فياض يكشف عباس
9 شوال 1430
طلعت رميح

 

الى اين يسير عباس وحركة فتح او بحركة فتح ،ما بعد المؤتمر الاخير،وفى مناورات نتنياهو ووعود ادارة باراك اوباما ومؤشرات خطة اوباما الموعودة ؟ سؤال تردد فى اثناء انعقاد مؤتمر فتح والانتخابات الداخلية التى جرت لاختيار اعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثورى (برلمان الحركة الداخلى) ،ثم تصاعدت اهميته حين انعقد المجلس الوطنى الفلسطينى وجرى اختيار عناصر جديدة فى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ،دون ايلاء اى اهتمام بالاعتراضات التى جرت من قبل حركات فلسطينية اخرى مشاركة فى المجلس ،وكذا بعد خروج رئيس وزرائه سلام فياض عن النص المعتاد واعلانه عن وضع وتنفيذ مخطط لاقامة دولة فلسطينية باتفاق مع اسرائيل او بدون الوصول الى هذا الاتفاق،فيما وصف بالتماهى السرى او الاستباقى مع ايحاءات الادارة الامريكية حول خطة اوباما المنتظرة ،التى يصر نتنياهو ان لا يترك مساحة واسعة لحركتها  !

 

اتجاه الحركة

فى فهم ما جرى فى مؤتمر فتح ،جرى التناول من عدة زوايا ،الاولى تتعلق بجدة الوجوه التى وصلت الى موقع القرار والقيادة بعد المؤتمر على حساب الحرس القديم- الذى اخلى مواقعه التى ظل يشغلها منذ سنوات طوال بالمخالفة للائحة الحركة -وما تثيرة حركة التغيير الواسعه فى صفوف القيادة واسباب هذا التغيير ،وما اذا كانت ناتجة عن عدم رضى قواعد الحركة عن اداء تلك القيادات خلال الفترة الماضية ،ودلالات شكوى احد هؤلاء (احمد قريع –ابو علاء) .هنا يبدو الادق هو ان القيادات الجديدة التى وصلت الى قيادة الحركة من خلال الانتخابات ،انما يقف على راسها محمود عباس وليس غيره ،بما يعوق احتمالات التغيير ان كانت ورادة ،اذ هناك من يذهب الى ان بعض من تلك القيادات "الجديدة" تعطى اسماؤها دلالة على وجود اتجاه تغيير لكن نحو الاسوا ،اذ كان نجاح محمد دحلان –مثلا-بكل دوره السابق واللاحق كفيل باظهار ان لا اتجاه حاسم فى التغيير باتجاه ايجابى .

والثانية تناول الاحداث من زاوية الاهتمام التحليلى بنتائج الانتخابات على دور ومكان ومكانة اعضاء فتح فى غزة فى هذا المؤتمر من عدة جوانب احدها يتعلق بماقيل عن منع الحكومة الفلسطينية فى غزة بعض اعضاء المؤتمر من مغادرة غزة ،وفى ذلك دارت الاقوال واستدارت حتى حسمها الدكتور محمود الزهار باظهار ان من تم منعهم من المغادرة منخرطون فى تشكيلات عسكرية موجهة ضد الحكومة فى غزة ،وان ما خلاهم غادروا .وهناك من ركز اهتمامه بشان قضية غزة على دلالات ما صدر من تصريحات وبيانات من قيادات فتحاوية فى غزة تتهم ادارة المؤتمر بحرمان الكثير من تلك القيادات من التصويت بما شكك فى نتائج الانتخابات ،وعلى دلالات ما قيل عن وجود نية مسبقة لدى ادارة المؤتمر لحرمان هذه القيادات من التمثيل والتصويت وهو ما القى ظلالا حول قصة منع حماس لبعض القيادات من مغادرة وما تبعها من محاولة ادارة المؤتمر اشغال الراى العام الفلسطينى بقصص وحكايات التصويت الاليكترونى والصوتى ..الخ .

