الأستاذ الدكتور عادل المدني للمسلم : الهدوء الزائد لدى الأطفال مرض كما أن الحركة الزائدة مرض

تحتاج تربية الأبناء إلى مجهود كبير ... وتظل الأم والمعلمة الواعية أو الأب والمعلم الواعي هم أصحاب البصمة الأهم في حياة الطفل.

وقد يدين الطفل طوال حياته لهذا الوعي الذي قد ينقذه من محنة أو مرض كان من الممكن أن يعاني منه طوال حياته لولا شاء الله بهذا التدخل المناسب في الوقت المناسب.
 فالطفل كثير الحركة غريب التصرفات ليس بالضرورة أن نكتفي بأن نطلق عليه لقب "مشاغب" ، والصامت ليس بالضرورة "هادي" , كما أن قليل التركيز قد يكون لا يفعل هذا عمداً ، وقد لا يستحق اللوم ..
 فبعض الأطفال يعاني من هذه الصفات بسبب أعراض مرضية خارجة عن إرادته وتحتاج إستشارة طبيب.
وللأم أن تسأل نفسها .. هل ابنك كثير الحركة ؟ هل لا يستطيع التركيز ؟ هل يخطف ألعاب أخوته وزملائه ؟ هل هو عنيف ويتشاجر دائماً ؟ هل يرفض تنفيذ الأوامر؟ أم أنه هادئ ومنعزل ؟ هل هو غير متفاعل ولا يبتسم ؟ هل ينفصل عن الواقع من آن إلى آخر ؟
قد تكون هذه الأسئلة لا تصف صفات شخصية لابنك ولكنها قد تكون أعراضا مرضية تحتاج إلى تدخل طبيب نفسي في أسرع وقت.
 وعبر كثير من التساؤلات التي يبثها الآباء والأمهات عن التصرفات والخلفيات النفسية الصحية والمرضية لأبنائنا كان لموقع المسلم هذا الحوار مع الأستاذ الدكتور عادل المدني – أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة الأزهر ...
 
 
·   المسلم : في البداية ما هي الأعراض التي تحتاج الأم أن تقول بعد ان تلاحظها أن سلوك ابني مريض ويحتاج الى علاج؟
-   هناك دائماً حد أعلى لنشاط الطفل وتصرفاته يمكننا أن نقول بعده أن هذا الطفل يحتاج إلى علاج ... فمثلاً كل الاطفال يلعبون ويجرون ولكن الطفل الذي لا يستطيع أن يجلس على مقعد لمدة 10 دقائق متواصلة ويظل يتصرف تصرفات مستغربة هو طفل مريض بمرض كثرة الحركة ويحتاج لتدخل طبي وعلاجي.
·   المسلم : وهل يُعرف الطفل المريض بـ "مرض كثرة الحركة" بعدم قدرته فقط على الجلوس في مكانه؟ أم أن هناك أعراضا أخرى؟
-   هناك عدد من الأعراض فبالإضافة لعدم قدرته على الجلوس فإنه لا يستطيع ان يلعب بالألعاب التي تحتاج الى تركيز مثل المكعبات والبازل، ولا يجلس لمشاهدة فيلم كارتون ولو جلس لا يكمله ... يشكون منه في الحضانة ... عنيف .... يخطف الأشياء من أيدي إخوته وزملائه، ولا يتوقف عن الحركة ... دائماً يتحرك.
·        المسلم : هل معنى هذا ان الطفل الهادئ سهل الحكم عليه بأنه طبيعي؟
-   لا ... لأن الهدوء الزائد عن الحد هو أيضاً من الأعراض المرضية، فالطفل الذي يجلس وحده طويلاً ولا يلعب ولا يشارك الآخرين ألعابهم، لا يضحك ... منعزل ويخاف بسهولة ... هو طفل وحدوي ويحتاج أيضاً للعلاج.
·        المسلم : هل هناك أعراض أخرى تحتاج أن تلتفت إليها الأم او المعلمة؟
-   بالتأكيد ... فهناك مرض نقص التركيز والانتباه ... وأهم العلامات المميزة له هي .. ألا يستجيب الطفل للأوامر، ولا يستطيع الاستيعاب بسهولة ... ودائماً يكون مشتت الذهن ليس فقط في الدراسة ولكن في اللعب أيضاً وهناك مرض الصرع الصغير أو المؤقت ... وهو لا يؤدي إلى نوبات الصرع المعروفة .. ولكن تلاحظ الأم أن الطفل يتشمع فجأة أثناء ممارسته لنشاط ما ، أي يصبح مثل تمثال الشمع ... مثلاً يأكل أو يشرب أو يكتب وفجأة يتجمد لمدة دقيقة أو نصف دقيقة، ثم يعود مرة ثانية ليستأنف نشاطه كما لو كانت حالة التجمد هذه لم تحدث.
·        المسلم : هل هذه الأمراض حديثة ولم تكن موجودة من قبل وهل أثر في ظهورها ظهور التكنولوجيا الحديثة ؟
-   أغلب الأمراض كان موجوداً طوال الوقت ولكن الوعي بها تحسن، وهناك أمراض تم إكتشاف اسبابها وعلاجها حديثاً , كما أن لوسائل التقنية الحديثة هي الأخرى دور واضح في ظهورها
·        المسلم : وما هو التصرف الأمثل الذي ينبغي على الام أن تقوم به إذا لاحظت أياً من هذه الأعراض؟
-   يجب على الأم ابتداء أن تقوم بملاحظة دقيقة لابنها بحيث تقرر على هذا الأساس هل هناك شكوى أو لا ثم عليها أن تصطحب ابنها فوراً للطبيب النفسي إذا لاحظت أياً من هذه الأعراض، وعليها ألا تؤجل هذه الخطوة أبداً، على أن يكون الطبيب النفسي طبيباً وليس معالجاً نفسياً لأن الأمر يحتاج إلى تدخل دوائي ومتابعة طبية.
·        المسلم : وكيف تفرق الأم بين المشاغبة المعتادة للأطفال وبين الأعراض المرضية؟
-   كما قلت ... هناك حد أعلى لنشاط الطفل اذا زاد عنه ينبغي عرضه على طبيب، وأنا أحذر الأمهات من الإستماع للأقارب، بعض الأمهات تلاحظ أعراض مقلقة فتجد من يقول لها :"كل الاطفال هكذا" ويسوقون لها الأمثلة والنماذج لإقناعها، وبدلاً من أن تعالج ابنها تستسلم وتتركه.
أنا أشدد على أن الشك دائماً لصالح الطفل، ولن يضر الطفل أبداً أن يتم عرضه على طبيب نفسي ثم يقول الطبيب للأم "لا تقلقي ابنك سليم" ... لكن الضرر كل الضرر أن تهمل الطفل وتترك الأعراض لديه تزيد مع الوقت وتقل فرصته للشفاء.
 
