21 رجب 1430

السؤال

ما ردكم حول ما يقول الشيعة من أن رضا الله الذي وقع على الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - إنما وقع في لحظة البيعة فقط، مستدلين بوجود النسخ، أرجو أن تكون الغجابة بما أمكن من تفصيل، علماً بأنهم يحتجون بأدلة فيها عتاب الله لبعض المؤمنين، وآيات في فضح المنافقين ويدعون أن في الصحابة من كان منافقاً، أعلم أني قد أثقلت عليكم.. لكني أعيش بينهم ولا بد من فضح بعض حججهم حتى لا يؤثروا على ضعاف الإيمان.. وشكراً.

أجاب عنها:
أ.د. عبدالله عمر الدميجي

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
إن الطعن في الصحابة طعن في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، فكيف يحتجون بالقرآن الكريم والذين جمعوه وكتبوه ونقلوه من الكفار – في حد زعمهم-. فالجمع الأول كان بأمر أبي بكر رضي الله عنه وإشرافه، والجمع الثاني كان بأمر عثمان رضي الله عنه وإشرافه ومن كتبة الوحي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم معاوية رضي الله تعالى عنه؛ ولذلك قرر معتمدهم الكليني في كتابه الكافي أن هذا القرآن الذي بين أيدي المسلمين ليس هو القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وإنما ذاك القرآن المحفوظ في مصحف فاطمة رضي الله عنها الذي يعدل ثلاثة أضعاف هذا القرآن وليس فيه من هذا القرآن شيء ونسب ذلك إلى جعفر الصادق رحمه الله وبرأه مما نسبه الأفاكون.
وعليه قرر عالمهم الطبرسي في كتابه فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب تحريف القرآن وتبديله، ولم نجد من الشيعة من طعن وكفر من قال هذا الكلام ولم يتبرأ منه وإن كان منهم من لا يقول بتحريف القرآن ولا نقصه.
ثم دعواهم أن رضى الله تعالى عن الصحابة إنما كان لحظة البيعة فقط، وكأنهم يشيرن إلى قول الله تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ...) (الفتح: من الآية18)، يقال لهم: فما تقولون في قول الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:100)، وكذبك في قوله تعالى: (وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) (النساء: من الآية95) دليل على عدالة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، أما عتاب الله تعالى للمؤمنين في بعض الآيات فقد عاتب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم كذلك في تلك الآيات وغيرها فهل هذا طعن في النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:117)، ثم إنه لم يدَّعِ أحد بعصمة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وإنما هم بشر يصيبون ويخطئون ولكن الله غفر لهم خطأهم مما لهم من سابقة في الإيمان بالله ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم وإعلاء دينه والجهاد في سبيله (وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) (النساء: من الآية95)، ثم إن هذا العتاب في هذه الآيات يدخل فيه الصحابة من آل البيت رضي الله تعالى عنهم كعلي وبنيه وفاطمة رضي الله تعالى عنها؛ لأنهم داخلون في العموم وليس هناك ما يدل على تخصيصهم وإخراجهم من ذلك العموم.
أما دعوى أن في الصحابة منافقين فهي دعوى كاذبة لأنهم يستندون في ذلك إلى دليل مكذوب لا يصح وهو حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أنه قال: "كنا نعرف المنافقين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ببغضهم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه"؛ فهذا رواه الترمذي وأبو نعيم وفيه أبو هارون العبدي واسمه عمارة بن جوين، قال الحافظ: (متروك) وقال الذهبي: (ليِّن بمرَّة كذّبه حماد بن زيد، وقال الجوزجاني: كذاب مفتر، وقال صالح بن محمد: أكذب من فرعون) ينظر ميزان الاعتدال (3/173).
ثم إن الصحابة الذين كفروهم واتهموهم بالنفاق كانوا يحبون علياً ويحبهم رضي الله عنهم أجمعين كما هو ظاهر بين من سيرته وسيرتهم في كتب السنة والسيرة السنية والشيعية ولذلك بايعهم وبايعوه وصاهرهم وصاهروه... إلخ.
ثم إن المنافقين لم يكونوا مؤمنين بنص القرآن كما قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (البقرة:8)، أما الصحابة فقد شهد لهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بالإيمان وأنهم من أهل الجنة والرضوان كما في النصوص التي تقدمت الإشارة إليها من عموم رضى الله تعالى عنهم ووعدهم الحسنى وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وغيرها من الآيات.
أما المنافقون المذمومون في القرآن فهم الذين يبغضون النبي صلى الله عليه وسلم ويبغضون الصحابة ويلمزونهم ويطعنون فيهم ويطعنون في عرض رسول ا لله صلى الله عليه وسلم ويتهمون عائشة رضي الله تعالى عنها بالزنى بعد أن برأها الله تعالى منه فمن يا ترى أولى بصفات النفاق والمنافقين!! نسأل الله العافية والسلامة.
فلا يغتر المسلم الحريص على دينه بتزيين أهل الباطل باطلهم باستدلالهم ببعض النصوص التي يحملونها على غير محملها ويتبعون المتشابه ويتركون المحكم وهذه علامة أهل الزيغ كما قال الله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ...) (آل عمران: من الآية7)، قال الشاطبي في الاعتصام (1/285): (ومن ينظر إلى طريق أهل البدع في الاستدلال عرف أنها لا تنضبط؛ لأنها سيالة لا تقف عند حد، وعلى كل وجه يحاول كل زائغ وكافر أن يستدل على زيغه وكفره حتى ينسب النحلة التي التزمها إلى الشريعة وذلك باتباع المتشابهات وتحريف المناطات وتمسك بالأخبار الواهيات) ا.هـ.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.