أبناؤنا والألعاب النارية في رمضان
18 رمضان 1430
صلاح فضل توقة

اللعب للأطفال نشاط حيوي هام في حياتهم , لا يقتصر دوره على تسليتهم وإشغال أوقات فراغهم بل يعتبر من الأنشطة المحورية التي يمارسها أبناؤنا منذ البداية ، وحتي نهاية مرحلة المراهقة ،ويكون لها تأثير علي شخصيتهم، واتجاهاتهم في المستقبل .

 
واللعب نشاط معقد ،يعتمد علي عدة عوامل ،صحية ،ونفسية ، واجتماعية ، وبيئية ، ولذلك إذا ماتوافر في نشاط اللعب الظروف السليمة لممارسته ، فإنها تؤدي الي نتائج إيجابية تساعد في نمو القدرات العقلية كالذكاء ،والقدرة علي مواجهة المشكلات ، ومواجهة مختلف المواقف الطارئة ،كما يساعد في نمو المهارات الاجتماعية ، كالمهارة في تكوين العلاقات الاجتماعية والمشاركة الجماعية  .
 
ويساهم نشاط اللعب أيضا في إشباع الحاجات النفسية ، والاجتماعية للأبناء ، كالحاجة إلى الاعتماد على النفس ، والحاجة إلى التنافس و التفوق ، والانتماء ، كأمثلة لمثل هذه الحاجات .
 
وعن طريق اللعب يكتسب الأبناء العديد من القيم ، والصفات الخلقية مثل الصدق ، والشجاعة والإقدام، ومساعدة ونجدة الآخرين ، كما يعد اللعب من أدوات التنشئة الاجتماعية ، والتي يمكن للآباء والأمهات ،والمربيين بصفة عامة توظيفها لتنمية بعض الاتجاهات السلوكية المرغوبة وتوجيه الابن نحو غايات بعينها ، وفي نفس الوقت يمكن توظيف اللعب ، للحد من ممارسة سلوكيات مرفوضة ، قد لا تفلح معها الوسائل التربوية المباشرة .
 
كل هذه المؤشرات جعلت علماء النفس والتربية، ينظرون إلى اللعب كوسيلة من وسائل العلاج النفسي والتربوي ومقياس من مقاييس الشخصية ، يتمتع بدرجة عالية من الصدق والوضوح .
 
وبصفة عامة يعد نشاط اللعب من المؤشرات المهمة للحكم على درجة صحة وسلامة الحياة الاجتماعية والنفسية لأولادنا .
 
واللعب في الإسلام من الأمور المباحة والتي لاحرج فيها، طالما توافرت  فيها الشروط والضوابط الشرعية ، وكان النبي صلي الله عليه وسلم يمر علي الأطفال وهم يلعبون، فيقرهم على لعبهم وفي هذا يقول أنس رضي الله عنه " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم " على غلمان يلعبون فسلم عليهم "
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يحض المسلمين علي تعليم أولادهم ما يعود عليهم بالنفع والفائدة حتى وإن كان في ظاهر النشاط اللعب والترفيه ،فيقول رضي الله "عنه علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل "
 ومن ناحية أخري يمكن النظر إلي اللعب وأدواته ،علي أنه محصلة و نتاج للبيئة التي يعيش فيها الإنسان ،وانعكاس للظروف التي يمر بها المجتمع، ومؤشرا لحضارته ومدي رقيه وتقدمه .
 
كما يختلف اللعب كنشاط إنساني باختلاف البيئات، والعصور الزمنية ، وتتعدد وتختلف تبعا لها وسائل وأدوات اللعب ، أو ما نسميه الألعاب ، فمن هذه الألعاب ماهو فردي، ومنها ما هو جماعي ومنها ماهو ساكن أو متحرك هادئ أو صاخب ... إلي غير ذلك من تصنيفات الألعاب .
 
 
وهناك من الألعاب ما يرتبط بالمواسم والأعياد ،والاحتفالات الاجتماعية ،ويندر أن تظهر في غيرها ،أوفي خلال الأيام العادية .فهي العاب موسمية احتفالية ،ويدخل ضمن هذه الفئة ،الألعاب النارية علي اختلاف أنواعها وأشكالها .
وتأتي الدول العربية، علي رأس الدول الأكثر استهلاكا لهذه الألعاب ، ومما يؤسف له ،أن هذه الألعاب يرتبط ظهورها في بلادنا بقدوم شهر رمضان المعظم ،بينما تختفي تقريبا في باقي شهور السنة
 
وانتشار الألعاب النارية علي هذا النحو وارتباطها بشهر رمضان ، بات يشكل ظاهرة ومشكلة تعاني منها الكثير من بلداننا العربية والإسلامية ، لذلك كان لابد لنا من الوقوف علي هذه المشكلة لتفسيرها ومعرفة أسبابها ووضع الحلول المقترحة لعلاجها والقضاء عليها ، وهذا ما سنجتهد في بحثه خلال السطور القادمة .   
 
