اللؤلؤ والجوهر المستخرج من سورة الكوثر (4-4)
17 شعبان 1430
د. نايف بن أحمد الحمد

الإيمان بالحوض

ولعل من المناسب أن أذكر بعض المسائل المتعلقة بحوض النبي صلى الله عليه وسلم:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: " قال القرطبي في المفهم تبعا للقاضي عياض مما يجب على كل مكلف أن يعلمه ويصدق به أن الله سبحانه وتعالى قد خص نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالحوض المصرح باسمه وصفته وشرابه في الأحاديث الصحيحة الشهيرة التي يحصل بمجموعها العلم القطعي إذ روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة نيف على الثلاثين منهم في الصحيحين ما ينيف على العشرين وفي غيرهما بقية ذلك(1) مما صح نقله واشتهرت رواته ثم رواه عن الصحابة المذكورين من التابعين أمثالهم ومن بعدهم أضعاف أضعافهم وهلم جرا وأجمع على إثباته السلف وأهل السنة من الخلف وأنكرت ذلك طائفة من المبتدعة وأحالوه على ظاهره وغلوا في تأويله من غير استحالة عقلية ولا عادية تلزم من حمله على ظاهره وحقيقته ولا حاجة تدعو إلى تأويله فخرق مَن حرَّفه إجماع السلف وفارق مذهب أئمة الخلف , قلت: أنكره الخوارج وبعض المعتزلة "ا.هـ(2).

 

وأول مَن جاء عنه إنكار الحوض عبيد الله بن زياد ثم آمن به فعن أبي سبرة قال: كان عبيد الله بن زياد يسأل عن الحوض حوض محمد صلى الله عليه و سلم وكان يكذب به بعد ما سأل أبا برزة والبراء بن عازب وعائذ بن عمرو ورجلا آخر وكان يكذب به فقال أبو سبرة: أنا أحدثك بحديث فيه شفاء هذا إن أباك بعث معي بمال إلى معاوية فلقيت عبد الله بن عمرو فحدثني مما سمع من رسول الله صلى الله عليه و سلم وأملى علي فكتبت بيدي فلم أزد حرفا ولم أنقص حرفا حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يحب الفحش أو يبغض الفاحش والمتفحش) قال (ولا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش وقطيعة الرحم وسوء المجاورة وحتى يؤتمن الخائن ويخون الأمين) وقال (ألا إن موعدكم حوضي عرضه وطوله واحد وهو كما بين آيلة ومكة وهو مسيرة شهر فيه مثل النجوم أباريق شرابه أشد بياضا من الفضة من شرب منه مشربا لم يظمأ بعده أبدا) فقال عبيد الله: ما سمعت في الحوض حديثا أثبت من هذا فصدَّق به وأخذ الصحيفة فحبسها عنده.(3)

 

وعن أنس رضي الله عنه قال: دخلت على عبيد الله بن زياد، وهم يتراجعون بينهم الحوض فلما رآني قال: قد جاءكم أنس، فانتهيت إلى القوم فقالوا: ما تقول في الحوض يا أنس؟ قال: فاسترجعت، وقلت: ما حسبت أن أعيش حتى أرى مثلكم ينكرون الحوض، لقد تركت بعدي عجائز ما تصلي واحدة منهن صلاة إلا سألت الله عز وجل أن يوردها حوض محمد صلى الله عليه وسلم(4).

 

هل الحوض هو الكوثر أو غيره؟

اختلف في ذلك العلماء ولعل أظهر أقوالهم وأصحها دليلا وتعليلا هو أن الحوض غير الكوثر وهو خارج الجنة أما الكوثر فداخلها وهذا ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة وقد سبق أن ذكرت جملة منها والحوض يتغذى من الكوثر إذ يصب ميزابان من الكوثر على الحوض كما في حديث أبى ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما آنية الحوض؟ قال صلى الله عليه وسلم (وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا أَلاَ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْمُصْحِيَةِ آنِيَةُ الْجَنَّةِ , مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيْهِ , يَشْخُبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ , مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ , عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ مَا بَيْنَ عمانَ إِلَى أَيْلَةَ(5) مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ)(6). والحوض يرده المسلمون قبل دخولهم الجنة قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى: الحوض في العرصات قبل الصراط(7)، لأنه يختلج عنه، ويمنع منه أقوام قد ارتدوا على أعقابهم، ومثل هؤلاء لا يجاوزون الصراط. وروى البخاري ومسلم عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ)(8). والفرط: الذي يسبق إلى الماء.ا.هـ(9)

 

وهذا الحوض مربع الشكل زواياه سواء كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (حَوْضِى مَسِيرَةُ شَهْرٍ وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ وَمَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ الْوَرِقِ وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلاَ يَظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَدًا)(10) كما سبق ذكر عرضه وطوله في حديث أبي برزة وأبي ذر رضي الله عنهما.

