الاستاذ الدكتور صالح عبد الكريم للمسلم : هناك ممارسات خاطئة نتيجتها ابناء مرضى

كثيرا ما تثير شكوى الشعور بالمسئولية من عدمها كثيرا من الأزمات الأسرية والعائلية ويتبدى ذلك في تقييم سلوك الابن الأكبر والأخ الأكبر والوالد المربي في تجربته مع أبنائه , والتقى موقع المسلم للحوار بشأن هذه القضية مع الأستاذ الدكتور : صالح عبد الكريم الخبير التربوي والنفسي والأستاذ بجامعة عين شمس , وكان لنا معه الحوار التالي :
 
 
 
·        المسلم : كيف تستطيع الأسر العربية والمسلمة إنتاج نوعية من الأبناء يتحملون المسئولية ويتصفون بالجدية والفاعلية؟

- بداية حتى ننتج نوعية من الأبناء يتحملون المسئولية ، لابد من أن يبتعد المربي عن الأساليب التربوية الخاطئة، وهذه الأساليب تعد سببا رئيسا في هدم شخصية الطفل فيما بعد، وأولى هذه الوسائل "القسوة الزائدة" كالضرب والعنف والتوبيخ والنقد واللوم والمقارنة السلبية،  وهذه الأشكال من صور القسوة الزائدة تحطم شخصية الولد "ولد أو بنت" وتجعله سلبيا ، كما أنها تأتي له بالمشكلات النفسية التي ينتج عنها العصبية، والعدوانية، والعنف، وغير ذلك من النتائج الطبيعية لهذه الأشكال كلها، وتختلف صور التنفيس في هذه الأساليب باختلاف النوع، فأحيانا الطفل يخرج العدوان الذي اكتسبه عن طريق التربية السيئة في صورة انفعالات خارجية وهي ما يطلق عليها "acting out "، وهي التنفيس بالتفعيل فهو ينفس عن مكنون نفسه بالتفعيل، فتجده يكسر ما يجده في المنزل ويضرب أي شئ أمامه، يلقي بالأكواب الزجاجية.

 لكن البنت فإنها تحتفظ بكل تلك الانفعالات داخلها وهو ما يسمى بـ "acting in"  لذا فإنك تجدها عنيدة جدا، تجد تبول لا إرادي، وغير ذلك، وفي النهاية العنف يؤثر على الأولاد وتجعل شخصياتهم في الحقيقة غير سوية أبدا.

 
ومن الأساليب الخاطئة الأخرى وهو على النقيض تماما من الأسلوب الأول "التدليل الزائد"، فتجد الأب يفتخر بكونه يدلل أولاده تدليلا زائدا عن الحد الطبيعي المسموح به، فهو يشبع كل رغبات الطفل، فتتحول هذه الرغبات إلى أوامر واجبة التنفيذ الفور، فلا يتعلم الطفل إرجاء رغباته إلى حينها، كما أنه لا يتعرف على قدر من الإحباط ولو بسيط، ولا يتعلم الصبر، وبالتالي فإنه ينعكس عليه فيما بعد، والسبب الرئيسي أن كل رغبة له تلبى، فهو يشعر بأن كل شئ ملكه، ولا يجوز أن يقال له " لا " أبدا، وإن حدث وقيل فلا يجدوا إلا العناد والصراعات والمشاكل والمشاكسات والمضايقات والعدوان، ولم لا وقد ربى الولد على إعطائه كل ما يطلب، وتحقيق كل ما يتمنى.
 
ويظل الطفل هكذا في كل مراحل حياته فحينما يكبر تقابله مشكلة مواجهة صعاب الحياة، فهو لم يتعرف على شئ اسمه إحباط، ولم يتعلم إرجاء رغبة ما لوقت ما، ولم يتعود على الصبر، فبمجرد ما تقابله هذه المشاكل وتضعه الحياة في اختيارات وبدائل، تجده أسرع ما يمكن في الاتجاه إلى المخدرات والبانجو، فليس عنده قدرة على التحمل والمسئولية، ليست عنده قدره على عدم إرجاء الإشباع.
 
وأيضا من الأساليب التربوية الخاطئة "عدم الاتفاق بين الأب والأم على أسلوب تربية موحد" فتجد الأب يربي بشكل والأم تربي بآخر، فالأب يضع القانون لتأتي الأم بدون إدراك فتخرق هذا القانون والعكس تماماً، فعلى سبيل المثال لا الحصر طبعاً، الأب يُحدد للابن مصروفاُ معيناُ فتأتي الأم لتخرقه وتعطي للولد زيادة عما حدده الأب وبدون علمه، والعكس كذلك الأم تضع قانونا لعدم التأخير خارج المنزل وعلى الولد ألا يتأخر عن العاشرة مساء وإلا لوجب العقاب، فيأتي الأب ليبرهن للولد أن الكلمة الأولى والأخيرة له ويعطي له حرية الذهاب وحرية الإياب، فليس هناك قانون موحد بين الأب والأم اتفقوا عليه من البداية في تربيتهم للولد،وهذا الأسلوب يؤثر في الولد أشد تأثير، فهو مستقبلا يتعلم الرشوة، يتعلم أن لكل شئ وجه آخر، يتعلم أن هناك دائما حلول، ويساعد هذا الأسلوب في إصابة الولد بالشيزوفرينيا لأنه لا يعرف على أي قرار ولا قانون يسير، وكذلك يفقد الثقة في كل من الأب والأم، لأن كل منهما عنده مصدق فكيف يختلفان، الاثنين دائما على صواب، وطالما هناك رأي والرأي الآخر فأحدهما على خطأ، إذن فالاثنين على خطأ.
 