وثالث تلك الزوايا تعلقت بالبرنامج السياسى لفتح ،او ما ظهر من برنامج سياسى خلال مؤتمر فتح ،اذ جرى التفتيش فى بنوده عن النقاط البرنامجية التى تتعلق بموضوعه المقاومة ،كما جرى التساؤل بشانه حول تناول فكرة العلاقة بين فتح والسلطة وفتح ومنظمة التحرير الفلسطينية .وفى ذلك يبدو اللافت من متابعة الاحاديث التى ادلى بها فرقاء فتح ، حول حكاية البرنامج السياسى ما قيل عن هذا البرنامج ما يزال فى داخل اروقة المطبخ الداخلى ،وان ما نشر يؤكد على استمرار التلاعب بالكلمات كالمعتاد فى احاديث وتصريحات قيادات الحركة .

ورابع زوايا التناول، قد تركز على نتائج ذاك المؤتمر وتاثيراته على العلاقات بين الضفة وغزة ،وما اذا كان سيمثل عامل دفع للحوار بين فتح وحماس باتجاهات ايجابية ام انه سينتج اوضاعا جديدة تؤخر هذا الحوار من جهة-تحت حجة او اخرى - وتعرقل تطوير هذا الحوار بوضع شروط جديدة ،خاصة وقد تحدث محمود عباس فى كلمة افتتاح المؤتمر بلغة ثارية (لن ننس ).

لكن ثمة امرا هاما كليا حدث فى هذا المؤتمر وظهر اكثر من غيره فى بمجرد انعقاده وصار يمثل اهم النتائج الحاكمة لكل الجوانب الاخرى ،وهو ان فتح قد اخذت الخطوة الثانية فى الانكفاء الى الداخل ،وان هذا المؤتمرونتائجه كلها تاتى على ذات القاعدة السياسية التى جرى وضع اسسها منذ تولى عباس قيادة السلطة والمنظمة وفتح ،فيما اطلق عليه الانقلاب على حركة فتح .

لقد كانت الخطوة الاولى ما بعد اوسلو هى الانتقال بمكاتب حركة فتح وكوادرها الى الضفة وغزة الا من ظهير خارجى متحرك تمثل فى مكاتب المنظمة ودور فاروق القدومى (ابو اللطف )،والان فان انعقاد المؤتمر فى بيت لحم ورفض انعقاده فى الخارج وتشكيل اللجنة المركزية من كوادر جميعها-الا ما ندر- تمارس دورها فى الارض المحتلة ،ومن كوادر هى فى اغلبها دخلت حركة فتح وتحركت داخل اروقتها فى داخل الارض المحتلة وندرة وجود اى كادر رئيسى لها فى الخارج الان ،الا باعتباره مكلفا من القيادة فى الداخل ،شكل انتقالا نهائيا نحو الداخل ،بما يمثل تطورا استراتيجيا نهائيا لبناء ودور ورؤية الحركة ،خاصة وهو ياتى منهيا علاقة الازدواج بين الموقف والدور التفاوضى والدور المقاوم ،اذ هذا التحول يجرى فى ظل قيادة تصف المقاومة ودورها ونشاطها باقذع الالفاظ.

 

الداخل والخارج

فى علاقة الداخل بالخارج فى فلسطين اهمية استراتيجية بالغة ،اذ الامر ليس مجرد مكان وحيز التواجد ،بل هو يظهر طبيعة الرؤية الفكرية والخطة الاستراتيجية للحركة ولغيرها من الحركات الفلسطينية .لقد بدات حركة فتح دورها الوطنى من خلال التواجد فى الخارج او بالدقة فى المحيط الحضارى والسياسى والجغرافى لفلسطين وفق استراتيجية الوصول للداخل من خلال قواعد فى دول الطوق ،فتحولت الى التواجد فى الخارج والعمل من الخارج بعد تشديد القوات الصهيونية اجراءاتها على الحدود .تمركزت فتح ومختلف التنظيمات فى الاردن ،حتى جرى الصراع العسكرى بين الجيش الاردنى وقوات الثوة الفلسطينية فى سبتمبر عام 1970 ،لترحل القيادة وقواتها الى لبنان وتبدا ممارسة دورها ضد اسرائيل انطلاقا من جنوب لبنان حتى جرى العدوان الصهيونى على لبنان فى عام 1982 الذى وصلت خلاله القوات الصهيونية الى حد حصار بيروت ،لتخرج قوات الثورة الفلسطينية وقيادتها من لبنان بل من اطار دول الطوق ،ولتستقر القيادة فى تونس وتتوزع القوات على بعض البلاد العربية البعيدة عن الحدود الصهيونية .كانت الخطة الاستراتيجية وتطورات الصراع قد جرت على هذا النحو .

