الانتخابات الإيرانية واقع الأخطاء التي يصنعها الداخل!
23 جمادى الثانية 1430
ياسمينة صالح
ما حدث في الانتخابات الإيرانية الأخيرة ـ بغض النظر عن النتائج النهائية ومن فاز فيها ـ لا يختلف عما حدث ـ مشهديا ـ عن الانتخابات اللبنانية الأخيرة، لقد حدث ما لم يكن في الحسبان، بل وما لم يكن مسموح حدوثه أصلا بالنسبة للنظم الغارقة في الأيديولوجية القديمة، إنه الحراك الشعبي الذي لأول مرة يغير من الصورة النمطية المنمقة والتي حاولت النظم السائدة المحافظة عليها، كصورة قريبة إلى القداسة، قبل أن يحدث الانقلاب في صورتها الأكثر بساطة والأكثر وضوحا: لقد حدثت الثورة الهادئة المستمدة من البسطاء.. من المواطنين أنفسهم!
الانتخابات اللبنانية وبداية الورطة!
نشرت صحيفة "لاكروا" الفرنسية ملفا جاء فيه أن الانقلاب الانتخابي الكبير الذي حدث في لبنان، لم يكن فقط في خسارة حزب الله سياسيا وشعبيا، بل وفي إمكانيات لم تكن متاحة من قبل استطاعت الانتخابات فتحتها الآن، إنها التي تتعلق بكيفية التعاطي مع حزب الله نفسه، حيث أن الانتخابات التي خسر فيها حزب الله الرهان الذي رفعه، جعله لأول مرة في مواجهة قوى جديدة متمثلة في المواطنين أنفسهم، في رد فعل الشعب الذي لأول مرة يعبر عن خوفه الشديد من الانحرافات التي وقعت، والتي بموجبها من الصعب السماح بقيام دويلات داخل دولة صغيرة مثل لبنان قاب قوسين أو أدنى من الانفجار! حزب الله الذي اعتمد على صورته النضالية خسر ذات الصورة أيضا، لأسباب كثيرة بعضها واضح وسهل تفسيره ببساطة ارتباطه الفكري والروحي والعقائدي والسياسي والعسكري بالجمهورية الإيرانية، وهو ارتباط لا يندرج فقط في إطار المقاومة فحسب، بل وفي إطار مشروع سياسي أيضا، بدليل أن الارتباطات الشديدة بين حزب الله وإيران لا يمكن أن تخرج عن إطار "حسن الجوار" ( لبعد المسافة جغرافيا) بقدر ما هي في الأول والأخير ارتباطا مصلحاتيا مشتركا، كيفما كانت مسمياته الأخرى يظل يصب في ذات الفلسفة التي تقول " من ليس معي فهو ضدي" وهي الفلسفة التي جعلت اللبنانيين يرفضون أن يكونوا مع أطروحة المساومة في دولة صغيرة الحجم، كبيرة المكانة، وخطيرة الموقع استراتيجيا.. لقد كانت الأخطاء الكثيرة لحزب الله في الفترة الماضية تصب جليا في سياق الفوضى التي أراد التنصل منها بالاستغراق فيها، وإن كانت قضيته مع مصر بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، إلا أنها أظهرت أن حزب الله المحلي لن يكتفي بمحليته، وأنه سيسعى إلى الانتشار إقليميا لأجل فك الخناق عليه داخليا، ولأجل أن يكون حزبا مقاوما في عباءة الجمهورية الإسلامية التي بدورها تخوض ذات الحروب ضد نفس الأهداف التي يستهدفها حزب الله منها مصر، ومنها السعودية، ومنها البحرين، ومنها الإمارات، ومنها الأردن، ومنها لبنان نفسه، وإن كان الوضع في لبنان أكثر تعقيدا على الصعيد الداخلي بسبب التحديات "الإسرائيلية" نفسها ( العدد المهول لشبكات التجسس لصالح "إسرائيل" التي تم إحباطها في الأسابيع الماضية)، إلا أن الأوضاع في دول أخرى لا تحمل مبررا لتدخل حزب الله فيها، وإن اعترف السيد حسن نصر الله بالشبكة التي تم إحباطها في مصر، فهو بهذا قد اعترف ضمنيا بفكرة التدخل في دول ذات سيادة حتى لو كانت الأسباب الظاهرية تكمن في معبر رفح الذي أغلقته السلطات المصرية في وجه الأشقاء الفلسطينيين التائهين بين خطر القصف الصهيوني الأرعن وخطر الانسداد العربي الأغبى! تلك الأخطاء الخارجية وأخرى داخلية مثل استعراض القوة العسكرية بمناسبة وبغير مناسبة في الضاحية اللبنانية الجنوبية ساهمت في تعميم الإحساس بالخطر لدى اللبنانيين البسطاء الذين ما زالوا يتذكرون ويلات الحرب اللبنانية الرهيبة التي أكلت الأخضر واليابس طوال 15 سنة، مثلما يتذكرون هشاشة الأمن الداخلي القابل للانفلات بسبب رصاصة واحدة، فما بالك بسبب مليشيات مسلحة كاملة العتاد تمشي مرحا على الأرض اللبنانية ولن تتردد في استعمال القوة لفرض وجودها. لقد كشفت الانتخابات اللبنانية الأخيرة أن شعبيته الداخلية ليست بالمستوى الذي كانت عليه قبل سنوات، وأن الخطاب السياسي المنتظم الذي يدلي به السيد حسن نصر الله ليس بالعمق الذي كان عليه قبل سنوات، وأن انفلات الأمور ممكنة لو لم يتم الانحياز نحو التغيير الحقيقي، والذي بموجبه يمكن تحقيق السيادة اللبنانية باللبنانيين أنفسهم، وبخطاب لبناني يدافع عن مكاسبه وعن مصالحه الوطنية، بعيدا عن الطوائف والمليشيات التي تشبه ـ في الحالة اللبنانية ـ كرة ثلجية متدحرجة من أعلى الجبل!