وتعد "الحماية الزائدة" للطفل من الأساليب الخاطئة أيضاً، فحينما يحمي الأب طفله بطريقة زائدة فهو لا يعطيه الفرصة على الاستقلال بذاته، ، فالأب هو من يشتري كل شئ له، هو الذي يحدد له ما يأكل وما يلبس ومتى ينام وما سيختار، هو الذي يختار الكلية، ثم الشقة، الزوجة، هو الذي يحدد أسلوب الحياة فيما بعد، بالتالي لم يكن للطفل شخصية استقلالية منذ البداية، أصبح شخصية اعتمادية، وإن كان الولد اعتمادي من البداية فإنه سيبقى كذلك طوال حياته، سيبقى اعتمادي على المدرس في المدرسة، اعتمادي على قريبه في العمل، اعتمادي على أمه في البيت، اعتمادي على زوجته في بيته أصبح شخصية اعتمادية طول الوقت ومع كل الناس.
 
وعدم العدل بين الأخوة هو من أبشع الأساليب الخاطئة في التربية، وسنفرد له كلاما فيما هو قادم، فعدم العدل يزرع الحقد والغيرة والصراع بينهم.
 
والقاعدة الذهبية بعد كل ما مضى "أن التربية بكل تلك الأساليب الخاطئة لا تنتج ولدا نفسياً سليماً على الإطلاق، لابد أن يكون فيه مشكلة نفسية ما".
 
لكن هناك أساليب تنتج نوعية فعلاً من الأبناء باستطاعتهم تحمل المسئولية منها "فن التربية بالثواب والعقاب"، وهو منهج رباني كما قال الله تعالى عن الجنة {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}، وعن النار {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}، ولابد قبل أن أكافئه على حسن فعله، أو أعاقبه على سوء ارتكبه أن أعرفه ماذا فعل؟ ولماذا يكافئ؟ ولماذا يُعَاقب؟، وهو منهج رباني كذلك فلقد قال الله تعالى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }، والله جلا وعلا قبل أن يقول هناك جنة ونار أرسل لنا الأنبياء بالكتب والرسالات
 
ومن الأساليب الصحيحة كذلك "التربية بالحب" فلابد من وجود كلمة حب، وبسمة حب، وقبلة حب، ولمسة حب.
 
وكذلك من الأساليب الجيدة "التربية بالحوار" و "التربية بالأحداث" و "التربية بالقصة" و "التربية باللعب" و "التربية بالفن" كالرسم والإنشاد وغير ذلك، كل هذه أساليب تربوية جيدة يمكن أن تنتج لنا شخصية إيجابية مستقلة ليست اعتمادية، بل تعتمد على ذاتها ويعتمد عليها غيرها.
 
 
·        المسلم : ما تفسيركم للاعتماد الأسري الكامل على شخص واحد في الأسرة الذي كثيرا ما يكون الابن الأكبر في إنجاز الكثير إن لم يكن الكل من شئونها، مع عدم الاستيعاب الكامل لحجم ما تطلب منه، وخاصة مع وجود غيره في الأسرة؟.
 
بالنسبة لاعتماد للأب على الابن الأكبر فهو اعتماد يراه طبيعيا ، لأن هذا الابن مطيع له منذ صغره ولا يجهد الأب، فهو أفضل من يفهمه في العمل وأسرع، وهو الذي أعتمد عليه في البيت وفي العمل، مع أخواته، هو سندي عند الكبر، وفي نفس الوقت الولد الآخر مُتعب وعنيد ولا يطيع لي أمر، ولا يفهم في عملي، ودائما ما يأتي بمشاكل في البيت وفي العمل وفي الشارع وفي كل مكان، وبالتالي فالأول هو الأولى والأفضل.
 
والمشكلة الحقيقية أن الأب هنا تصور أن الابن الذي يطلب منه هو نفس الطفل الصغير، الذي لم تكن له مطالب، ولا رغبات، فما كان يكلفه الأب به كان ينفذه على أكمل وجه وبدون إبداء الرأي، ولا يدرك أن هذا الابن أصبح الآن له رغبات أخرى بعيدة كل البعد عن تلك التي يراها الأب، وطموحات كبيرة، وأحلام عريضة، وهوايات، ومهاراته مختلفة تماماً، إلا أن الأب لا يرى فيه إلا نفسه فيسقط ذاته على الابن، ويظن أنه لا فارق بينه وبين الابن على المستوى النفسي، ما أفعله يفعله وحتى ما لا أستطيع أن أفعله هو يفعله، وكأنه هو يدي التي تطول ما لا أطول، وكأنه هو امتدادي في الوقت، والمكان، الأب جعل العلاقة بينه وبين الابن علاقة انصهار، علاقةليس لها حدود فاصلة بينهما.
 
