انهيار العولمة وإعادة اختراع العالم
25 رمضان 1430
د. محمد مورو

اسم الكتاب: انهيار العولمة وإعادة اختراع العالم
المؤلف: جون رالستون سول
ترجمة: محمد الخولي
الناشر الأجنبي:
The overlook press
 U.S.A – New York
الناشر العربي:
الدار المصرية اللبنانية – مصر
مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم – دبي
سنة النشر: 2009
عدد الصفحات: 496 صفحة من القطع المتوسط
عرض: د. محمد مورو

***


هذا الكتاب انهيار العولمة وإعادة اختراع العالم هو من نوع الرؤية النقدية والاستشرافية لظاهرة العولمة، التي يرى المؤلف أنها ظاهرة ضارة أحدثت آثاراً سيئة بالعالم ككل وبالفقراء على وجه الخصوص، ويتوقع المؤلف أن تنهار هذه الظاهرة في غضون عدة سنوات، ولكن المشكلة كما يقول المؤلف أن صعود الظاهرة أضر بالعالم، كما أن سقوطها سوف يضر أيضاً بهذا العالم.

 

يقع الكتاب في 496 صفحة من القطع المتوسط، ويتكون الكتاب من خمسة أجزاء بالإضافة إلى حواشٍ تضم تعريفاً بعدد من المصطلحات باللغتين الإنجليزية والعربية، وأجزاء الكتاب الخمسة هي السياق، الصعود، الهضبة، السقوط، أين نذهب الآن، وفي إطار تلك الأجزاء الخمسة جاءت عدد من العناوين الفرعية كالتالي، في الجزء الأول " السياق " جاءت عناوين مثل حية في الفردوس، موجز المستقبل الموعود، الأمر المسكوت عنه، موجز تاريخ الاقتصاد وقد أصبح ديانة، وفي الجزء التالي " الصعود " كانت العناوين الفرعية كالتالي عام 1971، الفراغ، مضحك الملك، مختارات من الحماس الرومانسي، القوة المتجمعة، الاقتصاد المصلوب، وفي الجزء الثالث " الهضبة " جاءت عناوين مثل النجاح، عام 1991، أيديولوجية التقدم، عام 1995، وفي الجزء الرابع " السقوط " كانت العناوين الفرعية كالتالي معادلة سلبية، المنظمات غير الحكومية والرب، تسلسل زمني للانحدار، الانشقاق الماليزي، نهاية المعتقد، الهند والصين، نيوزلند تنزلق من جديد، وفي الجزء الخامس " وأين نذهب الآن " كانت العناوين هي الفراغ الجديد: فترة فاصلة من علامات الاعتدال، الفراغ الجديد هل عادت الدولة القومية، القومية السلبية، تطبيع الحرب غير النظامية، القومية الإيجابية ثم الحواشي وثبت بأهم التعبيرات والمصطلحات.

 

المؤلف هو جون رالستون سول، وهو كاتب صحفي وروائي مولود في كندا من أب كندي وأم إنجليزية، حاصل على دكتوراة في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة لندن، من أهم المفكرين السياسيين الكنديين المعاصرين، يهتم بتحليل تاريخ الحضارة وهيكل السلطة في الغرب، وما يتفرع عن هذه الظواهر من قضايا ثقافية ومعرفية، خاصة فيما يتعلق بما لحق هذه الأوضاع من فساد، تحولت به النظم السياسية إلى خدمة جماعات المصالح واحتكارات القلة على حساب الصالح العام لأوسع قطاعات المواطنين، نال عدداً من الجوائز والأوسمة في كل من كندا وفرنسا وشيلي.

 

والمترجم هو الأستاذ محمد الخولي وهو كبير مترجمين في منظمة الأمم المتحدة وقد عمل بالأمم المتحدة كمترجم مدة 25 عاماً، وهو حالياً خبير معتمد للترجمة لدى المنظمة الدولية، كما عمل في عدد من المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي، درس الأدب الإنجليزي وعلم النفس والتربية وعلوم الاتصال، والاقتصاد السياسي في كليات الآداب والتربية والإعلام في جامعات القاهرة وعين شمس ونيويورك.

