أبيي .. النفط للشمال والأرض للجنوبيين !
7 شعبان 1430
جمال عرفة
من لا يدركون طبيعة أزمة منطقة أبيي التي تقع علي حدود شمال وجنوب السودان كانوا يسألون سؤالا واحدا حتي يوم 22 يوليو موعد صدور حكم محكمة لاهي بشأن المنطقة هو : هل الحكم قضي بتبعية المنطقة للشمال أم الجنوب ؟ ، في حين أن من يدركون حقيقية المشكلة كان يهمهم في المقام الأول تحديد من يسيطر علي أرض ونفط أبيي .
فمساحة أبيي تعادل 16 كم مربع ويعيش فيها قبائل عربية تسمي (المسيرية) وقبائل جنوبية تسمي ( دينكا نقوك) ، وتاريخيا هذه المناطق تابعة للعرب المسلمين الشماليين ، ولكن لأن طبيعة القبائل العربية هي الرعي بعكس القبائل الجنوبية التي تمتهن الزراعة والري والرعي ، فقط كانت هذه القبائل العربية تتنقل من مكان لمكان بعكس القبائل الجنوبية ، ما أدي لنزاع لاحق بين الطرفين مع مواسم الجفاف .
ووفقا للحكم الذي أصدرته محكمة لاهاي فقد حكمت المحكمة تقريبا بإعادة حقوق النفط الهامة في المنطقة للشمال ، وأعطت غالبية الأرض للجنوبين ، ولكن المحكمة مع هذا حددت مساحة ابيي فقط بـ ستة الاف كلم مربع تقريبا وأعادت 10 الاف كلم مربع للشمال ( وهي مساحة تعادل مساحة لبنان التي تقدر بـ 10452 كم مربع) .
فقد أعطت المحكمة حقلين كبيرين في منطقة أبيي للشمال واعطت حقل واحد صغير للجنوبيين وقضت بحق القبائل الجنوبية في تملك غالبية الأرض .
فقد كشف الدرديري محمد أحمد رئيس وفد المؤتمر الوطني، أنّ القرار الذي أتخذته محكمة لاهي جاء بمكاسب هامة للحكومة مؤكدا أن حكومة الخرطوم قدمت للمحكمة 11 نقطة لإقرارها لصالحها ، ولكن المحكمة قبلت 7 نقاط منها فقط مقابل 4 للجنوب ، وأن المساحة المتنازع عليها كانت 16 ألف كم2 ،وترتب علي الحكم استعادة «10» آلاف كلم2 منها تعادل مساحة لبنان .
وكانت المحكمة قلصت مساحة منطقة أبيي التي يطالب بها الجنوبيون كلها، وأخرجت بذلك مناطق البترول منها، واعتبرت قبيلة الدينكا نقوك (الأفريقية) كبرى قبائل المنطقة، هم السكان الأصليون فيها، لكنها سمحت لقبيلة المسيرية الرعوية، بحرية التنقل فيها، واستخدام مياه الأنهار في المنطقة ، الأمر الذي اعتبرته قبائل المسيرية العربية ظلما لهم لأنه حرمهم من مناطقهم التاريخية ، وقالوا أن ما يهمهم ليس البترول وإنما المياه وحقوق الرعي .
ولو تتبعنا تفاصيل الحكم سنجد أن المحكمة قضت عمليا بنسب مناطق حقلي نفط منطقتي "هجليج" و"بامبو" باعتبارها تابعة للشمال، فيما وضعت بئر «دفرة» ضمن سيطرة الجنوب .
ووفقا لـ الزبير أحمد الحسن وزير الطاقة والتعدين، فقد بدا إنتاج النفط في هذه المناطق يتقلص تدريجيا في مناطق أبيي وهجليج وأعالي النيل، فالإنتاج بدأ في العام 1998م بـ «150» ألف برميل في اليوم، وتصاعد إلى أن بلغ الذروة في أواخر العام 2005م، حيث بلغ «350» ألف برميل، ثم بدأ الانخفاض الى ان وصل «180» ألف برميل في اليوم، وحقل «دفرة» الذي مُنح للجنوبيين تناقص انتاجه من «11» ألف برميل ليصبح الآن أكثر من «3» آلاف برميل في اليوم !
ويقول الخبير السوداني د. حسن مكي أن قرار محكمة التحكيم الدولية في لاهاي بشأن منطقة أبيي المتنازع عليها بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، جاء بمثابة انجاز سياسي واقتصادي يحسب لصالح حكومة الخرطوم، لأنه أعاد النفط ومنشآته إلى الدولة.
ويؤكد رئيس الجامعة الإفريقية بالسودان وأحد كوادر ومفكري الحركة الإسلامية في إفريقيا، الدكتور حسن مكي أن قرار محكمة لاهاي كان بمثابة "تصحيح للوضع"، لأنه "أعاد البترول في أبيي إلى الحكومة السودانية وعادت المنشآت النفطية وقيمتها 5 مليون دولار إلى الحكومة، ولو كان الحكم غير ذلك لكان النفط رهينة في يد قبيلة صغيرة تستخدمه ضد الحكومة السودانية".
لكن مكي أشار إلى أن هذا المكسب لا يغطي على بعض السلبيات التي تضمنها الحكم، وقال: "لم يتم تصحيح كامل لوضع قبيلة المسيرية، فقد تم إنصافهم بإعادة ما يقارب 80% من أرضيهم، حيث تمت إعادة 10 ألف كلم من أصل 16 ألف، لكنهم أصبحوا بموجب الحكم مواطنين من الدرجة الثانية، تتلخص حقوقهم في الرعي، وهذا غير مقبول وغير موجود في أي شريعة.