 

وهناك أقوام لا يردون الحوض وقد ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث منها:

ما رواه أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ الْحَوْضَ رِجَالٌ مِمَّنْ صَاحَبَنِى حَتَّى إِذَا رَأَيْتُهُمْ وَرُفِعُوا إِلَيَّ اخْتُلِجُوا(11) دُونِي فَلأَقُولَنَّ أَيْ رَبِّ أُصَيْحَابِى أُصَيْحَابِي فَلَيُقَالَنَّ لِي إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ)(12) قال عبد القاهر البغدادي رحمه الله تعالى: وأجمع أهل السنة على أن الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم من كندة وحنيفة وفزارة وبني أسد وبنى قشير وبني بكر ابن وائل لم يكونوا من الأنصار ولا من المهاجرين قبل فتح مكة وإنما أطلق الشرع اسم المهاجرين على من هاجر الى النبي صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة وأولئك بحمد الله ومنِّه درجوا على الدين القويم والصراط المستقيم.ا.هـ(13)

 

وقال الخطابي رحمه الله تعالى: لم يرتد من الصحابة أحد وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب ممن لانصرة له في الدين وذلك لا يوجب قدحا في الصحابة المشهورين ويدل قوله أصيحابي بالتصغير على قلة عددهم. وقال غيره: قيل هو على ظاهره من الكفر والمراد بأمتي أمة الدعوة لا أمة الإجابة. ا.هـ(14)

وقيل هم المنافقون أو أصحاب الكبائر أو أصحاب الفرق الضالة والمبتدعة.(15)

 

وممن يُردُّ عن حوضه صلى الله عليه وسلم ما رواه حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (إِنَّهَا سَتَكُونُ أُمَرَاءُ يَكْذِبُونَ وَيَظْلِمُونَ فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنَّا وَلَسْتُ مِنْهُمْ وَلَا يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَسَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ)(16)

 

عن العباس الجريري أن عبيد الله بن زياد قال لأبي برزة رضي الله عنه: هل سمعت النبي صلى الله عليه و سلم ذكره قط يعنى الحوض؟ قال: نعم لا مرة ولا مرتين فمن كذب به فلا سقاه الله منه (17).

 

ورأيت حوض الكوثر الصافي الذي *** لا زال يشخب فيه ميزابان
ميزاب سنته وقول إلهه *** وهما مدى الأيام لا ينيان
والناس لا يردونه إلا من الآ *** لاف أفرادا ذوي إيمان
وردوا عذب مناهل أكرم بها *** ووردتم أنتم عذاب هوان(18)

 

اللهم إنى أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تجعلنا ووالدينا ممن يرد حوض وكوثر نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وأن تسقينا منهما شربة لا نظمأ بعدها أبدا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله وسلم وزاد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