 

الفكرة الرئيسية للكتاب هي تحذير المؤلف من تحول ظاهرة العولمة إلى ما يشبه الأيديولوجية أو العقيدة الدينية حيث المبالغة في الانفلات من النظم والضوابط، بدعوى تحرر التجارة والاقتصاد، مما أدى إلى إضعاف دور الدولة ومؤسساتها وقوانينها التي تكفل في التحليل الأخير حماية النشاط الاقتصادي للمجتمع من أطماع الأفراد، كما لفت المؤلف من خلال الاستدلال بالأمثلة الواقعية النظر إلى خطورة تكريس النشاط المالي على حساب الإنتاج، واعتبار النقود أصولاً أساسية بدلاً من اعتبارها وسائل للتعامل وأداة للتبادل، مما أدى إلى الأزمة المالية الأخيرة التي أصابت دوائر المال في الولايات المتحدة، وانتقلت تداعياتها إلى مختلف أنحاء العالم.

 

أهم أفكار الكتاب

-    يرى المؤلف أن سبعينيات القرن الماضي كانت بداية هيمنة العوامل الاقتصادية باعتبارها الحقيقة المطلقة، ثم تحولت إلى ما يشبه المعتقد الديني لدرجة أن بعض مروجيها قالوا إنها المحرك الوحيد للتاريخ، وإن التقدم مرتبط بحرية التجارة وحرية السوق وإنه لا سبيل آخر لنمو الثورة إلا هذا الطريق، ومفهوم حرية التجارة هذا يشمل السلع والخدمات والأفكار والقيم والطموحات والإبداعات البشرية.

 

-    أن حرية التجارة اقتضت إضعاف دور الدولة والقوانين والضوابط ودعا البعض إلى إنهاء دور الدولة تماماً واعتبارها كائن منقرض ينتظر الموت.

 

-    اعتبر دعاة العولمة أن القطاع العام قد عفى عليه الزمن وفشل في إدارة الاقتصاد على المستوى المحلي والعالمي، وأن القطاع الخاص أكثر كفاءة، وقد لاحظ المؤلف أن هذه السياسة لم تحقق الوعود الزائفة التي بشر بها دعاة العولمة، بل انتهت إلى جيوب المضاربين وأصحاب روؤس الأموال وأدت إلى زيادة أعداد الفقراء والمهمشين، بل تسببت في تحطيم بنيان عدد من الدول النامية وقد صاحب ذلك تغول الشركات العابرة للقوميات وأصبح بعضها أقوى من الدول القومية، وصاحب ذلك جرائم الفساد والغش والتلاعب، الأمر الذي انتهى أخيراً إلى إفلاس الشركات والبنوك العملاقة، ووقع العالم في أزمة مالية طاحنة لا يعرف حتى الآن كيف يعالجها أو يخرج منها.

 

-    اعتمدت العولمة على عدد من المقومات التي ساعدت على رواجها منها صعود فكرة الليبرالية باعتبارها نهاية التاريخ، وسقوط المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفيتي السابق، والتقدم الهائل في وسائل الاتصال، واستخدمت عدداً من مشاهير الدعاة الاقتصاديين والسياسيين وعلماء الاجتماع والإعلام في ترويج تلك الأفكار، ووصل الأمر أحياناً إلى القول إنها رسالة السماء لإنقاذ البشرية!!.

 

-    عمد دعاة العولمة إلى إضعاف الوازع القومي، وتقليص سيادة الدول، واعتبار التمسك بالسيادة الوطنية فكرة قد عفى عليها الزمن.

 

-    ادعى دعاة العولمة أن حرية السوق، والعولمة سوف تؤدي إلى الرخاء للجميع، دولاً وشعوباً وأن هذا سوف يؤدي إلى إنهاء الديكتاتورية وشيوع الديمقراطية، ولكن الذي حدث كان العكس تماماً، حيث زادت أعداد الفقراء والمحرومين ولم يصل الرخاء إلا إلى القلة المتحكمة في روؤس الأموال.

 

-    أدت العولمة إلى تحطيم الكيان القومي لعدد من الدول وتسببت في صراعات عرقية في أكثر من مكان بالعالم، وهناك دول أخرى اكتشفت زيف العولمة فسعت إلى اختيار نموذجها الوطني المناسب مثل نيوزلند والهند وماليزيا والصين وبعض دول أمريكا اللاتينية.

 

حتمية أيديولوجية

دأب دعاة العولمة على تقديمها للبشرية على أنها حتمية أيديولوجية وأنه لا طريق آخر سواها، وعليك أن تسلم بهذه الحقيقة – المزعومة – أولاً ثم تناقش ما شئت من تفصيلات بعد ذلك.

