تمدد النفوذ "الإسرائيلي" في آسيا الوسطى: أذربيجان نموذجاً
25 رمضان 1430
هشام منور

مع انهيار منظومة دول الاتحاد السوفيتي نهاية القرن الماضي، وانشغال الدول التي كانت تنظم عقده بترسيخ استقلالها وسيادتها، وترسيم حدودها وبناء علاقاتها الاستراتيجية والسياسية مع بقية دول العالم، بدت دول وسط آسيا، ذات الغالبية المسلمة، والتي تتمتع بموقع جغرافي هام ومميز، وبثروات معدنية ونفطية كبيرة، تستقطب دول العالم الكبرى وتجتذب الاستثمارات الأجنبية لتمويل مشاريع استثمار ثرواتها الباطنية الهائلة، والسيطرة على واحد من أهم طرق تصدير منابع الطاقة البترولية إلى أوروبا وآسيا الشرقية (اليابان وكوريا).

وعلى الرغم من المزاعم التي راجت حينها حول اشتعال المنافسة الاقتصادية والسياسية بين دول منظومتي آسيا الوسطى والشرق الأوسط، الذي يضم دول الخليج العربي، حول تصدر الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية بالنسبة لبقية دول العالم، وما أشيع عن "وهم" احتدام التنافس بين المنطقتين على استقطاب رؤوس الأموال الغربية، فإن الواقع يشهد بكون المنطقتين يشكلان من الناحية العملية إقليمياً جغرافياً متكاملاً، ويعدان امتداداً طبيعياً لخط الثروات الباطنية التي تنعم بها المنطقتان، وهو ما يفرض على دول المنطقتين تحقيق التقارب والتكامل الاقتصادي والسياسي بينها، بحكم العوامل الكثيرة المشتركة التي تجمع بينها من تاريخ وجغرافيا ودين ومصالح اقتصادية مشتركة.

وكالعادة، فقد تنبه "الوسيط" المأجور (الكيان الصهيوني) إلى أهمية ما تتمتع به دول منظومة آسيا الوسطى التي كان يجمعها الاتحاد السوفيتي، فسارع إلى عقد الاتفاقات والتحالفات معها، وكان من أوائل المعترفين باستقلالها وبحقها في تقرير مصيرها، على حد زعمه، بل ودعم حقها في استثمار ثرواتها الباطنية الهائلة، ولجأ إلى زرع قدمه من بين أوائل المستثمرين لتلك الثروات بوصفه ممثلاً لغيره من مصالح الدول الغربية، ولعل الزيارة التي قام بها رئيس الكيان الصهيوني (شمعون بيريز) إلى كل من أذربيجان وكازاخستان تندرج في سياق تعزيز مكاسب الكيان الصهيوني ومن يمثله من حصة تلك الثروات، رغم أنها تشكل تغييراً تكتيكياً مهماً في إعادة صياغة صورة التحالفات الإسرائيلية مع دول آسيا الوسطى.

ومؤخراً، توجه وفد طبي إسرائيلي يضم 70 متطوعاً إلى أذربيجان لإجراء جراحات لمصابين بالصمم وضعف السمع، وتدريب الأطباء هناك على كيفية التعامل بفاعلية مع هذا المرض؛ بحسب صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية. وقد وصف المراقبون تلك الخطوة بأنها محاولة من "إسرائيل" لتحسين صورتها لدى الدول الإسلامية، والفوز بموطئ قدم في جمهوريات آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية.

وتقود الوفد منظمتا "حديم" و"أي فروم زايون" الإسرائيليتان، اللتان أكدتا أن "مهمتهما إنسانية في المقام الأول"؟!. وجاءت هذه المبادرة في البداية من (ناتي ماركوس) مؤسس منظمة "آي فروم زايون"، التي قامت بأنشطة كثيرة على مدى السنوات الثلاث الماضية في مناطق مختلفة من العالم لتزويد المحتاجين بالمساعدات الإنسانية، بحسب صحيفة (يديعوت أحرونوت).