الأب نعم يحب الابن ولكن حب فيه شئ من النرجسية، وفيه شئ من الأنانية، فالأب لم يسأل نفسه ماذا يريد الابن؟، فمن الطبيعي أنه أصبحت له حياته الخاصة مثل ما كنت أُسيره بريموت كنترول، أصبح الآن له "ريموت كنترول" خاص به هو يريد أن يُسير غيره به، مثل ما كنتُ – الأب- أشفر بعض القنوات المعرفية في عقله، هو اليوم يحتاج إلى أن يعيش نفس الأمور بنفسه، في يوم ما طغت شخصيتي على شخصيته بسبب أو بغير سبب، اليوم بمجرد دخوله مرحلة المراهقة بدأ يستقل استقلالا طبيعياً (جسمياً، ونفسياً، وعقلياً)، بدأ ينضج، بدأ يكون شخصية بدأ يكون أصدقاء، بدأ يقرأ، بدأ يكون له فكره الخاص، بدأ يختلف تمام عن الأب، فعلى الأب أن يدرك ذلك تماماً، وان يستخدم أسلوب السؤال في هذه المرحلة، ماذا يريد، ماذا يحتاج، ماذا يرى، ماذا نصنع، ما رأيك، وهكذا.
 
·        المسلم : من الطبيعي أن يعتمد الأب على الابن ولكن بطريقة غير أنانية، فماذا عن الآخرين الذين يستغلون هذا الابن المطيع، فيلقون على عاتقه كل شئ؟
هذا الأمر يجب أن ننظر له من جانبين
أولا: من جانب الشخص ذاته
فهناك شخص يحب العمل الاجتماعي، ولا يجد ذاته إلا في ضوء الآخرين، وهذا طبيعي لأن الإنسان كائن اجتماعي لا يوجد إلا من خلال الآخرين، فهو يشعر بذاته من خلالهم، يشعر بها من خلال الخدمة التي يقدمها لهم، فكل ما ُطلب منه أمر علّا هذا من قيمته أمام نفسه، ولأن قيمته عند الآخرين تزيد فقيمته عند نفسه تزيد.
 
أحيانا كثيرة تجد من يحب هذا، فهو يبحث فيها عن متعته الحقيقة، بالضبط كالذي يجد متعته في الجلوس لساعتين أمام مبارة كرة قدم، ثم ساعتين قبلها ليشاهد التحليل وساعتين بعدها ليرى ويسمع بقية التحليل، وإن نظرنا إلي شخص آخر لا يجد متعته في هذا فإنه لا يستطع أبدا أن يضع نفسه مكان الأول، وإلا أتعب نفسه وأتعب غيره،وهذا الأول يأخذها غالبا من منحنى ديني، فالله أمره بطاعة الوالدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومساعدة الآخرين المحتاجين والمساكين وأبناء السبيل.
 
كل هذا فيما إن كان الشخص في خدمة الآخرين برغبته، أما إذا كان غير ذلك، وهناك الشخصية الماسوشية أو المازوكية ‏أو الخضوعية وهي التي تلذذ بتعذيب ذاتها، بمعنى أن هذا الشخص الذي يضع نفسه في خدمة الآخرين وصل إلى تحمل ما لا يطيق ولكنه يصبر لأنه أصبح يستمتع بتعذيب ذاته، وهو بالطبع استمتاع مرضي، وكذلك هو نمط من ضمن أنماط الشخصية، ومن الممكن ألا يراها الشخص نفسه.
 
وهناك نوع آخر من أنواع الشخصية في هذا الصدد وهي "الشخصية المؤكدة لذاتها"، وهو الشخص الذي يعبر عن مشاعره وأفكاره ويستطيع أن يقول "لا"، ولكنه  يقولها بطريقة حرفية، وهذا المصطلح هو "مصطلح بين العدوانية والسلبية"، والعدوانية هي أن أقول "لا" لشخص طلب مني أمرا ما بصورة متغطرسة تتسبب في جرح مشاعره، وتعتبر تعدي على الآخر، والسلبية هي أن أحقق ما يطلب مني دون إظهار رفضي وغضبي وتكون بشكل مستمر، فتأكيد الذات مصطلح وسطي بين العدوانية والسلبية.
 