______________

(1)    وقد سرد جمع من العلماء رواة أحاديث الحوض وقد أوصلها بعضهم إلى ثمانين صحابيا. انظر: تهذيب سنن أبي داود 13/56 عمدة القاري 33/396 نظم المتناثر للكتاني /238
(2)    فتح الباري 11/467 وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم 15/53 فيض القدير 3/528 أنكر المعتزلة والخوارج الحوض لحجج عقلية واهية أوردوها لا تُعارض بمثلها النصوص المتواترة والنبي صلى الله عليه وسلم لم يُلق بالاً بكلام مَن عارض حُكمَه بحجج يظنها عقلية ومنطقية كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما فى بطنها فاختصموا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم فقال حمل بن النابغة الهذلى يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إنما هذا من إخوان الكهان). من أجل سجعه الذى سجع. رواه مسلم (4485).
(3)    رواه أحمد (6514) وابن المبارك في الزهد (1610) والحاكم 1/147 والبيهقي في البعث والنشور (145) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح فقد اتفق الشيخان على الاحتجاج بجميع رواته غير أبي سبرة الهذلي وهو تابعي كبير مبين ذكره في المسانيد و التواريخ غير مطعون فيه.
(4)    رواه ابن المبارك في الزهد (1609) والحاكم (260) والبيهقي في البعث والنشور (148) واللفظ له وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي , وصحح إسناد البيهقي الحافظُ ابن حجر في فتح الباري 11/468
(5)    وجاء في أحاديث صحاح تحديده بمدن أخرى وهذا مما لا تعارض فيه فقد حدَّث النبي صلى الله عليه وسلم كل قوم بما يعرفون قال القرطبي رحمه الله تعالى " ظن بعض الناس أن هذه التحديدات في أحاديث الحوض اضطراب و اختلاف و ليس كذلك، و إنما تحدث النبي صلى الله عليه و سلم بحديث الحوض مرات عديدة وذكر فيها تلك الألفاظ المختلفة مخاطباً لكل طائفة بما كانت تعرف من مسافات مواضعها، فيقول لأهل الشام ما بين أذرح و جرباً، و لأهل اليمن من صنعاء إلى عدن. و هكذا و تارة آخرى يقدر بالزمان فيقول: مسيرة شهر، والمعنى المقصود أنه حوض كبير متسع الجوانب و الزوايا فكان ذلك بحسب من حضره ممن يعرف تلك الجهات فخاطب كل قوم بالجهة التي يعرفونها، و الله أعلم "ا.هـ التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة /396 فتح الباري 11/471 فيض القدير 2/569 تحفة الأحوذي 7/117
(6)    مسلم (6129)
(7)    قال السفاريني رحمه الله تعالى:" قال القرطبي: ذهب صاحب القوت إلى أن الحوض بعد الصراط.
قال: والصحيح أنه قبله، وكذا قال الغزالي: ذهب بعض السلف إلى أن الحوض يورد بعد الصراط، وهو غلط من قائله.
قال القرطبي: والمعنى يقتضي تقديم الحوض على الصراط فإن الناس يخرجون من قبورهم عطاشا فناسب تقديمه لحاجة الناس إليه، قال ابن عباس - رضي الله عنهما: « سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوقوف بين يدي الله تعالى هل فيه ماء؟ قال: إي والذي نفسي بيده إن فيه لماء، وإن أولياء الله ليردون إلى حياض الأنبياء عليهم السلام » ".(قال جامعه: ذكره ابن كثير في تفسيره 3/243 من رواية ابن مردوية في تفسيره وقال: هذا حديث غريب)
ورجح القاضي عياض أن الحوض بعد الصراط، وأن الشرب منه يقع بعد الحساب، والنجاة من النار.
وقال ابن حمدان في عقيدته: يشرب منه المؤمنون قبل دخول الجنة، وبعد جواز الصراط. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر: ظاهر الأحاديث أن الحوض بجانب الجنة لينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها، فلو كان قبل الصراط لحالت النار بينه وبين الماء الذي يصب من الكوثر فيه، قال: وأما ما أورد عليه من أن جماعة يدفعون عن الحوض بعد أن يروه ويذهب بهم إلى النار فجوابه أنهم يقربون من الحوض بحيث يرونه ويرون الجنة فيدفعون في النار قبل أن يخلصوا من بقية الصراط، وقال القرطبي في التذكرة: إن للنبي - صلى الله عليه وسلم - حوضين أحدهما في الموقف قبل الصراط، والثاني في الجنة، وكلاهما يسمى كوثرا، والكوثر في كلام العرب الخير الكثير.