ووقعت "إسرائيل" في السنوات الأخيرة مع أذربيجان عقوداً لبيع أسلحة، وأقامت علاقات وثيقة في المجال الاقتصادي والعسكري مع كازاخستان، وتندرج زيارة الوفد الطبي الإسرائيلي في هذا السياق، كما قدم الأطباء الإسرائيليون أجهزة طبية للمرضى الآذريين تقدر بنحو 52 ألف دولار أمريكي، وساعدوا في علاج 40 رجلاً وامرأة وطفلاً.

والحال أن منطقة القوقاز وآسيا الوسطى أو اللتان تعرفان إجمالاً بمنطقة أوراسيا تمثل الحيز الجيوسياسي الأكثر أهمية لمشروع الهيمنة الأميركية الذي تعد "إسرائيل" شريكاً رئيسياً فيه، وعلى هذه الخلفية فقد سعت "إسرائيل" إلى تقديم عدد من الخدمات لحليفتها، وفي مقدمتها، القيام بدور الوكيل الأميركي الذي يقوم بإيصال دعم واشنطن إلى جورجيا. والقيام بدور قناة تمرير المعلومات الاستخبارية التي يتم تجميعها عبر الجماعات اليهودية المنتشرة في بلدان آسيا الوسطى والقوقاز إلى واشنطن منذ أيام الاتحاد السوفيتي السابق. كما تعاونت "تل أبيب" مع "واشنطن" خلال فترة إدارة بوش لجهة القيام بإشعال مشروع الثورات الملونة، وعلى وجه الخصوص في جورجيا وأوكرانيا، إضافة لذلك فقد سعت "إسرائيل" إلى توظيف قدرات الجماعات والمنظمات اليهودية في آسيا الوسطى للسيطرة على الأنشطة الاقتصادية والسياسية وبناء الكتل السياسية الموالية للغرب.

إلا أن فشل مشروع الثورات الملونة الذي مولته الولايات المتحدة عبر "إسرائيل"، ونكسة نظام (ساكاشفيلي) الجورجي، أدى إلى تغيير لمعالم الاستراتيجية الإسرائيلية في آسيا الوسطى من خلال التركيز على أن يكون التعاون الإسرائيلي مع (أذربيجان) بدلاً من (جورجيا)؛ لأن أذربيجان توجد فيها حقول النفط والغاز، إضافة إلى أن خطوط نقل النفط والغاز من بحر قزوين وبلدان آسيا الوسطى سيتم تمريرها عبرها، فضلاً عن مجاورة أذربيجان لإيران ومحاولة "إسرائيل" الاستفادة من ذلك في أي مخطط مستقبلي يستهدف إيران.

كما تقوم الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة على التركيز على (كازاخستان) لتكون الشريك الرئيسي لها في آسيا الوسطى بدلاً من (أوزبكستان) التي تعاني من تناسل الحركات الإسلامية و(قيرغيزستان) و(طاجيكستان) اللتين أصبحتا أكثر ارتباطاً بروسيا، و(تركمانستان) التي بدأت تميل إلى التفاهم مع إيران وروسيا وتركيا.

وجاءت جولة (شيمون بيريز) الدبلوماسية إلى كل من أذربيجان وكازاخستان في سياق محاولة "إسرائيل" إبراز مكانتها وعلاقاتها القوية بدول وسط آسيا، لتخفيف الضغط على حكومة نتنياهو اليمينية، وبالتالي فإن على واشنطن الاعتماد على "إسرائيل" باعتبارها تملك مفاتيح كازاخستان الدولة الرئيسية في آسيا الوسطى، وأذربيجان الدولة الرئيسية في القوقاز الجنوبي.

لا يمكن بحال من الأحوال إغفال أهمية دول القوقاز وآسيا الوسطى بالنسبة للتوازنات الاستراتيجية العالمية، ورغم تشكيل هذه المنطقة لامتداد حقيقي للمسرح الجيوسياسي العربي في صراعه مع الكيان الصهيوني، ووجود العديد من الروابط التاريخية والجغرافية والدينية التي تجمع أبناء المنطقتين المتجاورتين، إلا أن "إسرائيل" لا تزال تراهن على قدرتها على اجتذاب دول آسيا الوسطى وتحييدها عن مسرح الصراع القائم، بل والتحالف معها ضد بقية دول المنطقة العربية.