ناجاد ديكتاتور: لا شماتة ولا سذاجة!
7 رجب 1430
إبراهيم الأزرق




طالعت في بعض المقاطع الفيديوية ألوف المتظاهرين في شوارع طهران وهي تهتف: نا..جاد ديكتاتور..! مكذبة نتائج الانتخابات أو مشككة فيها، مطالبة بإعادة النظر وفرز الأصوات من جديد.

ولهذا الجمهور العريض وكذا النخب من سياسييه وملاليه أسبابهم التي يرونها معقولة للتشكيك في النتائج.

وقد أتفهم إعراض مثل خامنئي وجوقة المحافظين الإيرانيين عن الالتفات إلى هذه الأصوات، لكن ما لا أفهمه إصرار بعض المثقفين في ظل الأوضاع الراهنة على إغفال تلك الأصوات والانحياز جزئياً أو كلياً للملالي أتباع خامنئي مع أنهم من دعاة الديمقراطية والحريات في المنطقة العربية؟!

ومن أبرز الملاحظات على هؤلاء المثقفين:

-  اعتقادهم بأن النتيجة نزيهة محسومة لنجاد، وقد يمنطقون ذلك بزعمهم أن من حسمها لنجاد هم الطبقة المكدودة من الشعب الإيراني.

-  دعوتهم (الآخرين) لترك الشماتة في الديمقراطية الإيرانية إذ هم (الإيرانيون) خير من غيرهم!

أما الزعم الأول وهو أن النتيجة نزيهة فهو انحياز ظاهر للمحافظين إذ أن المشككين إنما يشككون في نزاهة هذه النتيجة ولو كانوا يعتقدون نزاهتها وأن الطبقة الفقيرة رجحت كفة نجاد وأن الأكثرية معه لما خرجت معترضة رافعة الشعارات التي تؤكد التلاعب بالنتيجة وأن الأكثرية لا ترضا بالديكتاتور نجاد حاكماً عليها!

فهذه الدعوى العريضة أعني أن الفقراء وجمهور الشعب مع انتخاب نجاد هي التي استدعت غضب الألوف المحتجة في شوارع طهران وليست تلك الألوف من الطبقة البرجوازية بل من كافة طبقات المجتمع الإيراني فقرائه ومتوسطيه وملاليه! ومع ذلك يصر بعض المثقفين من صحفيينا كعزمي وفهمي على ترداد وجهة نظر المحافظين الذين يخشون إعادة الفرز دعك من العملية الانتخابية للتحقق منها.

وأما القضية الأخرى أعني عار شماتة بعضهم بالديمقراطية الإيرانية، فينبغي أن يتنبه هؤلاء المثقفون قبل عد تلك الشماتة عاراً إلى أمور:

أولها أن العور قد يكون خيراً من العمى إن سلمت لصاحبه بقيت الحواس.. لكن لا يعني هذا أن العور ليس بعيب يستدعي شماتة الأعداء، هذا إن سلم أن الانتخابات الإيرانية خير مثال للحكم في المنطقة، فكيف إذا لم يسلم بأنها خير طريقة للحكم، بل لم يسلم بأنها خير مثال للانتخابات الديمقراطية في المنطقة!

والثاني أن الشك في تلك الديمقراطية تعتقده ملايين الجموع الإيرانية، وهؤلاء المثقفون الذائدون عن ديمقراطية إيران ليسوا بأكثر وطنية من تلك الملايين الفارسية المشككة بنزاهة الانتخابات! ولا الشامتون بأكثر حنقاً على النتيجة من الإصلاحيين الإيرانيين!

والثالث: أن تلك الشكوك لم تجيء اعتباطاً فقد كاد يجمع المحللون الإيرانيون وغيرهم قبل الانتخابات على خسارة نجاد.. ثم ترامت الأنباء بأن المصوتين لصالح نجاد في بعض المناطق يفوق عددهم عدد الناخبين الذين من حقهم التصويت فيها!! ثم أعلنت لجنة صيانة الدستور أن ثمة مخالفات وأن هناك خللاً قد حدث وإن حاولت تقزيمه. ثم من كانت له تلك الأغلبية المدعاة أليس من الأيسر عليه إعادة الفرز أو إلغاء النتيجة الأولى والترحيب بأخرى بدلاً من الدخول في اضطرابات قد تكون عاقبتها أو عاقبة قمعها وخيمة على النسيج الإيراني؟ والخلاصة لسنا أمام نتيجة طبيعية لنزعم أن السلامة هي أصلها المصطحب حتى يثبت خلاف ذلك.

والرابع:  أي ديمقراطية تلك التي تقوم على التمييز حتى بين منتسبي الدين الواحد فديمقراطيتهم تقضي بإقصاء من كان غير مؤمن بمبادئ الثورة عن المشاركة؟! مع أن في إيران اليوم ما لا يقل عن سبعة ملايين سني وفقاً للإحصاء الرافضي أما وفقاً لتقارير أهل السنة هناك فيتجاوز العدد العشرين مليون نسمة!

وإذا كان الغرب ينعى على الدول الإسلامية إن نصت في دستورها على أن يكون الرئيس مسلماً! وترى ذلك لا ينسجم مع مبادئ الديمقراطية، فكيف إذا كان حاصل النص أن يكون الرئيس تابعاً لمذهب محدد!

إن من يرى هذه ديمقراطيةً فعليه أن يرى كل حكم كذلك مع اختلاف شروط الواجبة في المرشحين التي تضيق الدائرة ولو في نطاق العائلة أو توسعها.

خامساً: الشامتون في الواقع يشمتون من نظام احتكر الرأي والحكم وانتهج القمع طريقاً لفرض السيطرة منذ قيام الثورة فهم بذلك يشمتون في واحدة من أعرق الديكتاتوريات في المنطقة، إنها ديكتاتورية الوالي الفقيه الحاكم الرسمي في إيران الذي كان قبل اليوم يفرض ما يريد.. أما اليوم فقد ثار الشعب على اختياره.

سادساً: الانتخابات في وطننا العربي وإن كانت نتائجها مطعون فيها، فإن مبدأها لا ينطوي على التمييز الذي تنطوي عليه الديمقراطية الإيرانية وإن لم تسلم من نوع تمييز أحياناً، فمع التشكيك في النتيجة أضحت انتخابات بعض البلدان العربية التسعينية أقرب في مبدئها للديمقراطية ومساوية للانتخابات الإيرانية في مصداقية نتائجها!

والأمر السابع الذي يغفل عنه هؤلاء المثقفون أو يغفلونه هو أن الشامتين ليسوا هم العقيد معمر القذافي أو غيره من الحكام العرب وفقط! بل الشماتة شعبية نزيهة لايزايد على أهلها بعدم تطبيق بعض الديكتاتورين لمبدأ الديمقراطية في بلدانهم!

وختاماً لاشك أن الشماتة (مبررة) كما أن للاحتجاجات مسوغاتها!

ولكن لا يعني ذلك بالضرورة أن موسوي أو غيره من الإصلاحيين خير للمنطقة، وذلك لأن مجيء موسوي أو أشباهه مؤذن بتحالف غربي رافضي قوي في المنطقة.. وتظل حماقات أمثال نجاد وطموحات الملالي في الوقت الراهن عائقة بعض الشيء عن ذلك... والموازنة بين شر الشرين كالموازنة بين أعلى المصلحتين تحتاج إلى تأمل وتريث وتحديد نظر.