وبالاختلاف مع تلك الرؤية والخطة جرت تجربة حماس التى انطلقت من داخل الارض المحتلة وظلت على استراتيجيتها دون تغيير ،مع توسيع دورها فى الخارج ضمن معسكرات اللجوء دون تحرك عسكرى مباشر من الخارج وفق رؤية " يمكن قراءتها كالتالى :المعركة هى على الارض الفلسطينية وحدها ودور الخارج هو توفير الدعم والمساندة للداخل سياسيا واعلاميا ومعنويا مع بقاء القيادة العليا للحركة فى الخارج ممثلة فى مكتبها السياسى" ..الخ .

وهكذا بعد اوسلو ،بدات حركة فتح السير على خط حماس من زاوية الانتقال للداخل ،لكن مع فارق كبير وخطير ،هو ان قيادة حماس ظلت فى الخارج ،وكان البناء هو فى الداخل ،بينما حركة فتح تحولت الى الداخل من الخارج،قيادة ووجودوا ،اكتمل الان بصفة كلية ،مع تغيير نوعى فى الفكر والقيادة والاستراتيجية والسياسة والممارسة .

 

الانكفاء..والانقلاب

قبل انعقاد المؤتمر الاخير لفتح ،جرت معركة سياسية داخل اروقتها قادها فارق القدومى ابو اللطف ضد انعقاد المؤتمر فى الداخل ،لكن عباس حسم الامر بقرار فوقى بانعقاده فى بيت لحم،ومن بعدها تفجرت قضية مشاركة عباس ودحلان للصهاينة فى اغتيال الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات .لم يكن المغزى فى المعركتين ،لا البعد الجغرافى ولا البعد القانونى -بما فى ذلك مسالة البحث فى مقتل عرفات -بل كان الاصل هو ان انعقاد المؤتمر فى الداخل يعنى حسما نهائيا لتوجهات فتح الاستراتيجية .لقد نظر لانعقاد المؤتمر فى الداخل على انه تاكيد لسيطرة قيادة عباس ودحلان وما يسيران عليه من رؤية وحركة ،والاهم هو ان حركة فتح بهذا القرار والانعقاد لم يعد لها "خطوط عمل ووجود فاعل فى اطراف المحيط بفلسطين ،ولم يعد لها قيادة بديلة فى الخارج ،بل صار من فى الخارج ممثلا لمن فى الداخل ،بل صارت منظمة التحرير التى الفلسطينية التى تهيمن عليها فتح مجرد هيئة مرتبطة بالداخل فى الضفة ،لا كما كانت فى الاصل ممثلة للشعب الفلسطينى فى كل ارجاء الوطن وخارجه ،وهو ما يدفع للقول باننا امام انكفاء فتح للداخل ،دون دور لقيادات فى الخارج -لا تخضع للسطوة الاسرائيلية -وهو بدوره ما يعنى تحكم قوات الاحتلال فى القرار الفلسطينى المحاصر تحت سيطرتها ، بما سينتهى الى القبول بفكرة الحكم الذاتى كامر واقع ،والتخلى عن قضايا اللاجئين وغيرها .