 

يقول المؤلف " إن هالة الحتمية التي ظلت محدقة بالعولمة كانت من القوة لدرجة أنه حتى أهل المهن، الذين كانوا يعارضون في مجموعهم مثل هذه الأيديولوجية صاروا مضطرين إلى أن يبدأوا معارضتهم بإبداء الموافقة، ومنهم على سبيل المثال اثنان من الاقتصاديين الحاصلين على جائزة نوبل وهما جوزيف ستجلتز الذي يقول " لا نستطيع أن نتراجع عن العولمة فقد جاءت هنا لتبقى والمسألة هي تفعيلها " ثم أمار تياسن الذي يقول " الحل غير المتاح هو ذلك الحل الذي يتعلق بوقف عولمة التجارة والاقتصاد " ".

 

وينتقد المؤلف هذه الحتمية المزعومة قائلاً " إن كثيراً مما يقال بأنه حتمي لا يعدو أن يكون نتيجة مبادرات لغوية ليس إلا ".

 

ويرى المؤلف أن الوقوع في أسر هذه القناعة يؤدي إلى نتائج وخيمة تماماً فيقول " تأمل كيف فُرض على الميزانيات الوطنية أن تدخل بالحتم، ضمن نمط التخصص المالي عبر السنوات الماضية لتلبي مقتضيات الأسواق الدولية، وقد أدى ذلك في بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وهو البلد الذي يعدونه منشأ نظريات الموازنة المالية الحتمية، تركت نفسها لأسوأ حالات العجز بأكثر مما شهده أي بلد على مر التاريخ ".

 

وهذه الحتمية في رأي المؤلف هي كذبة كبرى، يقول:" إن رغبتنا في التصديق في حتمية الأشياء يمكن تلخيصها على أفضل وجه بوصفها " متوالية الشمس التي لا تغرب قط "، والمشكلة أن الشمس تغرب دائماً ".

 

عقيدة دينية

يقول المؤلف " إن ما نكتشفه في أنماط التبشير بالعولمة هو نوعاً من القناعات أولاهما تتمثل في النزعة الدولية الاقتصادية التي تعبر عنها صراحة التجارة الحرة وهذا اعتقاد راسخ تشوبه مسحة بروتستانتية وتوراتية، وهذا هو العامل الذي يدفع الأفراد الأسوياء إلى أن يبادروا بصراحة لكي يعتنقوه ويبشروا به، القناعة الثانية أكثر تنوعاً وربما جاءت محصلة للأولى، وهي تتعلق بالأمر البديهي، بمعنى أنها القناعة التي لا بد من التسليم بها، فالاعتقاد قائم وموجود، ولكن الأمر كله يتطلب فقط معبداً تتردد في جنباته تراتيل المتعبدين ".

 

وقد استخدم أنصار العولمة لغة دينية تماماً في الحوار مع الآخرين أو في نشر أفكارهم يصفها المؤلف بأنها اللغة الدينية الجديدة بمعنى لغة الاختصاصي المتجرد الذي ينهض وقد أحدقت به كتائب تبدو في إهاب قرائن تستند إلى حقائق، كان ذلك سلوكاً جيزوتياً ولكنه قابل لتفسيرات شعبوية، وما عليك سوى أن تتعامل معه على أنه نسخة معدلة من شعار " إلى الأمام أيها الجنود المسيحيون "، وكأنها حقائق تقول أن الرب-بزعمهم- كفيل بسحق الكفرة المارقين، حيث يتجلى المنطق المطلق الذي سبق أن اتبعه كوبدن مدعياً امتلاك زمام الحقيقة والسيطرة على قوى الحتم التي تشق طريقها بلا هوادة، ويرى كوبدن وهو أحد مفكري العولمة " أن أي قانون يعارض العولمة إنما يتدخل في حكمة العناية الآلهية، ويحل قانون الأشرار محل قانون الطبيعة ". ويصل الأمر إلى أن يقول فرنسيس فوكوياما بنهاية التاريخ وأن "ثمة عملية أساسية تفعل فعلها وتفرض نمطاً مشتركاً من التطور على جميع المجتمعات ".

ويستشهد المؤلف برأي الفيلسوف جورج شتاينر، بأن ما يحدث اليوم هو أصولية تتحرك بخطى عمياء، وأنها أصولية دينية اقتصادية شبيهة بنزعة السكولستين التي شهدتها أوروبا في العصور الوسطى ".