بمعنى آخر أن أنفذ ما يتوافق مع رغبتي ليس مع رغبة الآخرين، ومع وقتي ليس مع وقت الآخرين، ولا أضيع وقتي حتى أحوز على رضى الآخرين، وتأكيد الذات كذلك هو أن أكون سعيد، راضيا عن نفسي، لأنني لم أقهر ذاتي، ولم أكن سلبي وقبلت ما يطلب مني رغماً عن أنفي، واستطعت أن أقول "لا"، ولكن بطريقة مهذبة ولست عدوانيا، فأنا سعيد بنفسي وكذلك الآخرين سعداء بي، لأنهم أحسوا بتعبيري عن ذاتي بشكل مهذب لطيف، لم أكن فيه معتديًا عليهم، ولا معتديًا على نفسي.
 
هذا من جانب الشخص ذاته إما أنه برغبته وهو مستمع بذلك، وإما أنه شخص مازوكي ومستمتع بشكل مرضي، وإما أنه سلبي فبالتالي يرضخ لكل أوامر الآخرين دون إبداء أي رأي أو رفض.
 
ثانياً: من جانب الآخرين
فأحيانا يكون هذا الآخر شخص سادي عدواني يستمتع بتعذيب الآخر، مع الأخذ في الاعتبار أنه يدرك تماما ما يفعله، لأنه ببساطه هذا ما يريده، حتى يستشعر قوته وعظمته مع شخص سلبي لا يستطيع أن يقول لا.
 
وهناك نوع ثان من الآخر وهي الشخصية البارانوية فهو يرى نفسه الأكبر والأعظم والذي لا يجوز لأحد أبداً أن يقول له لا، فهو الآمر الناهي، والآخرين عنده هم مجرد عبيد، يطيعونه ويخدمونه على طول الخط، وهو الحاكم بأمره المسيطر على كل مجريات الأمور، والآخر عنده هو الخاضع الخانع، عليه أن يفعل ما يُؤمر به فقط، وإلا فلا يستحق حتى الحياة معه، ويجوز أن تكون هذه الشخصية البارانوية هي الابن الأكبر أو الأب.
 
·        المسلم : هل هذا ينطبق على الآخرين جميعاً - إما أن يكونوا ساديين وإما أن يكونوا بارانويين يروا أنفسهم فوق الجميع - أم أن هناك أنواعاً أخرى تستغل إنسان ما بصورة غير مدركة بالنسبة لهم وبنية حسنة؟
هناك بالفعل أنواعا أخرى تعتمد اعتماداً كلياً على شخص ما بدون إدراك منهم بهذا الاعتماد، ولا حتى بحجم ما يطلبونه منه، ولكن في كثير من الأحوال يعود السبب الرئيسي في عدم إدراكهم هذا، هو الشخص بعينه، لأنه لم "يؤكد ذاته" ورفض ما طلب منه بصورة ما كما أشرنا سابقا غير عدوانية ولا سلبية، فكيف يعرف هذا الآخر أن الشخص يتألم، فلابد وأن يلعنها الشخص صراحة " لا " ويعلن كذلك أنه يتألم، ويتأذى، فبالتالي تصل للآخرين الرسالة المطلوبة، وكثيراً لا تصل هذه الرسالة إما جهلاً، وإما بسبب عدم الوعي.
 
·        المسلم : ماذا لو تضاربت أعباء الأسرة والأخوات والجيران وغيرهم مع أعباء الشخص ذاته؟ وكيف يوازن بين كل هذه الأعباء دون أن يطغى جانب على آخر؟
الشخص السوي هو من يعرف من البداية "من أنا؟"، ثم يقيم نفسه جيداً، طاقته كم يستطيع أن يجعل منها في خدمة الآخرين،وصحته كذلك، وجسمه، وعقله، وأمواله وغير ذلك.
 

وعليه أن يعدل في كل هذه المجالات بين ذاته وبين غيره، فالجسم لنفسي ثم لغيري، لا أستنزف كل طاقاتي لغيري، وأوهم نفسي بالسعادة لأنني هو من يتألم وحده ليلا، وعلى المستوى النفسي كم أستطيع أن أتحمل قدرا من الإحباط والذل والإهانة ومدى تحمل المسؤوليات ومتى لا أستطيع، ومن المعروف أن لنفسك عليك حقا .

ثم على المستوى الاقتصادي من الطبيعي أن لي أعباء شخصية، لبيتي ولأولادي ولزوجتي، كما قال الرسول الكريم "كلكلم راع وكلكلم مسئول عن رعيته"، وكذلك على الآخر أن يقدر ذلك، ولا يطلب ما لا أطيق، فالأب مثلا من المفترض أنه يساعد الابن، فإن لم يساعد فعلى الأقل يترك الابن يساعد نفسه، وفي الوقت الذي نجد فيه الأب لا يساعد ولا يترك الابن يساعد نفسه، في هذه الحالة على الولد - بشكل "مؤكد لذاته" ليس عدواني ولا سلبي- أن يذكر الأب بالأعباء المكلف بها.

