محاولة اغتيال الأمير.. بؤرة عدسة الجهل
9 رمضان 1430
أمير سعيد

ذاع في بعض المنتديات خبر تبني "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية" للمحاولة البائسة لاغتيال الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية السعودي، ومع هذا فلا أحد يمكنه أن يؤكد أو ينفي هذا التبني لأن البيانات مجهولة لحد الآن، كما أن التبني لا يؤكد المسؤولية ولا نفيها يرفع المسؤولية عن التنظيم، ذاك أن كل شيء فيما يخص هذا التنظيم قد أضحت مجهولة، وكثير من المعلومات صارت محل نظر لأن فيهم من يؤمن بأن كثيراً من الغايات تبررها الوسائل المنفلتة من عقال الشرع والحكمة والعقل.

وعندما تبنى تنظيم القاعدة في العراق قبل أيام حملة تفجيرات لم يستطع الباحثون تأكيد صدقية هذا التبني إذ إن ما يرفع أسهم هؤلاء لدى أنصارهم سيبقى محل ترحيب حتى لو لم يكونوا مسؤولين عنه.

والخلاصة أننا أمام عملية غريبة بل شديدة الغرابة يتبناها تنظيم لا يُدرى ما الذي ستحققه له مثل هذه التفجيرات العبثية التي تزيد واقعهم بؤساً وتزيد من الاحتقان وتقدم المبررات لكل من أراد أن يرمي الإسلام بسهم في داخل هذه البلاد أو خارجها.

لا الهدف مفهوم إلا في داخل حيز الرغبة الدفينة في الثأر ممن يقلم أظافر هذا التنظيم في السعودية، ولا الوسيلة ناجحة في تحقيق ما يصبون إليه؛ فلا هدف صحيح ولا وسيلة مناسبة ولا جدوى ولا مشروعية ولا أي مقوم يمكن أن يرتكن عليه هؤلاء العابثون.

إن الإبحار في عقل هؤلاء البسطاء يقود دوماً إلى فهم النفسية الحاكمة لهذه الأفعال الشائنة ويدفعنا إلى السؤال المصيري، وهو لماذا قتل هذا الشاب نفسه؟! وأي هدف كان يرجو أن يتحقق بقتل نفسه؟!

ما من أحد من أهل العلم المعتبرين فيما نعلم من أقصى الأرض إلى أقصاها كان سيقول لهذا الشاب أقدم على هذه المهلكة، ولا أحد يمكنه أن يبرر له هذا الاستخفاف بروحه أولاً حتى قبل الاستخفاف بروح الأمير، ولو راجع أحداً من العقلاء كان سيواجهه بالحقيقة التي يعميه عنها الثقة الزائدة غير المبررة بقادته محدودي العلم والثقافة والتفكير والسياسة الذين زجوا به في هذه العملية غير المفهومة تحت أي عنوان وأي سقف.

سيقودنا التفكير والإبحار في عقل هذا الشاب الذي استخدم وسيلة "التوبة" أداة للقتل أنه لا يحترم أي عالم في الدنيا إلا قادته ورموزه غير العلمية التي يردد خلفهم بلا تفكير "عليك بأهل الثغور" للإفتاء والمعرفة، دونما اعتبار إلى أن هذا النص الوارد على لسان بعض العلماء في السابق إنما كان يعني أهل الثغور من أمثال عبد الله بن المبارك والعلماء الكبار الذين كانوا جنوداً في الفتوحات الإسلامية النظيفة لا التفجيرات الدموية العابثة في قلب ديار الإسلام ووسط أبنائه، ولم يكونوا بهذه البساطة المعرفية بأصول الفقه والعقيدة واعتبارات المصالح والمفاسد في كل عمل يقدمون عليه، أعني أهل الثغور الافتراضية.

إنها حالة من ضيق الأفق تقود إلى الانتحار على بعد أمتار من الأمير محمد بن نايف، ثم هي حالة أخرى من التعامي عن كل ما قد ينفعهم هم أنفسهم قبل غيرهم بعملهم على إغلاق أي باب أمام الأغرار الشباب منهم للتراجع؛ إذ حين يُفتح أمامهم باب للتفاهم والتراجع والتعقل يعمدون بأيديهم إلى إحكام إغلاقه مفضلين ألا يتم التعامل الأمني معهم إلا باليد الحديدية فقط!!

إنها عقدة حب العنف والتعامل العنيف أيضاً من الطرف الآخر ليعرف "المجاهد" المفترض أنه على الصواب لأنه "يبتلى"! دون النظر إلى شمولية الإسلام وحكمته وسماحته وشريعته الغراء التي أثرت علماءها بـ"الفقه" وهو الفهم والعقل والحكمة في التصرف، واختطت للعامة طريق التعلم واستفتاء أولي العلم والفقه ممن يملكون الأداة ويتقنون الحرفة.

هي حالة إذن تجعل صاحبها مشدوداً نحو حل كل مشكلة تقابله بالسلاح والتفجير دون نظر إلى مشروعية ذلك أو عدم مشروعيته، جدواه أو عدمه، ودون اعتبار لحرمة الدم المسلم أو تقدير لقيمة أخلاقية تتكسر على حافة الوسيلة الغادرة، وهي حالة تجمع كل من يخالفها في سلة واحدة من العداء، في تقليد واضح للمفكر الثائر، دنيس ديتروت، على الحكم الديكتاتوري الأوربي الذي كانت تعينه الكنيسة قبل قرنين من الزمان الذي قال: "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس"، يقول بعض منظري هؤلاء وينتشر بينهم هذا القول العجيب: "اشنقوا آخر حاكم عربي بأمعاء آخر شيخ رسمي"، بما يوحي بأن القادم أسوأ فيما تقدم، إذا إن المبررات الوهمية ستفتح الأبواب أكثر للتكفير والإقصاء لكل من يعترض طريق هؤلاء دون وازع من شريعة أو أخلاق، وبما يعني أن جهد العلماء يجب أن يتضاعف لوقف هذا الاستهتار ليس بالأرواح فحسب، وإنما أيضاً بالمنظومة القيمية التي تحكم جموع المسلمين تطبيقاً لشرع الله الذي ينادي به هؤلاء بلسانهم ويجافونه بسلوكهم.