هيكل: الموضوعية المصطنعة والقومية المزعومة
18 شعبان 1430
منذر الأسعد

من المتفق عليه، أن الصحافي المصري محمد حسنين هيكل هو أشهر صحافي عربي على الصعيدين العربي والعالمي.غير أن الشهرة وحدها ليست مرادفاً للدلالات الإيجابية، فقد يشتهر شرار الخلق ولا يحظى بها الأخيار، فكيف والرجل قد اشتهر بسبب احتكاره كل ما كان النظام الناصري يود تسريبه وإقناع الناس به؟

 

هذا لا ينفي غزارة معلومات حسنين هيكل، ولا تمتعه بأسلوب صحافي رشيق ومتميز، واستفادته الذكية من الظرف الاستثنائي الذي عاشه في الفترة الناصرية، عندما كان-فعلياً-الصحافي الوحيد الذي يصل إلى ما لا يتاح لسواه، نتيجة علاقته الشخصية برأس النظام الاستبدادي، وما نجم عنها من خوف الآخرين منه بمن فيه كبار الساسة والقادة!!

 

وهيكل المتعصب لنظام عبد الناصر لتلك الأسباب، يصر على تزوير التاريخ العربي المعاصر لمصلحة ذلك النظام الكارثي، فالقضية لديه نرجسية خاصة به، وليست وفاء خالصاً لصاحب الفضل عليه، بدليل أن هيكل لا ينتقص من سيده إلا أمام صورته هو، فمن يتابع كتبه وأحاديثه عن الحقبة المذكورة، يكاد يتصور أنه شريك عبد الناصر في الحكم/بل ربما بدا هو الأصل وناصر هو التابع أو الفرع.

 

هذه الاحترازات ضرورية لتكوين صورة أمينة عن هيكل، ولكي تكشف مدى تحيزاته في تزييف الواقع الراهن، جرياً على عادته في تقديم قراءة غير أمينة للتاريخ القريب الذي لا يعلم تفاصيله أكثر أبناء الجيل الجديد.

 

لذلك يسهل على الخبير بخلفية هيكل، أن يتوقع مسبقاً مواقفه من أي حَدَثٍ جارٍ، وبخاصة إذا كانت لهذا الحدث علاقة بالسعودية أو مصر، ولو كانت علاقة غير مباشرة، كمجريات الوضع اللبناني أو الفلسطيني أو الإيراني.

 

واليوم نأتي بشاهد طازج من تعليقات هيكل على الاضطرابات التي تعيشها إيران منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث فاز محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية، في خضم اعتراضات شعبية واسعة غير مسبوقة منذ ثورة الخميني، ما زالت تفاعلاتها ملتهبة وتداعياتها مستعرة.

 

فهيكل أذكى من أن يتحدث بأسلوب فج مفضوح، ولذلك تراه يعترف بأن مظاهرات المعترضين على نتائج الانتخابات الرئاسية قد نالت من هيبة النظام الإيراني، لكنه يستهين بها عندما يزعم أن هذا النظام لا يزال قوياً وراسخاً حتى الآن، وأن نظام ولاية الفقيه ما يزال متماسكاً وسلطة المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي تمسك بالنظام في ظل وضع داخلي متماسك.

ومع إقراره بأن الأزمة الحالية في إيران تشكل تحدياً كبيراً للنظام، فإنه يسخّفها إذ يحصرها في مشاكل شخصية بين المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي والرئيس محمود أحمدي نجاد.كما دعا هيكل العرب إلى اتخاذ خطوات إيجابية نحو إيران لأنها تمثل عنصراً مهماً للتوازن الاستراتيجي والأمني في المنطقة.

 

ولا يتجلى حجم الأدلجة الدعائية الهيكلية، إلا إذا عقدنا مقارنة بين آرائه المنحازة وبين كتّاب آخرين، مثل الكاتب الإيراني الأصل صفا هيري، ولا سيما قول الأخير:

(من أكثر نتائج الإنتخابات درامية هو أن "على الخامنئى" أصبح مجرد قائد لحزب سياسي ينتمي للأقلية، من الممكن أن يُهزم بأي وقت، بعدما كان "المرشد الأعلى" لجميع الإيرانيين).

 

فهيري يؤكد أن تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران تم بقرار من علي خامنئي "مرشد الثورة الإسلامية" أعلنه في 13 يونيو 2009 بالموافقة على نحو غير متوقع وغير دستوري على نتائج الانتخابات الرئاسية العاشرة التي عقدت في اليوم السابق، وهو المشهد الختامي في السيناريو الذي تم وضعه في الأشهر السابقة، كما تم تنفيذه بدقة سويسريه متناهية. وقد تعمد المرشد بذلك إغلاق الأبواب أمام كل الإحتمالات الممكنة لإعادة تصحيح نتائج الانتخابات التي تم تزويرها على نطاق واسع (البعض قال إن هذا أول انقلاب انتخابي في التاريخ) إلا أن ما لم يضعه في حسبانه هو أن يؤدي هذا إلى تدمير سمعته والمنصب الذي وصل إليه بعد كفاح ومجهود شاق، وهز الثقة في مصداقيته و تهديد استقرار النظام الذي إعترف الجميع في الداخل والخارج بأنة نظام "غير قابل للتغيير"، على الأقل في المستقبل القريب أو المتوسط.

 

وقد أراد خامنئي من خلال فرض أحمدي نجاد على الشعب الإيراني، برغم عدم شعبيته، التخلص ممن بقي من الحرس القديم للثورة الإسلامية، واكتساب رضى و تأييد الجيل الجديد من أمثال أحمدي نجاد وغيره من ضباط الحرس الثوري الإيراني الذين يدينون بولائهم له.

 

وقد كانت أهم النتائج التي أسفر عنها هذا "الانقلاب الانتخابي" هي أن علي خامنئي لم يعد يُنظر إليه، سواء من قبل الإيرانيين أو العالم على أنه "المرشد الديني" لجميع الإيرانيين، ولكن على أنه زعيم حزب سياسي من أحزاب الأقلية معرض للهزيمة كغيره من الأحزاب.

 

أما دعوة هيكل البلدان العربية إلى اتخاذ خطوات إيجابية نحو طهران، فإنها تكشف حقيقة قلمه بالرغم من براعته التقليدية في ستر نياته وراء حذلقات لغوية وتشقيقات بلاغية.فهيكل القومي المدافع عن عراق صدام حسين يدعو إلى مغازلة أعداء العراق، وشركاء واشنطن في تمزيقه وتفكيك أواصره.وهيكل المتدثر بعباءة العروبة يحث قومه على تقديم مزيد من التنازلات لنظام الآيات الذي يحتل الجزر الإماراتية الثلاث، ويواصل احتلال الأحواز ويسوم أهلها العرب سوء العذاب، ويرفض أي تسمية للخليج العربي غير التسمية الموروثة عن الشاه المقبور(الخليج الفارسي)!!!

فهلا يسكت هيكل بعد هذه الفضائح المهينة؟