 
·        المسلم : يقول البعض: الابن الأكبر هو الذي يعمل والصغار لا زالوا في مراحل تعليمة مختلفة، فالأكبر هو من يأتي بالمال أما الصغار هم من يأخذوا هذا المال فكيف يساهموا في تحمل الأعباء؟
دعنا نتفق أولاً على قاعدة أساسية في الحوار وهي "أن كلٌ ميسر لما خلق له"، ولا مانع من أن يساعد الابن الأكبر أباه في تربية أخواته وخاصة في حالة مرض الأب، أو في عدم وجوده، وإلا فما دوره في الحياة وصدق من قال "ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط"، ولمصطفى صادق الرافعي مأثورة جميلة يقول فيها " إن لم تزد على الحياة شئ فاعلم أنك زائد عليها، وإن لم تضف على الحياة شئ فاعلم أنك إضافة عليها"، بالفعل أصبح على هذا الابن واجب مقدس عليه أن يقوم به، ولكن بقدر معين، بالقدر الذي يضمن لهم ضروريات الحياة، كالمأكل والملبس والدواء وغير ذلك ويتقسم هذا بينه وبينهم، أما الأمور الترفيهية فليس عليه أبداً أن يوفرها ويضيع حياته وماله وجهده وصحته وأولاده وزوجته لها، عليه أن يوزع الحقوق بالأنصبة المعتدلة، وتكون لفترة زمنية معينة، فمثلاً حتى يكبر الأخوات، أو يزوج البنات.
 
·        المسلم : ماذا تقول فيمن كبروا وأهملوا واجباهم تجاه هذا الذي تحمل من أجلهم كل شئ وأقصد هنا الأخ الأكبر، فهم كبروا وتعلموا ليعملوا ثم ليتنصلوا من المسؤولية ولم يحملوا منها شئ؟
أقول وبكل تأكيد نحن غير الغرب تماماً، فالغرب الشاب فيه من سن 16 سنة يذهب فيحمل هم نفسه، وليس عليه أدنى مسئولية تجاه الأب أو حتى الأخ الأكبر، أما عندنا في بلاد الإسلام لا يحدث هذا على مستوى القاعدة العامة، وإن حدثت فهي شذوذ القاعدة، فمن الممكن أن يكون الابن الأكبر مطيع والأصغر عاصي، وفي ديننا وعند الأب والأم الولد المطيع أفضل وأحب من العاصي، ثم لو أنك سألت هذا الابن المطيع الذي ضحى بكل شئ من أجل أخواته أتحب أن تكون مكان العاصي؟ لقال لا أبداً، ثم مطيع مُجْهَد في حياته في خدمة الآخرين خير من عاصٍ مستمتعٍ لا يُحب إلا نفسه، وعلى الأقل لن يحمل هذا الابن المطيع هماً للعاصي بعد ذلك، وهذا سيخفف عنه حمل وعبء كان عليه.
 
·        المسلم : لو أخذنا في الاعتبار الوضع الاجتماعي للابن المطيع الذي يحمل كل هذا الهم للآخرين، وعدم تناسب ما يطلبونه منه ووضعه هذا؟، فصباحاً صحفي مرموق، ومساءاً عنده عمل آخر ينتظره مع أبيه مثلاً في ورشة أحذية أو غيرها؟
يرجع تأزم هذا الوضع بالنسبة للشاب لأكثر من سبب أهمها تمسك الأب بعمله الذي هو أساساً ميراثه من أبيه، وعليه فلابد وأن يُورثه لابنه من بعده، والابن لأنه تربى تربية حسنة وعلى نهج الإسلام، فلا يريد أن يغضب والده، فيعود من عمله المرموق يجد أباه وقد أحناه الدهر، ووجد قول الله تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} قد تحقق في أباه، فيضطر الرجل للعمل مع أبيه، مرة حنان منه عليه، وأخرى إشفاق، وثالثة طاعة ورابعة تدين، هذا هو الابن المطيع لكن هناك ابن لا يعنيه هذا تماماً، وحتى لا يحاول أن يرى هذه الصورة حتى لا يُحرجه أحد ويقول له هيا ساعد أباك، على عكس الأول فهو الذي يسعى جاهداً للمساعدة، وفي الأغلب يرضي هذا الابن البار بهذا الدور، بل ويسعد به.
 
ولكن.. على الآباء أن يعوا المركز الاجتماعي الذي أصابه أولادهم، فلا يضعوهم في مواقف يخجلوا منها في عملهم فيما بعد، ولكنك تجد من الآباء من لا ينظر أصلاً إلى هذا الأمر، وكل ما يهمه ألا تنقرض صنعة الآباء والأجداد، ويقع الابن المطيع خاصة في مأزق لا يحسد عليه، بين مركزه الاجتماعي وبين رضى والده، ولو كان هذا العمل مع الأب مرة أو مرتين أو حتى ثلاثة فجائز ولن يؤثر، أو حتى على أوقات متفرقة، ولكن وبصورة دائمة فهذا يعد قهرا صريحاً، لأنه وبكل بساطة يساعد في إصابة الشاب بالشيزوفرينيا فيما بعد، ليس بالمعنى المرضي ولكنه سيشعر حتماً بعدم تقدمه في هذا العمل لأنه مقهور.
 
