أفكار حتى لا يضيع ما تبقى في رمضان
15 رمضان 1430
أسماء عبدالرازق
مضت أيام جليلة لموسم عظيم من مواسم الطاعة، وقد كان سلفنا الصالح يحرصون فيه على اغتنام الأوقات، والمسارعة في الخيرات؛ ينظرون إلى أجل الأعمال وأفضلها فيستكثرون منها، فلا يخرج الشهر إلا وقد جنوا من ثمار الإيمان شيئاً كثيراً.
 أما كثير من أهل زماننا هذا فالشهر عند بعضهم موسم تجمع وولائم، وعند آخرين موسم سهر وفوازير ومسلسلات، وعند مجموعة ثالثة تسوق واغتنام لموسم التخفيضات.
حتى الذين يسعون للاستفادة من الشهر ربما تسببت العادات الاجتماعية في تضييع أوقاتهم، وتغيير برامجهم.
 
فكيف يمكن أن تستفيد المرأة المسلمة من وقتها في هذا الشهر الفضيل مع مستجدات العصر التي تقتل الأوقات وتهدر الطاقات؟ وكيف توفق بين التزاماتها تجاه زوجها وبيتها وأولادها ومجتمعها وتستفيد من أيام هذا الشهر المبارك في الإكثار من فعل الصالحات؟
 
أولاً: ينبغي للمرأة المسلمة أن تحدد لنفسها برنامجاً واضحاً تلتزمه، وتتخير لتنفيذه الأوقات التي لا يزعجها فيها الأطفال، ولا تنشغل فيها بشواغل ولو اقتطعتها من وقت نومها. وألا تؤجله حتى تفرغ من أعمالها لأنها في الغالب كلما انتهت من مهمة خطرت لها أخرى، أو طرأ طارئ لم يكن في الحسبان، وحتى لو لم يشغلها شاغل فإنها تكون منهكة ضعيفة التركيز وربما نامت والمصحف بين يديها قبل أن تكمل وجهاً واحداً.. هذا البرنامح كان ينبغي وضعه والآن سارعي بوضعه.
 
ثانياً: الاستفادة من الأوقات القصيرة التي تضيع سدى في الانتظار ولاسيما أثناء العمل المنزلي بتلاوة قرآن، أو مطالعة أحاديث، أو ذكر أو قربة أخرى.
 
ثالثاً: الاستفادة من الوقت في إنجاز أكثر من عمل. فأثناء أعمال المطبخ مثلاً يمكنها أن تلقن الأخت إخوتها الصغار أو الأم أبناءها الصغار بعض الآيات، أو تسمع لهم شيئاً مما حفظوه، أو تلقنهم بعض الأذكار أو تعلمهم بعض السنن أو غير ذلك مما لا تحتاج فيه كبير تركيز، وهي بذلك تشغل وقتها بأكثر من عمل صالح: فعملها في المطبخ إن احتسبت الأجر فيه: وقامت به لأجل إطعام جائع وتفطير صائم وصناعة لضعاف مساكين وغير ذلك إن احتسبت هذا فما أعظم غُنْمَها! وفي نفس هذا الوقت هي مأجورة على ذكرها أو تلاوتها ونحوهما، وفي نفس هذا الوقت أيضاً هي مأجورة على ما تقوم به من تعليم وتربية إيمانية، وفي نفس هذا الوقت كذلك هي شاغلة لأبنائها عن كثرة الحركة والصراعات، والعبث بالأشياء وإتلافها، وفي نفس هذا الوقت أيضاً يكتب لها أجر صيانة الأطفال ووقايتهم من شر التسمر أمام شاشات التلفزيون، أو الملهيات غير المنضبطة الأخرى.. فلله ما أعظم أجرها!
 
