اللاجئون العراقيون من لهم، مرة أخرى
18 شعبان 1430
د. جاسم الشمري

من الأمور التي اهتم بها بعد كل مقال يوفقني الله لكتابته أن أتابع الردود التي تصلني على مقالاتي عن طريق البريد الالكتروني، أو التي تنشر مع المقال، ومن ضمن التعليقات التي توقفت عندها هو تعليق لأحد الأخوة الأفاضل على موضوعي الأخير في موقع المسلم الأغر " اللاجئون العراقيون من لهم"، وكان نص التعليق "اللاجئون العراقيون من لهم؟ لهم الله هو مولاهم وحسبهم، نعم المولى ونعم النصير" إنتهى التعليق.

 

في البدء أنا اشكر الأخ الذي لم يكتب اسمه على التعليق لاهتمامه بالأمر.
ثم أنه مما لا شك فيه أن إيماننا بالله الواحد الأحد هو من أكبر أسباب الصبر والنصر العراقي الذي يفتخر به المسلمون في شتى بقاع الأرض، ولو لا هذا الصبر والإيمان لما استطعنا أن نهزم القوة الأقوى والأشر على وجه المعمورة، واقصد جيش الاحتلال الأمريكي، إلا أنني انظر لهذه المسألة التي ذكرها الأخ المعلق من زاوية أخرى، سأحاول إبرازها، وسأحاول أن أدلل على ما اذهب إليه بآية قرآنية كريمة، أو حديث نبوي شريف.

 

من المعلوم أننا تعلمنا من ديننا جملة من الأمور التي تجعلنا في حالة من النشاط والعمل إلى أن نموت، حيث روى البخاري رحمه الله عن رسول الله  ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال :((إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيله فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها )).  
ونحن مؤمنون بان الله سبحانه وتعالى هو مولانا وحسبنا ونعم المولى ونعم النصير، لكن أين دورنا نحن العراقيين، وأين دور العرب مما يجري في العراق، وباقي بلدان العالم التي تعاني من ظروف مقاربة أو متشابهة؟!!
التوكل على الله يحتاج إلى العمل، أنّ التوكل لا ينافي الأخذ بالأسباب، وحكاية الرجل الذي ترك دابته عند باب المسجد ودخل ليصلي، وحينما خرج لم يجدها فرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له تركت دابتي عند باب المسجد وتوكلت على الله وجئت  للصلاة فقال له عليه الصلاة والسلام أعقلها؟، قال: لا ،قال: اعتقلها وتوكل، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رجل: يا رسول اللّه أعقلها وأتوكّل، أو أطلقها وأتوكّل؟ - لناقته- فقال صلى الله عليه وسلم: «اعقلها وتوكّل» [سنن الترمذي].
وهنا نريد أن نذّكر بدور المسلمين تجاه أهلهم في العراق، وفي غيره، وما الذي يمكن أن يقدموه لهم في محنتهم التي يمرون بها.

 

1- الدعاء :- ما تعرض له العراق جعل الجهاد في هذا البلد فرض عين؛ لان الغزاة هم منْ جاءوا إلى أرض الإسلام، وهذا يسمى عند العلماء جهاد الدفع، ونحن نعرف صعوبة مناصرة العراقيين بالجانب البشري بسبب الكثير من الظروف التي يعرفها الجميع إلا أن الدعاء واجب على المسلمين في بقاع الأرض لنصرة أهلهم في العراق، قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ} [غافر:60]، الدعاء كلَّه خير، فعن أبي سعيد رفعه: ((ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلاَّ أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إمَّا أن يُعجِّل له دعوته، وإمَّا أن يدَّخرها له في الآخرة، وإمَّا أن يصرف عنه من السوء مثلها)) - أخرجه أحمد، وهنا يبرز دور العلماء والدعاة والخطباء والوعاظ في تذكير الناس بهذه الجوانب المهمة من هذه القضية.