فعلى الآباء أن يدركوا هذا جيداً فلا يحمل الابن ما لا يطيق، ثم إنك كأب أنفقت مالك وجهدك ووقتك وتحملت تعب السنين وجهد الأيام حتى تعجل منه طبيباً ناجحاً أو مهندسا عبقرياً مرموقاً، فلم كان كل ذلك، لكان من الأولى أن يوفر على نفسه وعلى ولده هذا عناء السنين والأيام في المذاكرة والأحلام والطموح، وأن يبقيه معه في مصنعه أو في عمله، وأنا أرى أن الحل المثالي لهذا الوضع أن يُخير الأب ابنه للقيام بهذا الدور إن قبل فخير وإلا فلا.
 
·        المسلم : هل يؤثر الالتزام الأدبي والأخلاقي من قِبل الابن على طموحه وأحلامه في المستقبل؟
بداية لو رضى الابن بهذا الدور وكان للدور نهاية فلن يؤثر عليه بشئ، لكن لو لم يرضى وأرغم عليه اجتماعيا وذوقياً ففي الأغلب نعم يؤثر هذا على طموح الابن بشكل أو بآخر، بمعنى لو لم يكن أمامي غير هذا فلمَ البحث عن تطوير الذات؟ ولمَ؟ ولمَ؟، يحدث في داخله عملية رفض لأي تطوير لأنه لن يرى له أي مردود اجتماعي، أو حتى على المستوى الوظيفي والتنموي.
 
·        المسلم : هل يؤثر هذا الالتزام على شخصيته فيما بعد، وعليه فيكون إما أبا يعدل بين أبنائه لا يقع في ما وقع فيه أبوه، وإما ديكتاتوريًا متسلطاً على كل أفراد أسرته؟.
يتوقف هذا على شخصية الإنسان نفسه، وعلى قدر تقيمه للأمر وإدراكه، وكذلك على حبه للابن والزوجة.
 
فمن الوارد طبعاً أن تكون شخصية الإنسان هذا "شخصية سادية"، فيمارس على الابن نفس الدور الذي مارسه الأب، وكأنه يقوم بعملية نقل للعدوان – ما لم يستطع أن يوجهه للأب يقوم بتوجيهه للابن-، ومن الوارد كذلك أن تكون شخصيته بارانوية، وبالتالي يصاب بداء العظمة، وتظهر تأثير هذه الشخصية على أبنائه وزوجته.
أما على المستوى السوي فكثير من الناس يقول لقد تعلمت العدل حينما ظلمت وأنا صغير وبدون ذنب اقترفته، ومن هان يعدل بين أولاده، يعدل بين الناس، يعدل في كل شئ لأنه شعر بمرارة الظلم وهو صغير.
 
·        المسلم : بالمقابل هل يُعد عدم الالتزام بهذا الالتزام خروجٌ عن المألوف وتمرد على العادات الاجتماعية التي تنتشر في المجتمعات العربية عامة والمصرية خاصة؟، وماذا يفعل الابن في هذه الأثناء؟
لا شك أن هذا الأمر من الأمور الشائكة، فدائما ما نقول "أنت ومالك لأبيك"، وطاعة الوالدين من أوامر الله تعالى لنا، والرسول الكريم وصانا بذلك، لكن أحيانا تضع الظروف الابن في موقف لابد وأن يقول "لا"، ولن يستطيع أن يلبي كل ما يُطلب منه، وفي نفس الوقت لا يريد أن يسخط والده عليه، وهنا على الابن أن "يؤكد ذاته" بصورة دون العدوانية وفوق السلبية، ولا يكون عدواني ويتسبب في سخط والده عليه، ولا سلبي فتسخط نفسه عليه، فلا العدوان يرتد على الآخر ولا العدوان يرتد على الذات، وعليه أن يُوجد الحلول الواقعية التي ترضي الطرفين، وعليه كذلك أن يفكر للأب، لربما الأب لم تكن عنده الأفكار البديلة.
وبهذا يخرج نفسه من دائرة الخروج عن المألوف أو التمرد على العادات وفي نفس الوقت يوافقه الأب فيكون أخرج نفسه من دائرة العقوق، حتى وإن كان السبب الأب.
 