قال الجلال السيوطي: وقد ورد التصريح في حديث صحيح عند الحاكم، وغيره بأن الحوض بعد الصراط، فإن قيل: إذا خلصوا من الموقف دخلوا الجنة، فلم يحتاجوا إلى الشرب منه، فالجواب: بل يحتاجون إلى ذلك لأنهم محبوسون هناك لأجل المظالم، فكان الشرب في موقف القصاص، ويحتمل الجمع بأن يقع الشرب من الحوض قبل الصراط لقوم وتأخيره بعده لآخرين بحسب ما عليهم من الذنوب والأوزار حتى يهذبوا منها على الصراط، ولعل هذا أقوى. انتهى قال العلامة الشيخ مرعي في بهجته: وهذا في غاية التحقيق جامع للقولين وهو دقيق "ا.هـ لوامع الأنوار البهية 2/195وانظر: التذكرة للقرطبي 1/246 النهاية في الفتن والملاحم 1/140 ولعل الحديث الذي ذكره السيوطي المتضمن أن الحوض بعد الصراط هو ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه و سلم أن يشفع لي يوم القيامة فقال (أنا فاعل) قال قلت يا رسول الله فأين أطلبك؟ قال (اطلبني أول ما تطلبني على الصراط) قال قلت فإن لم ألقك على الصراط؟ قال (فاطلبني عند الميزان) قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال (فاطلبني عند الحوض فإني لا أخطئ هذه الثلاث المواطن) رواه أحمد (12848) والترمذي (2433) والضياء في المختارة (2693) وأبوبكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (30) واللالكائي(1803) قال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذ الوجه.وانظر كلام ابن كثير التالي.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: الحوض المورود قبل الصراط الممدود وما أفهم عكس ذلك ضعيف أو مردود أو مؤول. إن قال قائل: فهل يكون الحوض قبل الجواز على الصراط أو بعده قلت: إن ظاهر ما تقدم من الأحاديث يقتضي كونه قبل الصراط، لأنه يذاد عنه أقوام يقال عنهم إنهم لم يزالوا يرتدون على أعقابهم منذ فارقتهم، فإن كان هؤلاء كفاراً فالكافر لا يجاوز الصراط، بل يكب على وجهه في النار قبل أن يجاوزه، وإن كانوا عصاة فهم من المسلمين فيبعد حجبهم عن الحوض لاسيما وعليهم سيما الوضوء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " أعرفكم غراً محجلين من آثار الوضوء " (قال جامعه: رواه أحمد(21785) وصححه الحاكم (3784)من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه وهو حديث حسن بالمتابعات وأصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
" ثم من جاوز لا يكون إلا ناجياً مسلماً فمثل هذا لا يحجب عن الحوض فالأشبه والله أعلم أن الحوض قبل الصراط، فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا حرب بن ميمون، عن النضر بن أنس، عن أنس قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة قال: " أنا فاعل قال: فأين أطلبك يوم القيامة يا نبي الله قال: اطلبني أول ما تطلبني على الصراط قلت: فإن لم ألقك؟ قال: فاطلبني عند المنبر، قال: فإن لم ألقك؟ قال: فأنا عند الحوض لا أخطىء هذه الثلاثة المواطن يوم القيامة " ورواه الترمذي من حديث بدل بن المحبر وابن ماجه في تفسيره من حديث عبد الصمد كلاهما عن حرب بن ميمون بن أبي الخطاب الأنصاري البصري، من رجال مسلم، وقد وثقه علي بن المديني، وعمرو بن علي الغلاس وقوفاً بينه وبين حرب بن ميمون بن أبي عبد الرحمن العبدي البصري أيضاً صاحب الأدعية وضعفا هذا، وأما البخاري فجعلهما واحداً، وحكى عن سليمان بن حرب أنه قال: هذا أكذب الخلق وأنكر الدارقطني على البخاري ومسلم جعلهما هذين حديثاً واحداً وقال: شيخنا المزي جمعهما غير واحد، وفرَّق بينهما غير واحد، وهو الصحيح.
قلت: وقد حررت هذا في التكميل بما فيه كفاية، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والمقصود أن ظاهر هذا الحديث يقتضي أن الحوض بعد الصراط، وكذلك الميزان أيضاً، وهذا لا أعلم به قائلاً، اللهم إلا أن يكون ذلك حوضاً ثانياً لا يذاد عنه أحد، والله سبحانه وتعالى أعلم.ا.هـ النهاية في الفتن 1/139