 

2- الدعم المادي :-  يقول الحق سبحانه وتعالى: “يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقكم الله من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون”254 البقرة، ففي هذه الآية الكريمة يوجه الحق سبحانه وتعالى نداء إلى المؤمنين يأمرهم فيه ببذل أموالهم في سبيل الدفاع عن الحق؛ حتى يكونوا أهلا لرضا الله تعالى ومثوبته.

 

ومن هذه الصور، إسكان الأيتام والأرامل والفقراء والمساكين عن طريق بناء وحدات سكنية خاصة بهم، تكون وقفاً عليهم من خلال عمل مشروع مدروس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله» واحسبه قال: «وكالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر» متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه..» رواه مسلم.

 

والمعلوم أن العراقيين ـ في الداخل والخارج واللاجئين خاصة، المتواجدين في البلدان التي لجئوا إليها يعانون من جملة من الصعوبات، حيث يمكن أن تساهم الشعوب العربية والبرلمانات والجمعيات الخيرية بدعم هؤلاء عبر جملة من المشاريع الإنسانية التي لا اعتراض عليها من أحد، ومنها المستشفيات والدعم المادي للطلبة وغيرها من سبل المعونة حيث إن العراقيين في الخارج في اغلبهم نفذ ما لديهم من مال؛ بسبب طول المدة التي هجروا فيها من العراق، وكذلك بسبب ضيق فرص العمل لهم.

 

3- الدعم المعنوي :- ومن وسائل الدعم التي يمكن أن تقدم للشعب العراقي عموماً هي الدعم المعنوي والإعلامي حيث يمكن لرجال الإعلام العرب والمسلمين أن يبرزوا حقيقة الأوضاع المتردية في العراق والنفس الطائفي الذي يسيطر على الحكومات التي نصبها الاحتلال، ويمكن لعلماء المسلمين عبر منابر الجمعة ودروس العلم أن يذكروا بالواجب الشرعي على المسلمين تجاه أخوانهم من العراقيين في الداخل والخارج .
لقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)المائدة/2.
وهنا يمكن أن يسال كل إنسان مسلم غيور نفسه ماذا قدمت للعراقيين في محنتهم، ولغيرهم من المسلمين؟

 

أنا  اعرف أن الجواب سيكون ـ بصراحة ـ مرآة عاكسة لصورة الخذلان والنسيان لأهلنا في العراق من قبل نسبة كبيرة من المسلمين وخصوصا في الفترة الأخيرة، وانخداعهم بما سمي العملية السياسية وكذبة الاستقرار الأمني والوحدة الوطنية.
ولا ننسى قول النبي صلى الله عليه وسلم مثل قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه  متفق عليه، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر:" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، رواه الإمام مسلم، هكذا مثلهم صلى الله عليه وسلم بالجسد الواحد، وفي بعض الروايات:  كمثل الجسد الواحد أو كالإنسان إذا اشتكى عينه اشتكى كله وإذا اشتكى رأسه اشتكى كله  فهكذا أيضا يحس بآلام إخوته؛ إذا عرف أن هناك أخ له قد تألم وتضرر؛ فإنه يحس بألمه، وكما أنه يسعى في تخفيف الألم عن أخيه، فكذلك أيضا يسعى في تخفيف الألم عن نفسه؛ يعني كما يسعى في تخفيف الألم عن ابنه وأبيه وأقاربه؛ فكذلك المسلمون جميعا.
آفة الانهزامية لا يمكن أن تقود إلى انتصار الأمة، والإتكالية هي من الأمراض الخطيرة التي أصابتنا اليوم، فإننا إذا أردنا أن ننتصر علينا أن التوكل على الله حق التوكل، والأخذ بالأسباب المشروعة للوصول إلى الغايات المشروعة التي ترضي الله سبحانه وتعالى.
هي دعوة من باب التذكير فقط، قال تعالى (وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين) الحجر 9.
والله من وراء القصد.
[email protected]