·        المسلم : هل يُعد كل ما قدمه الأب للابن من (طعام، وشراب، ومسكن، ومأكل، وتعليم،..،إلخ) دين على الابن عليه أن يرده؟، بصورة العيش الدائم في جلباب الأب؟.
أتصور أن الأب الطبيعي هو الذي يعتبر أن كل ما يعطيه لابنه من قبيل الحب، ولا ينتظر مقابلاً له، فمن يحب الآخر يعطي طاقة ويشحن طاقة، فمثلاً لو أعطيتَ لمسكينٍ في الطريق صدقة، فأنت تعطي طاقة " مال" وتشحن بداخلك "حب"، وكذلك العلماء يعطوا العلم للآخر ويشحنوا حب الناس وتثبيت لهذا العلم، ورضى الله عز وجل، والأب كذلك هو ناقل للمال والطعام والمسكن للابن، لأنه وبكل يقين، في وجود الأب وفي عدم وجوده ستصل هذه الأمور للابن لأنها رزقه الذي كتبه الله له {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ }،{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً }،{وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ{22} فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}، فالأب هو ناقل لكل هذا الرزق فكيف ينتظر من الولد ما هو نقله إليه، لكن الأب الذي يمن على ابنه بهذا فهو غير سوي، فالوحيد الذي يتمنى ابنه أفضل منه هو الأب، لأنه هو امتداده، فالابن تطور طبيعي للأب، وهو الرقي له.
 
·        المسلم : ما تفسيركم للمقولة التي نسمعها على لسان بعض الآباء " هو أنا علمت وربيت وكبرت ولبست لتأتي في النهاية وتذهب لحال سبيك"؟
هذه هي سنة الحياة، وإلا فلن يكون هناك تطور طبيعي في الحياة، لكن بقدر المستطاع يتعامل الابن مع الأمر بحرفية، فيتعلم ويجيد فن إدارة الصراع لأنه موقف صراعي في الحقيقة، لأنه لو غضب الأب عليه فلن يحقق أي طموحات ولا أحلام ولا أي شئ، لأنه وكما نعلم سخط الله من سخط الوالدين، فعليه أن يسترضي الأب بشتى الطرق والوسائل، فتكون هناك الزيارات المستمرة للأب، التواصل بينهما بشكل مستمر، وبالتالي الأب لو وجد كل ما أراد أمامه فماذا يريد من الابن أكثر من ذلك، ومن الطبيعي أن الأب لن يستنزف الابن لأنه قلبه ونفسه، إلا إذا كان أب غير سوي يكون التعامل هنا بشكل مختلف.
 
·        المسلم : هل ترى أن التربية بالأسلوب الغير سوي الذي تكلمت عليه سببًا رئيسًا في ضعف أو قوة الشخصية بالنسبة للزوج في ما بعد؟.
ممكن تضعف وممكن تقوي، إذا كان يمارس على الولد القهر منذ الصغر بشكل دائم، سيظل شخصية مقهورة، لأنه استشعر القهر منذ طفولته فلن يرتضي إلا بزوجة قاهرة تمارس عليه نفس الدور الذي كان يمارسه عليه غيرها، ولن يستمتع إلا بهذا لأنه شخص سلبي تعود على آخر يدير له حياته، أو أنه يحتفظ بعدوان الأب ومن حوله بداخله، وبمرور الزمن يتوغل هذا العدوان ويتمكن من القلب، حتى يأتي اليوم الذي ينفجر فيه، لأن القاعدة تقول " الكبت يولد الانفجار"، ولكن وقتها لن ينفجر في الأب، وإنما ينفجر في الزوجة والأبناء ومن هم دونه، وهي عملية نقل وإزاحة للعدوان من الأب إلى الزوجة والأبناء.
 
ويؤثر أسلوب التربية بهذه الطريقة سلباً وإيجاباً في ضعف أو قوة الشخصية، فالأول إن كان مقهوراً إما بالزوجة التي تقهره، وإما إزاحة ونقل عدوان الأب أو المجتمع أو من هو فوقه إلى من هو تحته، والحالتين من أنماط الشخصية المرضية والغير سوية.
 
ويؤثر بطريقة إيجابية إن كان الشخص متفاني في خدمة الآخرين، راضي بهذا الدور وسعيد به، ووارد أن يضحي بحياته في سبيل الأب وفي سبيل الآخرين، كما نضحي بأموالنا وأنفسنا في سبيل الله عن طريق الجهاد، وخاصة لو وضع هذا هدفاً في حياته، وهو مدرك تماماً أنه سيجازى عليه خيرًا بل كل الخير من الأب أولاً برضاه، ثم من المجتمع ثانيا، ومن الله تعالى أخيراً وهو المراد.
 
·        المسلم : كيف السبيل لإيجاد حل المعادلة " طاعة الوالدين، وتحقيق الأحلام"، وأن تكون العلاقة بين الابن والأب مبنية على التعادل بين الأبناء.
لابد على الشخص أن يكون قادراً على تحقيق ذاته، قادراً على القيادةِ في بحرٍ متلاطم الأمواج، فلا يغرق ولا يتسبب في غرق الآخرين، وكيف ينجو في جو الصراع الدائر وبطريقة لا يضغط على نفسه ولا على الآخرين، ولو أراد أن يحقق ذاته فعليه أن يتكلم بمنتهى الوضوح والصراحة مع الأب ومع الآخرين، ولا يحاول أن يخفي ما بداخله، لا يحاول أن يكون سلبي، لا يحاول أن يشعر الآخرين أنه مستمتع إن كان غير ذلك، عليه أن يوصل الرسالة للجميع، وبكل صراحة ووضوح بصورة تأكيد الذات التي تحدثنا عنها.
 