 

فياض يشرح عباس

ما بعد المؤتمر يمكن رصد اتجاه الحركة او وقائعها بالقول ان عباس ومن معه قد تحولوا بعد المؤتمر من الدفاع الى الهجوم .وان مؤتمر فتح فى بيت لحم ،نقطة انطلاق للرئيس الفلسطينى محمود عباس فى انهاء العديد من الملفات المعلقة فى داخل حركة فتح -خاصة وان المؤتمر انعقد متاخرا عن سابقه بنحو 20 عاما –بما جعله يكمل سيطرته على فتح ،فينهى نفوذ ودور ابو اللطف فى الخارج ،ويضعف نفوذ المتمردين عليه فى الداخل .كما ان وقئع ما بعد المؤتمر صارت تؤكد ان عباس ومن معه قد تحولوا بعد المؤتمر نحو الهجوم بعد ان كانوا منذ توليه موقع الرئاسة فى موضع الدفاع .لكن فى اتجاه يجرى الهجوم؟  

فى تحركه الاول دعى عباس على نحو عاجل ،المجلس الوطني الفلسطيني ليعقد جلسة غير عادية لانتخاب أعضاء فى المقاعد التى خلت فى اللجنه التنفيذية لمنظمة التحرير ،اذ كان توفى ثلث أعضاء المجلس خلال السنوات الماضية ولم يجر انتخاب بدلاء لهم طوال السنين الماضية ، وفى تلك الانتخابات كانت قائمة ابو مازن هى الفائزة.هنا لم يلتفت عباس لا اعتراضات من اعترضوا فى المجلس الوطنى ولا من الحركات الفلسطينية الاخرى .

وهكذا شدد عباس –ومن معه –القبضة على حركة فتح ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية ،لكن جوهر الامر لا يتعلق بالسيطرة التنظيمية بل باتجاه القرار السياسى الذى صار ممكنا له السيطرة والنفاذ ،بعد تلك السطوة او السيطرة او بعد تمام الانقلاب .وفى الاتجاه السياسى يبدو الكاشف اكثر هو تحرك رئيس وزرائه ،الذى وجد ممكنا بعد ما جرى ان يطلق برنامجا حكوميا بعنوان "إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية"، مرتكزا على الالتزام ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية وكافة الاتفاقيات الدولية التي وقعتها، ويتضمن قيام دولة فلسطينية بحلول عام 2011 دون انتظار نتائج المفاوضات مع إسرائيل. وهو ما يعنى الولوج نحو ما لم يكن ممكنا من قبل ،اذ لم يكن بمقدوره اتخاذ هذه الخطوة فى ظل وجود قوى لحماس فى الضفة –وهو ما يحابه عباس-ولا وجود تردد وصراعات داخل فتح ،على اعتبار ان مثل هذا البرنامج يعنى الوصل الى تسوية تنهى قضية اللاجئين والقدس ..وغيرها من قضايا ما يسمى بالحل النهائى ،وفى ظروف لا تخدم الا مصلحة اسرائيل .

وفى ذلك يتضح ان سيطرة عباس على فتح ومنظمة التحرير والسلطة والانكفاء على الداخل ،جميعها ترتبط بمشروع اقامة تلك الدويلة الهزل ،بالتناغم مع وعود باراك اوباما –المبنية على مشروع جورج بوش-ومؤشرات مواقف ادارته ،فى تكرار لذات السيناريو الذى جرى حين اطلق جورج بوش مبادرته لتجرى بعدها مفاوضات انابوليس التى كان اول ضحاياها هو المقاومة الفلسطينية ،لينتهى الامر بتحقيق الكيان الصهيونى مكاسبا لا حد لها .والمدهش هنا ،ان الرافض لتلك اللعبة الجارية هو نتنياهو الذى يجدها فرصة لتحقيق مكاسب اعلى واهم ،ليصبح هو كمجنون فى مواجهة من انبطح امامه ارضا –وهو عباس-وفى خلاف مع من يريد له ان يملك قدرا من العقل -فى الحصول على ما يريد دون قتل كل من يصادفه –اى باراك اوباما .