 
الألعاب النارية
هي مواد كيماوية تتفاعل ، وتتحول إلى غازات ولهب ،  وتحدث صوت انفجار كما تحدث ألوانا واضواء ، وترجع البدايات الأولي لظهور الألعاب النارية إلي أوائل القرن الثامن عشر عندما اخترعت الصين البارود الأسود .
ومما ساعد على انتشارها عدة اسباب من
 -1ضعف وغياب الوازع الديني
2- غياب دور الأسرة الرقابي والتوجيهي
-3ضعف وغياب دور أئمة المساجد في النصح والتوجيه وضعف صلتهم برواد المسجد
4- الفراغ وانعدام الهوايات المفيدة
-5التقليد والمحاكاة
-6 أصدقاء ورفاق السوء ،والقدوة السيئة
7- مواقع الإنترنت التي تروج للألعاب النارية
 -8جشع التجار المتعاملين بهذه الألعاب وغياب التقوى والورع عنهم
9- غياب الرقابة الحكومية علي الأسواق والمحلات التجارية
 -10رعونة الحملات الأمنية في مطاردة تجار الألعاب النارية ومصادرتها
-11وسائل الإعلام وخاصة المرئية
 -12العاب الأتاري والفيديو "جيم "
 
الأضرارالناجمة عن الألعاب النارية
 
1ـ الأضرارالصحية
قد تؤدي مثل هذه الألعاب إلي احتمال إصابة من يلعب بها بالحروق والتشوهات المختلفة في مناطق الجسم، ويشير الأطباء إلي أن العين والأذن ،من أكثر أعضاء الجسم تأثرا لدرجة قد تصل الي فقدان حاستي السمع والبصر ،والتأثير علي وظائف المخ .
 
2 ـ الأضرار البيئية
ـ تحدث الألعاب النارية عند انفجارها صوتا شديدا، يؤدي إلي حدوث التلوث الضوضائي وإزعاج الآخرين
ـ تلوث الهواء نتيجة للغازات ، والأبخرة الضارة الناجمة عن تصنيعها وانفجارها .
ـ تعرض مناطق تصنيع وتخزين الألعاب النارية إلي  كوارث محققة ، نتيجة لما يقع بها من حرائق وانفجارات .
3ـ الأضرار النفسية
تؤدي الألعاب النارية إلي حدوث آثار نفسية سيئة، نتيجة لتفضيل الأطفال لهذه الألعاب كوسيلة للعب علي غيرها من الألعاب الآمنة،مما يترتب عليه ميل الأطفال الي العنف والشجار مع الآخرين وأحيانا تكون نتيجة هذا الشجار القتل، أو التسبب في إحداث عاهة دائمة .
 
كما قد تؤدي إلي ضعف قدراتهم الذهنية مما يجعلهم، أكثر عرضة للانحراف والفشل الدراسي أكثر من غيرهم ،كما أنهم يكونون أيضا أكثر عرضة للأمراض النفسية المزمنة كالصرع والفصام .
 
4ـ الأضرار الأجتماعية
ـ تهديد حياة الآمنين وتعريضهم لمشاعر القلق والفزع
ـ تعرض حياة الذين يعانون من أمراض مزمنة كالضغط والقلب للخطر الذي قد يصل الي حد الوفاة نتيجة لتعرضهم لصدمة مفاجئة ناجمة عن انفجار هذه الألعاب
ـ وقوع المشاجرات والمشاحنات بين الأهالي وخاصة الجيران مما يترتب عليه ضعف العلاقات والصلات بين الجيران ،أو انقطاعها كلية .
 
وتشير إحدي الدراسات التي أجريت علي عينة من الأطفال الذين يفضلون الألعاب النارية علي غيرها من الألعاب الأخري ،وكانت تقع أعمارهم مابين 9 ــ 15عام إلي النتائج التالية .
*66,5%   قاموا بعمليات سرقات متنوعة .
*12,5%   قاموا بالاشتراك في جرائم قتل .
60,5* %  استخدموا الأسلحة النارية في مشاجراتهم .
55,5*%   كانت أعمالهم الإجرامية مقصودة و بشكل متعمد .
*
45 %     كانت أسباب القتل عندهم مشاجرات عابرة .
20*%      كانت أسباب القتل عندهم العبث في السلاح .
4* %      من الأطفال قتلوا إخوانهم .
4*%       من الأطفال قتلوا زوجة الأب .
2*%       من الأطفال قتلوا الأب .
 