وأحيانا يتخوف الابن من غضب الأب، ويظن أن الأب لن يتفهم موقفه، ولكن تفكر الولد برهة لعلم أن الأب يظن في نفسه أن هذه هي الطريقة المثلى التي يسعد بها ولده، يظن أن هذا هو الأسلوب الذي يحقق لابنه بها طموحاته، فعلى الابن أن يظهر طموحاته وأحلامه وآماله، وماذا يريد، وكيف يحققه حتى يعرفها الأب ويعرفها المجتمع وبالتالي يساعدوه في تحقيقها، وإلا فما أدرى الأب بأحلامك وطموحاتك حتى يساعدك فيها؟.
 
·        المسلم : ما هي الأهمية النفسية والتربوية لعدل الآباء مع الأبناء؟
على الأب أن يعدل بين أبنائه من الطفولة، وعليه أن يوقن بأن الأبناء عندهم ترمومتر دقيق للغاية لقياس درجة حرارة الحب، وعندهم كذلك جهاز كشف كذب للمشاعر وللكلمات، وفي نفس الوقت عندهم حس مرهف جداً لطريقة المعاملة من الأب والأم لبقية الأخوة،وذلك لأن الاتصال عندهم يكون بنسبة 93 % بصورة غير لفظية، منها 55 % بالاتصال البصري،و38 % بالاتصال السمعي، أما عن طريق الاتصال اللفظي فقط فهو بنسبة 7 % فقط، بمعنى أن الأب نفسه لو فضل ابن عن آخر فإنه لن يستطيع أن يخفي هذا تماماً، لأن الرسالة واضحة بنسبة 93 %  (بصري، سمعي)، وبالتالي تكون النتيجة الطبيعية بعد ذلك بين الأبناء هي الغيرة، والحقد، والحسد، والعدوان، والكراهية، وكل هذا والأبناء ليس بينهم ضغينة بسببهم، وإنما بسبب الأب وتفريقه للمعاملة بينهم، وكم سمعنا وشاهدنا وقرأنا عن أخ يقتل أخاه، ويضرب الآخر لا لشئ إلا أن الأب فضله عليه، والقصة الشهيرة بين أخوات سيدنا يعقوب عليه السلام، أخوات سيدنا يوسف استشعروا أن الأب يعقوب عليه السلام فضل يوسف أكثر من البقية، فوصل الأمر إلى التآمر فيما بينهم لقتله، وفي أفضل الظروف ألقوه في البئر،
{ إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ{8} اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ{9} قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ {10}.
ونعم وارد إن الأب يميل لابن من أبنائه، "ميل قلبي" لا يتحكم فيه فهو طفل وسيم، مطيع، ذا طرفة، زكي ، لماح، بالتالي هو الذي يستثير الأب بشكل لا يدرك معه الأب مدى حبه له دون غيره، ومع ذلك على الآباء قدر المستطاع إن يكون التفضيل على مستوى القلب لا يرتقي ولا يظهر على المستوى السلوكي، لا يكون أمام البقية حتى لا يثير الضغينة والحقد، والعداء بينهم لأنهم وبطريقة تسلسلية يصل بهم الأمر إلى قتل بعضهم البعض في النهاية، وفي نفس الوقت الطفل يتشاجر مع أخيه، ويمارس عليه عدوان كان من المفروض أن يمارس على الابن لكنه نقل العدوان على الآخر.
 
·        المسلم : هل يؤثر عدم العدل بينهم - سواء في المطالب أو العطايا - سلباً على شخصياتهم فيما بعد؟
بكل تأكيد يؤثر عدم العدل بينهم فيما بعد، فالمقهور يشعر إنه مقهور، والسيد يشعر بأنه سيد، والعبد يشعر بأنه عبد، من كان تحت فهو كذلك ومن فوق فهو كذلك، لأن الأب ميز وفرق، وعلق على كل واحد منهم لافتة عريضة، أنت غبي البيت، وأنت العبقري، وأنت الخادم، الأب دون إدراك يعلق هذه اللافتات بكلمات بسيطة جدا " أنت غبي" " أنت غبي" " أنت غبي "، وبالتالي أخواته رؤاه كذلك، وهكذا علق بقية الأخوات هذه اللافتة العريضة عليه أيضا، ويتم التعامل بين الأولاد على وصف الأب مدى الحياة، فمن الممكن فعلا أن يغير شخصياتهم، فيصيغ شخصياتهم رغماً عنهم.
 
وفي الحقيقة أن الصراعات التي تتم بين الأخوة فيما بعد يكون الأب والأم هما العامل الأساسي فيها، فهما لم يعدلا بينهم أبداً في الأكل والشرب والمصروف وفي الحياة.
 
·        المسلم : أخيرا د. صالح لو قلنا روشته سريعة لمن يجد نفسه في هذا المقام؟
في جملة واحدة " الإعلان عن النفس، بدون عصيان ولا عدوانية على الغير ولا على الذات"