النفوذ الإيراني في كردستان العراق
12 رجب 1430
عبد الرحمن أحمد

لإيران نفوذ كبير في وسط وجنوب العراق وهذا معلوم لدى الجميع. ولكن وجود النفوذ الإيراني طاغ في شتى المجالات الأمنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية في إقليم كردستان مثار للجدل؛ لان إيران تضطهد أكرادها البالغ عددهم حوالي عشرة ملايين؛ إذ لا يحق لأي كردي أن يتبوأ أي منصب في أية دائرة حتى في المناطق الكردية وغالبية مناصب المناطق الكردية من نصيب الأذربيجانيين -وهم أتراك شيعة-.

كان لإيران دور كبير في تعزيز التمرد الكردي في شمال العراق من سنة 1961م لغاية انتهاء التمرد عام 1975م في عهد الملا مصطفى البارزاني حيث كان شاه إيران (محمد رضا بهلوي) يدعمه بغية أضعاف العراق ومنعه من المشاركة بفعالية في تحرير الجبهة الشرقية ضد الكيان الصهيوني، كما أن الشاه كان يطلب من تابعه البارزاني الكبير إخماد الحركات الكردية في كردستان العراق.

بعد انتهاء التمرد عام 1975م بوقف الدعم الإيراني وموت ملا مصطفى البرزاني بالسرطان في أمريكا في 1/3/1979 بادر نجلاه إدريس ومسعود إلى تقديم خدماتهم لسيدهم الجديد (أية الله خميني) وقد وعدهم الأخير بالدعم والمساندة لقاء ثمن بخس وهو تدمير المقاومة الكردية التي قادها المرحوم الدكتور (عبد الرحمن قاسملو) زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني حيث جرت بهذا الخصوص معارك طاحنة بين المقاومة الكردية والقوات الإيرانية مدعومة من أكراد العراق بقيادة الأخوين إدريس ومسعود البارزانيين.

 

وكثيراً ما يتهم مسعود زعماء العشائر الكردية (بالجحوش) بسبب تعاونها مع السلطات العراقية لإخماد التمرد الكردي المدعوم من إيران وإسرائيل وأمريكا؛ فما بالك بمن يدعم دولة أجنبية ضد أشقائه.. وهذا ما فعله إدريس ومسعود مع أكراد إيران وأكراد تركيا الأمر الذي يدل على أنهم هم الجحوش الأصليون.

 

كان شاه إيران الذي يسمي نفسه (آريا  مهر) أي شمس الآريين يعتبر أكراد إيران وأكراد العراق وتركيا جزءاً من المنظومة الإيرانية التي هو زعيمها؛ لذلك كان لا يمنحهم الحقوق لأنهم مثل أقرانهم الفرس سادة البلاد على الأقل من الناحية النظرية؛ لذلك كان يحاول بشتى السبل حرف الأكراد عن الإسلام واللغة العربية وربطهم بالغة الفارسية والديانة المجوسية الزرادشتية على أساس أن زرادشت هو من بني الآريين (الفرس والكرد والبلوش والبشتون).
ولما سقط الشاه وجاءت الثورة الإيرانية حاولت هي الأخرى الاستفادة من خدمات الأكراد الذين كانوا لا يزالون يعتبرون إيران موطنهم الثاني, وهذا ما صرح به (نجيرفان بارزاني) في زيارته الأخيرة لإيران.

وأثناء الحرب العراقية – الإيرانية فان الأحزاب الكردية قدمت الدعم والمساندة والعمل الاستخباري للجيش وجهاز (الاطلاعات) والحرس الثوري, وكان البيشمركة طليعة للقوات الإيرانية الغازية للعراق في منطقة حاج عمران وبنجوين وجوارته وحلبجة, وما مأساة حلبجة والأنفال إلا ثمرة ونتيجة مأساوية لهذا التعاون, حيث خان البارزانيون والطالبانيون شعبهم ووطنهم لقاء ثمن بخس, وكانت النتيجة وبالاً على الأكراد والعرب على حد سواء ولايزالون يئنون منها.

 

وكانت إيران تأوي الآلاف من الأكراد الهاربين في مجمعات خاصة لهم تسمى بالفارسية (أوردوكاه). وأصبح هؤلاء طابوراً خامساً لها, وعندما حدثت أحداث آذار 1991م فان إيران سلحت هؤلاء وأرسلتهم للقيام بأعمال تخريبية في شمال العراق, بعدها سيطروا على الإقليم بدعم أمريكي وغربي وتركي، وابرز مثال على الأمور الخسيسة التي كانت تطلب منهم؛ أنهم كانوا يكلفون بكسر زجاج المساكن والدور والدوائر والمعسكرات لقاء ثمن. كما أنها طلبت من الشيخ محمد بن الشيخ احمد البارزاني ابن عم مسعود البارزاني ووالد زوجته بتدمير وكسر الرادار العراقي المنصوب فوق قمة جبل كورك مع المحطة الفضائية العراقية وتم لهم ما أرادوا. والآن نصب البارزانيون شبكة اتصالات على أنقاض هذه المحطات العراقية وسموها (كورك) وهي شركة تابعة ظاهريا لـ (سيروان بن صابر بن ملا مصطفى البارزاني) ابن أخ مسعود البارزاني, ولكنها في الحقيقة ملك لمسعود البارزاني كما صرح بذلك سيروان شخصياً لعمه عبد السلام بن الشيخ سليمان البارزاني.

