفاتها الحسنة بشتى الطرق وفي الوقت المناسب، على أن لا تفاضل بينها وبين أخواتها. فيمكنها على سبيل المثال أن تترك لها قصاصة في غرفتها أو على مكتبها تدون فيها كلمات بسيطة تنم عن تقديرها لها على أي سلوك ايجابي يصدر منها.
عليكم أن تعقدوا اجتماعات منتظمة للأسرة لفتح أبواب الحوار المفتوح الهادف بين الجميع، الذي يجد فيه الجميع متنفسًا لإبداء آراءهم وأفكارهم وهواجسهم ومشاكلهم الخاصة، ومتابعتهم من حين لآخر وتوجيهم نحو تحمل المسئوليات، ومحاولة إيجاد الحلول الممكنة لها. وتحقيق طموحاتهم الشخصية دون إفراط أو تفريط.
ثق بالله حق الثقة، وتوكل عليه حق التوكل، واستعن به ، وادعوه وأحسن الظن به، وستبلغ هدفك المنشود بإذنه سبحانه وتعالى، ولن يخيبك أبدا إن شاء الله، وفقك الله وسدد وبارك في خطاك.