بيتنا .. وطوارىء الامتحانات
24 جمادى الثانية 1430
د. مبروك رمضان
تلقيت عددا من الأسئلة من العديد من المواقع الاستشارية حول ما نشهده خلال هذه الأيام والارتباك الملحوظ لدى الأبناء والأسرة في البرنامج اليومي والنوم والغذاء بسبب التوتر الذي يصاحب مجتمعاتنا قبيل وأثناء الاختبارات الفصلية أو النهائية سواء في المدارس أو الجامعات وهل هذا صحيح؟
 
هذه ظاهرة -نعم ظاهرة- خطيرة يعدها النفسيون مرض (فوبيا الاختبارات) ويعدها التربويون مرضاً في شق منها، ومصلحة في شقها الآخر وذلك لاعتبارات متنوعة، ولأن الخوف والحذر قد يكون مرضاً إلا أنه يعد أحياناً سلامة وحيطة، وبالطبع فإن لكل منهما حدود وأن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، وخوف وفزع واضطرابات الاختبارات قد يكون مرضياً عند الطلاب الذين غلب عليهم الإهمال والتراخي خلال العام ووجدوا أنفسهم أمام عدد كبير من المواد والصفحات وهم يحاولون أن يقرؤوا بعضها لأول مرة والحقيقة أن هذا الاضطراب ليس بسبب الاختبارات ولكنه بسبب النتيجة المتوقعة وفي الغالب يظن أصحابها أنها سلبية كلياً أو جزئياً.
 
وقد يكون الاضطراب إيجابياً وهو الناتج عن الرغبة الملحة في التفوق وحصد أفضل النتائج من أجل تحقيق رغبة في الجامعة أو إعادة في القسم أو تميز لمنحة دراسية وهو هنا يكون حميداً بقدر عدم تأثيره السلوك العام في اتباع المنهج المعتدل في القلق وعدم الخروج إلى حيز عدم السيطرة ويظل واقعاً وهاجساً لتحقيق نتائج أفضل.
 
والمتتبع لكثير من هذه الحالات يجد أن الأسرة تلعب دوراً رئيساً في زيادة التوتر والاضطراب وشد الأعصاب إذا ما تعاملت مع الأبناء بنفس طرائقهم وسلكت نفس مسلكهم والأصل أن الأسرة التربوية الواعية هي التي تملك بزمام الأمور ويكون لديها المبادرة لمساعدة الأبناء على الاعتدال والتوسط فلا تترك لهم الحبل على الغارب في الاستهتار والتراخي وتبسط لهم الأمر مما يهوّن عليهم المسؤولية وينطبع عند الأبناء أن النتائج لدى الأسرة سواء، ولا هي تأخذ الأمر بعصبية وشدة وحزم زائد فتزيد المضطرب اضطراباً والقلق قلقاً والخائف خوفاً، وتزرع في نفوس المستهترين انخفاض الثقة.
 
وكثيرة هي الأسر الواعية التي تراعي حال الأبناء وتلطف من جو التوتر حين يرتفع، وتشحذ الهمم حين تنخفض، تضفي على البيت حالة من السكينة والراحة، فيشعر الأبناء أن أسرتهم تساندهم وتعاونهم، فلا تلوم وتندب أيام الاختبارات وموادها وجدولها، بل تلاقي هذه الفترة بسعة صدر ، تبسط الوجه، وتقدم النصيحة البسيطة، صوتها معتدل، وتوجيهها مركز، ولا تتدخل إلا  عند الضرورة، كما أن من المهم أن لا يشعر الأبناء أن لدى الأسرة خوفاً أو اضطراباً، بل من المهم جداً أن يشعر الأبناء أن لدى الأسرة رغبة في المساعدة والمساندة دون خوف أو انزعاج فزرع الثقة في محلها يولد الطاقات ويشعل التحدي ويزيد الإصرار والتركيز فالاعتدال في كل الأمور هو أفضل الطرائق لتحقيق النتائج ولا ننسى الدعاء والتضرع إلى الله تعالى للأبناء بالتوفيق والرشاد.