·        المسلم : معنى هذا أن الاكتشاف المبكر يساعد على شفاء أفضل للطفل؟
-   بالتأكيد .... كلما تم إكتشاف المشكلة الصحية أو النفسية مبكراً وتم إتخاذ إجراءات لعلاجها، كلما زادت فرص الطفل في الشفاء، وكلما أُهمل علاجه وطالت فترة مرضه بدون علاج قلت فرصته في التحسن والعلاج.
 
·   المسلم : ولكن بعض الأمهات تخاف على ابنها من الأدوية، وترى فيها أنها كيماويات تضر جسمه وعقله، فكيف ترد عليهم؟
-   ردي عليهم هو أنني أسأل هؤلاء الأمهات ... هل ابنك إذا عانى من برد أو سعال .. هل ستتركينه بدون دواء؟ أليست أدوية السعال والبرد أدوية كيماوية؟ ولو تركت الأم ابنها يُعاني من السعال وخافت عليه من الدواء سيتحول السعال إلى إلتهاب رئوي، وهو نفس ما يحدث في الأمراض النفسية، إذا تُرك بغير علاج سيتطور إلى الأسوأ.
·        المسلم : ولكن الأدوية النفسية تتعامل مع كيماويات المخ ، وفترة إستعمالها تطول.
-   الأدوية النفسية أدوية علاجية وليست مهدئات ولا تؤدي إلى الإدمان، والطبيب عندما يكتب دواء لطفل فهو بالتأكيد على يقين أن هذا الطفل يحتاج لهذا الدواء ... وأنه سينفعه ولن يضره، ثم أن الطفل يُعاني بالفعل من أعراض مرضية وبالتالي هو واقع عليه ضرر من المرض، ولن يكون الدواء أكثر ضرراً، ويراعي الطبيب حالة كل طفل ووزنه وجسمه قبل أن يكتب له الدواء.
·        المسلم : وهل يستمر الطفل المريض في هذه الحالة على الدواء مدة طويلة ؟
-   إذا تم إكتشاف الأعراض المرضية مبكراً فغالباً يتم شفاء الطفل بعد فترة من بدأ العلاج ... ولكن بعض الحالات بالفعل قد تحتاج أن تستمر على نوع معين من الدواء مدد طويلة بحسب المرض  وإن كانت الجرعة تختلف من وقت إلى آخر.
·   المسلم : بعض الصيادلة عندما يرون وصفة طبية بها أدوية نفسية ينصحون الأمهات بعدم صرفها ... ما رأيك بهذا التصرف؟
-   الشخص الوحيد المسئول عن هذا الطفل من الناحية الطبية هو طبيبه ... ولا يحق لأي مخلوق أن يتدخل ولا في نوع الدواء ولا في جرعته، لأن الطبيب لديه اسبابه العلمية التي كتب بموجبها الدواء، وأنا أرفض تماماً أن يتدخل الصيادلة في هذا الأمر لأنهم يضرون المرضى بهذه الطريقة ولا ينفعونهم.
·        المسلم : وهل كل الحالات تحتاج لعلاج دوائي؟
-   لا .... فبعض الحالات لا تحتاج إلا لمتابعة سلوكية .. ولكن القرار في هذه الحالة يكون للطبيب، ويختلف من حالة لأخرى.
·        كيف تجد مستوى وعي الناس في الوقت الحالي بمسألة الأمراض النفسية واعراضها وعلاجها؟
-   الوعي العام بالأمراض النفسية وأعراضها وعلاجها تحسن بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة ولكن يظل من واجب وسائل الإعلام أن تقوم بمزيد من التوعية بإستمرار، لأن التوعية أمر لا ينتهي.