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وقوله: "فَتَطلعون على حَوْضِ نَبيِّكُم": ظاهر هذا أنَّ الحوض من وراء الجِسرِ، فكأنهم لا يصلون إليه حتى يقطعوا الجسر، وللسَّلَف فى ذلك قولان حكاهما القرطبى فى "تذكرته"، والغزالى، وغلَّطا مَن قال: إنه بعد الجسر، وقد روى البخارى: عن أبى هريرة، أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "بَيْنا أنَا قَائِمٌ على الحَوْضِ إذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إذا عَرَفْتُهُم خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنى وبَيْنهِم، فقال لهم: هَلُمَّ، فقلتُ: إلى أين؟ فقال: إلى النَّارِ واللهِ، قلتُ: ما شأنهم؟ قال: إنَّهُم ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِم، فَلا أرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُم إلا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَم". قال: فهذا الحديث مع صحته أدلُّ دليل على أن الحَوْض يكون فى الموقف قبل الصِّراط، لأن الصِّراط إنما هو جسر ممدود على جهنم، فمن جازه سلم من النار.
قلتُ: وليس بين أحاديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعارض ولا تناقض ولا اختلاف، وحديثُه كُلُّه يُصدِّقُ بعضه بعضاً، وأصحابُ هذا القول إن أرادوا أن الحَوْض لا يُرَى ولا يُوصَل إليه إلا بعد قطع الصِّراط، فحديث أبى هريرة هذا وغيره يردُّ قولَهم، وإن أرادوا أنَّ المؤمنين إذا جازوا الصِّراط وقطعوه بدا لهم الحَوْضُ فشربوا منه، فهذا يدل عليه حديث لقيط هذا، وهو لا يُناقض كونَه قبل الصِّراط، فإن قوله: "طولُه شهر، وعرضُه شهر"، فإذا كان بهذا الطول والسعة، فما الذى يُحيل امتدادَه إلى وراء الجسر، فيرده المؤمنون قبل الصِّراط وبعدَه، فهذا فى حيز الإمكان، ووقوعه موقوفٌ على خبر الصادق والله أعلم.ا.هـ زاد المعاد 3/682
وممن قال الحوض قبل الصراط: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. المستدرك على مجموع الفتاوى 1/104 والعلامة ابن باز رحمه الله تعالى معللا ذلك بقوله: إن صحت الأخبار أنهم يردون بعد الصراط فهذا نهر يردونه في الجنة؛ لأن الصراط ممدود على متن جهنم يصعد الناس عليه إلى الجنة، فمن جاوز الصراط وصل إلى الجنة، والحوض في الأرض فلا يرجعون إلى الأرض مرة ثانية بعد صعودهم إلى الجنة.ا.هـ وللشيخ د. سفر الحوالي حفظه الله وشفاه رأي فقد قال: " الحقيقة أن هذه المسألة ليس فيها نص قاطع، وهي تحتمل هذا وذاك، وهي من أمور الغيب التي لا يجوز الخوض ولا القول فيها بالظن، ولا بمجرد الاستنباط الذي يبدو لصاحبه رجحانه، ولو دقق فيه لتبين خلافه، ولهذا لو قيل في هذه المسألة: إن الأرجح فيها هو التوقف، وأن يُرَّد علم ذلك إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فيُقال في ذلك: الله أعلم، فنسبة العلم إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أسلم، فهذا الذي نميل إليه ونختاره، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم "ا.هـ موقع الشيخ: http://www.alhawali.com/index.cfm?method=home.SubContent&contentID=4623
(8)    البخاري (6217) ومسلم (6106)
(9)    شرح الطحاوية 2/51
(10)    رواه مسلم (6111)
(11)    معناه اقتطعوا. شرح مسلم للنووي 15/64
(12)    رواه البخاري (6211) ومسلم (6136)
(13)    الفَرق بين الفِرَق/353
(14)    فتح الباري 11/385 عمدة القاري 33/330 شرح السنة 15/124
(15)    شرح مسلم للنووي 3/136-137
(16)    رواه أحمد (23308) والبزار (2832) من حديث حذيفة رضي الله عنه ومن حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه رواه النسائي (7830) والبيهقي (16445) وصححه الحاكم (8302) وابن حبان (4514) وللحديث طرق أخرى.
(17)    رواه أحمد (19820) وأبو داود (4751) والبيهقي في الاعتقاد (184) والبعث والنشور (144) والخطيب في موضح الأوهام 2/327 والحديث صحيح بمتابعاته وشواهده.
(18)    النونية لابن القيم /144.