إن الأم لو استشعرت أن الحرص على تنشئة الأبناء على الجد والصلاح وطلب العلم من أجل الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى ربه، بل إنها من أعمالها التي سيستمر ثوابها بعد طي صحائف أعمالها لما قدمت على ذلك شيئاً من المشاغل، ففي الحديث:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له"[1]، وصح عند مسلم أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم: أن من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئاً[2]! وقد قال الله تعالى: (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) [يس: 12]، فأثر تعليمك طفلك آيةً لن يندرس بل هو مكتوب في إمام مبين، وأجره متجدد لك كلما قرأ الآية طفلك إلى أن يشيب!
 ثم إن المسلمة إن فاتها العلم الذي ينفع الناس، أو لم تعط من المال ما تنفقه في أوجه البر، فلن يعجزها أن تتعهد بنيها بالتربية والتوجيه والتعليم، وأن تسأل الله لهم الهداية والصلاح، لتنعم ببرهم في حياتها، وليستمر أجرها بعد مماتها، وليكونوا سبباً في صلاح أمتهم وعزها.
 
ومن الأمور التي يمكن أن يعيننا هذا الشهر الكريم في تربية الأبناء عليها: مراقبة الله تعالى السميع البصير العليم، وتعظيم حرماته سبحانه، وحب الطاعات والمسارعة في فعلها، وبغض المنكرات والحرص على اجتنابها، وتقديم الطاعة على رغبات النفس وشهواتها، والصبر، وأن نربط كل ذلك بطلب رضوان الله تعالى.
 
كذلك مما ينبغي أن لا تغفل عنه المربية تعليم الصغار فضيلة شهر رمضان وتعظيم حرمته، وتعظيم الأجور فيه وتعظيم مكان هذا الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن.
وأيضاً من أهم ما ينبغي مراعاته إيقاظ الأبناء لأداء الصلاة فلا يقطعون النهار بالنوم بحجة الصيام فيضيعون الصلوات.. فالغاية من الصيام رضا الله، والله لا يرضى عن عبده إذا ضيع صلاته.
 
رابعاً: احتساب الأجر فيما تفعل وما تدع، فلا تتبرم وتتضجر لظرف طارئ تسبب في تغيير برنامجها، بل تستشعر أن كل عمل نافع اقترن بنية صالحة فلن يضيع أجره، وأن العمل المتعدي النفع ربما كان أعظم أجراً إذا كانت حقاً طالبة لما عند الله.
 
خامساً: بعض الأمهات تفقد السيطرة على أعصابها لا سيما عند ضيق الوقت وكثرة ما ينبغي إنجازه، فلتحاول كل واحدة أن تتذكر فضيلة حسن الخلق، وأن المسلم قد يبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم، فتروض نفسها على التحلي بالصبر، واللين، وجميل الخلال، وطوبى لمن خرج رمضان وقد خرجت منه بخلق حسن.
 
سادساً: الاستفادة من الآخرين قدر الإمكان سواء كانوا أبناء حتى لو صغرت أعمارهم، أو إخوة، أو زوجاً مع إشعار الجميع بفضيلة التعاون على الخير مع تقدير ظروفهم وعدم تحميلهم ما يشق عليهم.
 
سابعاً: في كثير من المجتمعات تعود الناس على الاجتماع عدة مرات خلال الشهر، وهذا قد يشعر بعض الحريصات بأنهن يضيعن النهار في التجهيز للاجتماع ويضيع الليل في الضيافة والجلسات المطولة، حتى إذا انفض سامر القوم وجدت ربة البيت نفسها منهكة وربما لم تصل غير المكتوبة. صحيح أن اجتماع ذوي الأرحام والمعارف على المائدة فيه تأليف للقلوب، وفيه تفطير للصائمين، لكن من الممكن أن يتحقق كل ذلك دون مبالغة في إعداد الطعام وتطويل في أوقات الجلسات. كما أن الاجتماع ليس مسوغاً لتضييع الوقت، بل الممكن التخطيط لبرامج مفيدة لمثل هذه الجلسات، والحرص على صلاة العشاء في وقتها، والعناية بصلاة التراويح.
           
والأفكار كثيرة وعلى كل واحدة أن تنظر في حالها وتتدارك ما فاتها ولاسيما أن الحماس يقل إذا انتصف الشهر، فلتعزمي أختي على الخروج بأكبر قدر من المغانم في هذا الموسم الفاضل فلعله يكون آخر موسم تشهده فمن يدري!
 


[1] مسلم: (1631).
[2] مسلم: (1017).