حقوق الجار (2-3)
2 رمضان 1430
د. نايف بن أحمد الحمد

وقد جاء من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه بلفظ: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اطرح متاعك في الطريق) قال: فجعل الناس يمرون به فيلعنونه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لقيت من الناس قال: (وما لقيته منهم)؟ قال: يلعنوني قال: (فقد لعنك الله قبل الناس) قال: يا رسول الله فإني لا أعود قال: فجاء الذي شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (قد أمنت)(1).

يَلُومُونَنِي إذْ بِعْت بِالرُّخْصِ مَنْزِلًا *** وَلَمْ يَعْرِفُوا جَارًا هُنَاكَ يُنَغِّصُ
فَقُلْت لَهُـمْ كُفّـوا الْمَلَامَ فَإِنَّهَا *** بِجِيرَانِهَا تَغْلُو الدِّيَارُ وَتَرْخُصُ(2)

وأول الخصوم يوم القيامة الجيران فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوَّلُ خَصْمَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَارَانِ)(3) قال المناوي رحمه الله تعالى: أي أول خصمين يقضى بينهما يوم القيامة جاران آذى أحدهما صاحبه اهتماماً بشأن حق الجوار الذي حث الشرع على رعايته(4).

 

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:قال رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِى بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)(5) لعظم حقه، وواجب بره قال ابن بطال رحمه الله تعالى: فى هذا الحديث الأمر بحفظ الجار والإحسان إليه والوصاة برعي ذمته والقيام بحقوقه(6).وقال بدر الدين العيني رحمه الله تعالى: قوله سيورثه أي سيجعله قريبا وارثا وقيل معناه أي يأمرني عن الله بتوريث الجار من جاره وهذا خرج مخرج المبالغة في شدة حفظ حق الجار(7).عن مجاهد قال: كنت عند عبد الله بن عمرو، وغلامه يسلخ شاة فقال: يا غلام إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي. فقال رجل من القوم: اليهودي أصلحك الله؟ قال إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يوصى بالجار حتى خشينا أو رؤينا أنه سيورثه(8).

 

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ)(9) "لأن الجار لما كان مأمورا بالإحسان إلى جاره كان المتمسك به مستوجبا للثواب فمن كان أكثرهم حظا من ذلك كان أعظمهم ثوابا عليه فكان عند الله خيرهم في الضيافة"(10) لذا فكل مَن كان أكثر خيرا لصاحبه وجاره فهو أفضل عند الله والعكس بالعكس(11).

 

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي(12)؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم (إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا)(13)(14)لأنه المراد بـ (الجار ذي القربى) على أحد الأقوال، وقد قُدِّم في الذكر على الجار الجنب اهتماماً به واعتناء بشأنه، ففيه إيماء إلى تقديمه عند المضايقة(15).وقال المهلب: وإنما أمر بالهدية إلى من قرب بابه لأنه ينظر إلى ما يدخل دار جاره وما يخرج منها فإذا رأى ذلك أحب أن يشارك فيه وأنه أسرع إجابة لجاره عندما ينوبه من حاجة إليه في أوقات الغفلة والغرة فلذلك بدأ به على من بعد باب داره وإن كانت داره أقرب(16).

 

________________

(1)    رواه الحاكم (7303) والطبراني في المعجم الكبير (356)وفي مكارم الأخلاق (234) قال الذهبي عن إسناد الحاكم: على شرط مسلم. وقال المنذري: رواه الطبراني والبزار بإسناد حسن بنحوه. الترغيب والترهيب (3867)
(2)    بهجة المجالس 1/291الآداب الشرعية 2/82
(3)    رواه أحمد (17410) والطبراني في المعجم الكبير (836) و(852) قال المنذري: رواه أحمد واللفظ له والطبراني بإسنادين أحدهما جيد. الترغيب والترهيب (3866) وقال الهيثمي: رواه أحمد بإسناد حسن. مجمع الزوائد 10/632
(4)    التيسير بشرح الجامع الصغير 1/791
(5)    رواه البخاري(5669) ومسلم (6854)
(6)    شرح صحيح البخاري 9/221
(7)    عمدة القاري 23/197
(8)    رواه البخاري في الأدب (128) والبيهقي في الشعب (9564) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2792) وابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (321) وصححه الألباني في تعليقه على الأدب المفرد.
(9)    رواه أحمد (6566) والبخاري في الأدب (115) والترمذي(1644) وحسنه والدارمي (2437) وابن خزيمة (2539) والحاكم(1620) والطبري في تفسيره 8/345 وصححه وقال المناوي: إسناده صحيح.
(10)    المعتصرمن المختصر من مشكل الآثار 2/177
(11)    التيسير بشرح الجامع الصغير 1/ 1065
(12)    قال ابن أبي جمرة: الاهداء إلى الأقرب مندوب لأن الهدية في الأصل ليست واجبة فلا يكون الترتيب فيها واجبا. فتح الباري 10/447
(13)    رواه البخارى (2455)
(14)    قال ابن بطال رحمه الله تعالى: " لا حجة فى هذا الحديث لمن أوجب الشفعة بالجوار، لأن عائشة إنما سألت النبى صلى الله عليه وسلم عمن تبدأ به من جيرانها فى الهدية، فأخبرها أنه من قرب بابه أولى بها من غيره، فدل بهذا أنه أولى بجميع حقوق الجوار وكرم العشرة والبر ممن هو أبعد منه بابًا " ا.هـ شرح صحيح البخاري 6/382
(15)    دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين 2/455
(16)    شرح البخاري لابن بطال 6/383 فتح الباري 10/447 عمدة القاري شرح صحيح البخاري 18/249