يوميات صائم.. الأفراح المعطلة!
13 رمضان 1431
خالد عبداللطيف
أمتنا بخير..!! ذلكم هو شعور المسلم في شهر الخير، وخصوصا في هذه العشر!
لكن آخرين ينظرون - لا كثر الله من هذه النظرة – لحال الأمة بعيون محبطة؛ تبصر الخير من حولها فيرتد إليها بصرها خاسئاً وهو حسير!
 

فهذه العودة إلى المساجد، وهذا الإقبال على التهجد، وهذه المسارعة إلى السؤال عن مقدار الزكاة، وهذا التحفظ مما يجرح الصوم، إلى غيرها من المظاهر الرمضانية "المفرحة" هي في هذه العيون: علامات واقع مرير، ودلالات على انفصام خطير.. وبراهين على الغثائية... وغيرها من تحليلات المتوجسين الذين يخشون غوائل التفاؤل!!

 

لكن الفطرة تأبى إلا أن يفرح المسلم عندما يرى مظاهر الخير، وإن كانت موسمية؛ فإنها دلالة على الخير الكامن في النفوس، الذي يخبو حيناً، ويبدو حيناً، وهو بين هذا وذاك مستقر بين الجوانح، تصادفه الموعظة تارة فتنفعه وترفعه، أو تستحوذ الغفلة فتصده وتمنعه!

 

وإنها لحجج الواقع على الدعاة وفقهم الله لتحريك الخير الكامن لدى الناس ، وتعاهد بذوره في النفوس بالسقيا والرعاية، يقول سيد قطب - رحمه الله تعالى – في رسالته البديعة "أفراح الروح" التي كتبها إلى أخته من محبسه يحثها على التفاؤل والإيجابية:

 

"عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أن هناك خيراً كثيراً قد لا تراه العيون أول وهلة!.. لقد جربت ذلك، جربته مع الكثيرين.. حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور.. شيء من العطف على أخطائهم، وحماقاتهم، شيء من الود الحقيقي لهم، شيء من العناية ـ غير المتصنعة ـ باهتماماتهم وهمومهم.... ثم ينكشف لك النبع الخير في نفوسهم، حين يمنحوك حبهم ومودتهم وثقتهم، في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء وإخلاص!

 

 إن الشر ليس عميقاً في النفس الإنسانية إلى الحد الذي نتصوره أحياناً. إنه في تلك القشرة الصلبة التي يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء... فإذا آمنوا تكشفت تلك القشرة الصلبة عن ثمرة حلوة شهية... هذه الثمرة الحلوة.. إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر الناس بالأمن من جانبه، بالثقة في مودته، بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم، وعلى أخطائهم وعلى حماقاتهم كذلك... وشيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله، أقرب مما يتوقع الكثيرون... لقد جربت ذلك، جربته بنفسي. فلست أطلقها مجرد كلمات مجنحة وليدة أحلام وأوهام".

 

ثم يقول (وكأنه يلمس من أرباب التوجس والتشاؤم من أحوال الناس نفوراً عن دعوتهم وإصلاحهم ):

"حين نعتزل الناس لأننا نحس أننا أطهر منهم روحاً، أو أطيب منهم قلباً، أو أرحب منهم نفساً، أو أذكى منهم عقلاً، لا نكون قد صنعنا شيئاً كبيراً... لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبل وأقلها مؤونة".اهـ.

 

إنها دعوة إلى تصحيح النظرة إلى أحوال الناس من الحنق عليهم والتغيظ من أحوالهم، إلى الإشفاق عليهم والعطف على أخطائهم؛ فهذا خاتم المرسلين وقدوة الدعاة إلى يوم الدين صلى الله عليه وسلم يدعو للمشركين "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"، ويرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده، ويؤلف قلوب صناديد الأعراب الجفاة، بأبي هو وأمي من معلم للبشرية.

 

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}.
{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}.
 
فهل آن للأفراح المعطلة أن تنطلق إلى فضاء الأمل الفسيح؟!