 

وبعد استتباب الوضع الأمني والاقتصادي للأحزاب الكردية في شمال العراق, جلب اللاجئون الأكراد القادمون من إيران معهم الثقافة والتراث الإيراني وفضلوهما على الثقافة والتراث الإسلامي بل والكردي تحديداً فجلبوا المخدرات والعادات والتقاليد الفارسية المنافية للدين كالاحتفال بأعياد النيروز والمهرجان (المهرگان) وغيرها من الأعياد المجوسية وسموا أولادهم بأسماء إيرانية مجوسية وغيروا أسماءهم العربية والإسلامية, رغم أن غالبية أسماء الأسرة البارزانية لازالت عربية إسلامية وبدؤوا يضيفون أسماء ومصطلحات فارسية في الجامعات والمعاهد والمدارس والأمور العسكرية فمصطلح فوج يطلق عليه (بتاليون) وهو مصطلح انكليزي الأصل و(سوبا) يقصد به فرقة, وفرمانده يقصد به (فيلق) وكلها مصطلحات إيرانية. ومن جانب آخر فان إيران كانت تدعم كل الأحزاب الكردية العلمانية منها والإسلامية على حد سواء. كما أنها كانت تدير الصراع بين الأحزاب الكردية وتغذيه من جانب آخر, أي توجهها حسب مصالحها ونفوذها.

 

كما كانت السلطات الإيرانية تقوم بنصب محطات تقوية على جبال هادراسان المطلة على حلبجة وخورمال لتعزيز بثهم الإذاعي والتلفزيوني داخل إقليم كوردستان العراق. وتقوم في الوقت نفسه بإقامة معارض للكتب الإيرانية في المدن الكردية الرئيسية تحت اسم معرض كتاب أهل البيت،  وتقبل العديد من الطلاب الأكراد للدراسة في الجامعات والمعاهد الإيرانية كجامعة طهران وقزدي والإمام الخميني.

 

ولما جاء اللاجئون الأكراد في إيران إلى العراق طلبوا من الحكومة المحلية بأن يكون عيد النيروز (النوروز) عيداً كبيراً ذا عطلة طويلة على غرار ما يفعله الإيرانيون؛ لذلك قامت حكومة الإقليم بزيادة أيام العطل من يوم واحد إلى ثلاثة أيام والى خمسة عشر يوماً للمدارس والمعاهد والجامعات وأصبح النوروز عيداً قومياً ووطنياً للكرد في العراق حيث تقوم ربات العوائل بشراء الملابس ومستلزمات العيد على غرار ما يفعل أيام عيد الفطر والأضحى المباركين.

كما أن العديد من المؤتمرات والندوات التي يقيمها المثقفون والأدباء الكرد وأساتذة الجامعات في كل من إيران وكردستان قد زادت معدلاتها ولاسيما بعد اضمحلال اللغة العربية ومقررات الدين الإسلامي، بعد تغيير المناهج وفق النظرة الغربية والإيرانية فأصبحت الثقافة والحضارة الإيرانيتان هما السائدتان في كردستان العراق.

كما أن الاقتصاد الكردي أصبح مرهوناً بالجانب الإيراني رغم رداءة المنتجات الإيرانية, فقد ذكرت مجلة لفين الكردية النصف شهرية بان أسرة مسعود البارزاني تستخدم البضائع التركية فقط لأنها جيدة, أما بقية الشعب الكردي الفقير المغلوب على أمره فيعتمد على البضائع الإيرانية الرخيصة، وما ظهور مرضي الكوليرا والطاعون في السليمانية إلا دليل على ذلك.

 

ومن الناحية الاجتماعية فان الزي الإيراني أصبح سائدا في أوساط النساء الكرديات بعد أن كانت الملابس الكردية والملابس العربية (الحجاب) هي الطاغية بجانب وجود ألاف الكتب الإيرانية في مكتبات الجامعات والمكتبات العامة  والخاصة.
كما لا يمكن نسيان التأثير الإيراني حتى في لبس الأطقم الذهبية التي تعتمد على النقوش المجوسية أي شعار زرادشت المبني أصلاً على الشعار الآشوري.. وبخصوص الجوانب الطائفية كبناء الحسينيات وزواج المتعة فحدث ولا حرج لذلك فان إيران كما استطاعت التغلغل في جنوب العراق بواسطة الدعاية الطائفية, فإنها استطاعت التغلغل في كردستان عن طريق الثقافة الإيرانية أو (أرينة) المجتمع الكردي.