 

الفجر الكاذب

الذين روجوا للعولمة قالوا أنها ستؤدي إلى رخاء العالم كله، وتقليل عدد الفقراء وحل أزمة الديون وأن هذه أحلام تقتضي التضحية بنمط الدولة القومية أو التركيب التقليدي للنقابات والمؤسسات الوطنية، ولكن بعد عقدين من ظهور العولمة، كانت المحصلة مؤسفة يقول المؤلف " كانت النتيجة هو الوصول باقتصاديات معظم الدول وخاصة دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية وبعض دول آسيا إلى حالة من التوقف، ومعظمها لا يزال حتى الآن شبه متوقف لما يقرب من 20 سنة ".

 

ويضرب المؤلف عدداً من الأمثلة استناداً إلى إحصائيات رقمية قائلاً " في الفترة من 1950 إلى 1980 أي قبل العولمة ارتفع نصيب الفرد مثلاً في أمريكا اللاتينية بنسبة 12.4 % سنوياً أما في الأعوام من 1980 إلى عام 2000 " أعوام ذروة العولمة " انخفضت تلك النسبة إلى 0.4 %، وفي أفريقيا ارتفع في الفترة من 1950 إلى 1980 بنسبة 1.8 % وما لبث أن انخفض في الفترة من 1980 إلى عام 2000 بنسبة 6.2 % ".

 

وهناك إحصاءات بغير حصر لهذا النوع وكلها تحمل الرسالة نفسها، أن حقبة العولمة دمرت أصقاعاً واسعة النطاق في العالم، وأشد الأرقام إيلاماً تقول لنا أولاً أنه بحلول التسعينات كانت أفقر البلدان تنوء بديون لم تكن قادرة على خدمتها، إلا بأن تدمر نفسها، وتقول ثانياً: أن هذه الديون لم يطرأ عليها تغيير حقيقي حتى اليوم رغم ما يثار في الغرب من أحاديث، وما يطرح من طائفة واسعة النطاق من الحلول الجزئية، وفي كل الأحوال فقد تدهورت الأحوال السياسية والاجتماعية، وتم تخفيض البرامج الصحية والتعليمية، حيث أن القاعدة الدولية المطبقة، أو هكذا تبدو، أن المتاح ليس سوى حيز ضئيل لتنفيذ مثل هذه البرامج، إذا كان الأمر يقتضي خدمة الديون.

 

وفاة العولمة

يحدد المؤلف عام 2003 بأنه عام انكشاف زيف العولمة، وخروج عدد من الدول والرؤساء على هذا النظام أمثال الهند وماليزيا والصين والبرازيل، ومن ثم إعادة الاعتبار للنزعة الوطنية والقومية، وأنه بحلول عام 2005 كان قد تم التأكد من وفاة العولمة، ويضع المؤلف لذلك عنواناً هو النهاية المعلنة للعولمة، ومنذ عام 2001 تزايدت أخبار الانهيار الاقتصادي حيث أصاب التدهور الحاد الأعمال التجارية التي تستخدم التكنولوجيا الرفيعة على مستوى العالم، وكانت قطاعات الحواسيب الإليكترونية في أسوأ أحوالها رغم حياتها القصيرة، وكذلك قطاعات السفر الجوي حتى في ضوء معاييره الكارثية، وبعد تحريره من أي ضوابط، وكان تسريح الموظفين في كل الاتجاهات وثبت خطأ القول القائل بأن الشركات عبر الوطنية أصبحت هي الدول القومية الجديدة، وقد عادت الحكومات التي تسلمت مقاليد الدول القومية، عادت من جديد لتتسلم مقاليد السلطة، وتجرأ مهاتير محمد رئيس ماليزيا عام 2003 حيث أسهب في نقد سياسات العولمة وتباهى بنجاح ماليزيا عقب اتباعها نموذجاً وطنياً، لم تعد العولمة ديناً جديداً، أو حتمية أيديولوجية بل مجرد تجربة فاشلة تخضع للنقد، وعلى نفس المنوال قال دي سيلفا رئيس البرازيل أن هناك نوعاً جديداً من الشعبوية المستندة إلى الدولة القومية، ومرة كان ذلك رفضاً للحكمة التقليدية للعولمة، وبعبارة أخرى أعلنت النماذج الحديثة من الديمقراطية أن الحكم الأخير للدولة القومية وليس للاقتصاد وأن الدولة القومية والمصلحة الوطنية والمحلي مقابل العولمي هي النهج الذي نستند إليه كمنظور نطل منه لكي نتعامل مع الإجراءات الدولية. وبحلول 2005 اُختزلت تماماً الافتراضات القديمة بحتمية الاقتصاد وتبدد بشكل عام ذلك الإيمان بقيادة الشركات ثم عودة السياسة لكي تملأ الفراغ.