 
الخلافات لا تزال مستمرة
وعلي الرغم من حسم حكم محكمة التحكيم الدولية في لاهاي لأمر منطقة أبيي الحدودية بين شمال وجنوب السودان والتي سيحسم مصيرها النهائي في استفتاء 2011 ، فلا يزال الصراع محتدما بين القادة الشماليين والجنوبيين حول حقوق السيطرة علي نفط المنطقة وعلي حق من يصوت في استفتاء تقرير مصيرها .. هل هم القبائل الجنوبية فقط أم كل أهل المنطقة ، ووصل الأمر بقادة جنوبيين للتهديد بالتصعيد بعدما أعلن مسئولون شماليون أنه لم يعد من حق الجنوب الحصول علي نسبة الـ 50% من عائد نفط حقل هجليج الذي حكمت المحكمة بتبعيته للشمال .
وأبدت مصادر سودانية مطلعة تخوفها من أن يؤدي تضارب التصريحات بين مسئولين شماليين وجنوبين لعدم حسم الخلاف حول مصير منطقة ابيي الي تجدد الصراع بين الشمال والجنوب بدلا من التوقعات أن يكون حسم المحكمة الدولية تبعية المنطقة مقدمة لسلاح ووحدة كل السودان ، كما أبدت تخوفها من أثارة الحركة الجنوبية معارك حدودية أخري علي طول المناطق الحدودية الممتدة بين الشمال والجنوب من أقصى غرب السودان، حدود دارفور مروراً بكردفان، ثم النيل الأبيض، ثم الشرق بمحاذاة سنار ومناطق النيل الأزرق .
وكان "الدرديري محمد أحمد" رئيس وفد حزب المؤتمر الوطني الشمالي الى لاهاي قال أن حكومة الجنوب لن تنال من بترول هجليج شيئا بعد قرار محكمة التحكيم الدولية الذي أقر أن حقول هجليج خارج منطقة أبيي وأعاد حقول البترول في هجليج إلى الشمال،بل وأكد أنه سيتم خصم ما أخذته حكومة الجنوب من أموال هذا الحقل من أموال النفط السابقة .
وقال إنه بعودة أبيي تنتهي النصوص التي طبقت بموجب خارطة طريق أبيي، التي كانت تمنح جنوب السودان «50%» من بترول هجليج، وأصبح بالتالي بترول المنطقة خالصاً للشمال وأن الحكومة ستُوقف دفع 50٪ من عائدات النفط لحقول هجليج إلى حكومة الجنوب اعتباراً من يوم صدور قرار التحكيم بلاهاي 22 يوليه 2009 والقاضي بتبعية حقول هجليج للشمال، وأنه وبموجب القرار ستلتزم الحكومة فقط بدفع ٢٪ من العائدات لحكومة جنوب كردفان .
بيد أن "لوكا بيونق" وزير شؤون الرئاسة في حكومة الجنوب، قال إن قرار المحكمة بإخراجمناطق البترول خاصةً منطقة هيجليج خارج حدود أبيي لا يعني تبعية المنطقة للشمال ، وقال لمحطة "مرايا أف أم" ، ان منطقة هجليج تقع ضمن مناطق النزاع الحدودي بينولايتي الوحدة وجنوب كردفان، وأكد أن حكومة الجنوب لديها وثائق تثبت تبعيةالمنطقة لولاية الوحدة .
وفيما يبدو رد من الحركة علي حرمانها من عوائد نفط حقل هيجليج أكبر حقوق أبيي ، قال الأمين العام لـ «الحركة الشعبية» باقان أموم، قال ان الاستفتاء المفترض أن يتم منفصلا عن استفتاء تقرير مصير الجنوب عام 2011 حول انضمام أبيي للشمال أو الجنوب هو من حق أبناء دينكا نقوك فقط، بحسب قرار محكمة العدل الدولية بشأن أبيي، الذي أشار الي ان المنطقة تتبع لعموديات دينكا نقوك التسع، حسب تعبيره، وحذر اموم من ان الحركة قد تضطر للتصعيد اذا استمرت محاولات المؤتمر الوطني للتراجع عن التزاماته، حسب قوله .
وكان رئيس الجمهورية عمر البشير، اكد ان الاستفتاء علي تبعية أبيي سيصوت عليه كل مواطني أبيي وليس دينكا نقوك وحدهم ، وتَعَهّدَ البشير بأن يكون المسيرية أول المستفيدين من بترول هجليج ، الأمر الذي أثار مخاوف أن يتجدد النزاع حول من له الحق في المشاركة في استفتاء يناير 2011 حول ابيي ما قد يعطله .
وخطورة هذا النزاع في أبيي وغيرها أنه كشف عن نوايا انفصالية للحركة الجنوبية التي تطالب إما بالوحدة السودان شرك أن يكون السودان علماني بعيد عن الشريعة الاسلامية أو الانفصال بدولة في الجنوب ، وظهرت هذه النوايا اكثر حينما دخلت قوات جنوبية أقليم ابيي قبل صدور قرار المحكمة بيومين وكانها تتعجل الحكم أو تترقبه ، مما يشير الى أن الجيش الشعبي يريد فرض سلطانه على المنطقة، بصرف النظر عن فحوى ومضمون قرار هيئة التحكيم !.
ومع هذا فقد وضع الحكم حركة التمرد الجنوبية في مأزق قد يدفعها للتراجع عن الانفصال لأن هدفهم هو النفط وتعظيم موارد حكومة الجنوب وكانوا يضعون أمالا كبيرة علي تبعية حقول نفط هيجليج لأبيي علي أن تصوت أبيي لاحقا في استفتاء 2011 للانفصال والانضمام للجنوب لا الشمال ، ولكنهم الأن خسروا موارد نفط ابيي وقمست المناطق بينهم وبين الشمال ما قد يدفعهم لاعادة حساباتهم !.