ولكن لماذا تظهرالألعاب النارية في رمضان بالتحديد ؟
 
مع قدوم شهر رمضان تنتشر الألعاب النارية ،ويسمع دوي انفجارها في كل مكان بصورة عبثية تدل علي عدم احترام قدسية هذا الشهر الكريم، أو احترام مشاعر المسلمين ،من جانب من يستخدمونها من الأطفال والشباب، أو يتجرون بها .
 
ويعد انتشار الألعاب النارية علي هذه الصورة التي نشاهدها في شوارعنا ،أو تنقل إلينا عبر وسائل الإعلام المختلفة دليل علي غياب الوعي الديني والاجتماعي عن هذه الفئات ،وقد تكون هذه الألعاب وسيلة شيطانية لاستفزاز الصائمين واستدراجهم للتلفظ بكلمات تتنافي مع خلق الصائمين أو جرهم الي مشاكل ومشاجرات مع مستخدمي هذه الألعاب أو ذويهم  تصرفه بعيدا عن عبادة الصوم ، وبذلك ينالوا من صيام الذين لم تفلح الشراك الإعلامية في الإيقاع بهم ،حسب ظنهم .
 
كما قد تؤدي هذه الألعاب الي قطع الصلاة علي المصلين أو اعتكاف المعتكفين ،فمثل هؤلاء السفهاء لايتورعون عن اللعب بجوار بيوت الله .
 
وبناء علي هذه الأضرار وغيرها ، أفتي علماء الإسلام بحرمة شرائها أوبيعها أوتصنيعها أواللعب بها وفي هذا الصدد نسوق فتوي الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الجزءالثالث من مجموع فتاواه، التي قال فيها بحرمة بيع وشراء هذه الألعاب وذلك لوجهين
الوجه الأول : أنها إضاعة للمال وإضاعة المال محرمة ، ولنهي النبي صلي الله عليه وسلم عن ذلك .
الوجه الثاني :أن فيها أذية للناس بأصواتها المزعجة ،وربما يحدث منها حرائق إذا وقعت علي شئ قابل للاحتراق ،وهي حية لم تطفأ .
فمن أجل هذين الوجهين نري أنها حرام وأنه لايجوز بيعها ولاشراؤها .
 
علاج المشكلة
 
مشكلة الألعاب النارية هي مشكلة مجتمعية وليست مشكلة أفراد ،ولذلك فإن علاج هذه المشكلة ومواجهتها يتطلب تضافر الجهود الفردية ،والجماعية علي المستويين الرسمي والتطوعي وللوصول الي نتائج إيجابية يجب التركيز علي الأسباب الجوهرية للمشكلة والابتعاد تماما عن التركيز علي الأعراض المصاحبة للمشكلة ، عند التدخل لعلاجها .ويجب الأخذ في الاعتبار أن علاج المشكلة لن يكون بين عشية ،وضحاها ،وإنما قد يستغرق زمنا طويلا .
وفي هذ الإطار يمكن اقتراح بعض الحلول لعلاج هذه المشكلة .
 
1ــ التنشئة الاجتماعية السليمة في الأسرة والتقويم المستمر لسلوكيات الأبناء ،مع محاسبتهم علي المصروف اليومي وماذا فعلوا به .
2ــ العمل علي غرس القيم والتعاليم الإسلامية وخاصة التي تساعد النشء علي التعامل مع الآخرين بصورة يرضي عنها الله وخاصة التي تتعلق بحق المسلم علي أخيه المسلم ، وحق الجيران ، وحق الطريق .
3ـ تفعيل قاعدة لاضرر ولاضرار وربطها بما تسببه الألعاب النارية من أضرار.
4ـ قيام أئمة المساجد بالنصح والإرشاد وتبيين موقف الدين من هذه الألعاب وخاصة في شهر رمضان .
5ـ تكوين مجموعات تطوعية من أهالي الشارع أو الحي للمرور علي التجار لمحاولة إقناعهم بالتخلي عن بيع الألعاب النارية .
6ـ عقد الندوات والمحاضرات في الأندية وأماكن التجمعات للتحذير من أخطار الألعاب النارية .
7ـ تخصيص فقرات تحذيرية في مختلف وسائل الإعلام وخاصة المرئي منها وكذلك مواقع ومنتديات الإنترنت .
8ـ مقاطعة بضائع المحلات التي تبيع الألعاب النارية
9ـ سن القوانين التي تجرم التعامل بالألعاب النارية بيعا وشراء وتصنعيا
11ـ تخصيص موضوعات في الكتب الدراسية للحديث عن الآثار الضارة للألعاب النارية
12ـ شعور كل فرد بمسؤلياته تجاه إخوانه المسلمين كأفراد وواجباته تجاه مجتمعه ودولته وذلك من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،والدعوة الي الله بالحكمة والموعظة الحسنة .