الانتخابات الإيرانية وتشكّل الورطة!
من كان ليتصوّر أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي طالما راهنت خطابها المرجعي والرسمي على القوة الداخلية الثابتة، يمكن أن تعيش هذا الغضب العارم في الشوارع؟ صورة جديدة لم يكن يتصورها الإيرانيون الرسميون أنفسهم، بمن فيهم المرجعيات التي تعتبر نفسها القداسة المطلقة في المنطقة، والحال أن الغضب الذي انفجر في شوارع أكثر من مدينة إيرانية رفضا لخبر فوز محمود أحمدي نجاد لم يكن في اعتقادنا ممولا من الخارج، ولم يكن عبارة عن المدسوسين بقدر ما كان غضبا رافضا للركود الذي حول دولة كبيرة إلى معسكر من نوع خاص، فالذين يتكلمون عن إيران يفعلون ذلك من باب التجارب النووية، والأقمار الصناعية التي توحي أن الدولة الإيرانية عبارة عن الدولة التي لا ينقصها شيء، لكن الحقيقة عكس هذه الصورة، لأن الأزمة الإيرانية الداخلية لا تختلف في شيء عن الأزمة التي يمكن أن تطيح بالنظام نفسه لأنها تنبعث من الداخل. لقد صور الإعلام الإيراني الرسمي المظاهرات التي قام بها شباب إيرانيون بأنها عبارة عن أياد مدسوسة وتشخيص لوجود أعداء في الداخل، وهو الخطاب الشمولي الذي يرفض الاعتراف بالأخطاء الكبيرة التي ارتكبها النظام وكرستها الممارسات الأخيرة التي ترى في التدخل في شؤون الآخرين جزء من القوة الافتراضية التي تريد إيران الدخول عبرها إلى المنطقة، وهو الذي لم تفعله تركيا مثلا على الرغم من أنها قادرة على التدخل بموجب قوتها العسكرية وبموجب موقعها الاستراتيجي على حد سواء. إيران اليوم تبدو غير تلك التي كانت عليه ضمن الصورة الرسمية الجاهزة قبيل الانتخابات الرئاسية، والرفض الشعبي مهما كان الأشخاص الذين ساروا خلفه، يعكس الوضع الداخلي لدولة تنخرها البطالة، والمخدرات، والأزمات الاقتصادية التي حسب صحف إيرانية معارضة تسببت في إضعاف البنية التحتية للمجتمع نفسه، زد إليه استفحال ظواهر كثيرة منها الزنا التي حسب قناة ARTE الألمانية الفرانكفونية تسببت في مشاكل أخرى مرتبطة اجتماعيا بما يسمى بالأمهات العازبات، أو الأبناء غير الشرعيين، وإن كان الأمر ربما يدخل إيرانيا في ما يصطلح على تسميته بزواج المتعة إلا أنه تسبب في انهيار رهيب للقيم، ناهيك عن التهميش الذي يعاني منه الشباب الإيراني الذي لا يبدو متحمسا للخطاب الثوري الرسمي، ولا للخطاب المذهبي في ظل المتغيرات التي يعيشها العالم. كل هذا الانقلاب يطلق عليه الإعلام الرسمي الإيراني منذ أمس مصطلح " المدسوسين" وكأن على الفقراء أن ينتظروا اليد الخفية لينتفضوا، وكأن على المظلومين أن ينتظروا الأعداء لاستعادة كرامتهم الأبسط. إيران الثورة الإسلامية تجاوزتها الأزمنة جمعاء، وخطابها السياسي المرتبط دينيا بالمرجعيات أيضا يبدو أنه لم يعد فاعلا، بدليل أنه ينهار اليوم بهذا الشكل السهل، ومن الداخل أيضا، حيث أن مشاهد العنف تجاوزت كونها حالة غضب من النتائج التي أعطت الفوز للرئيس محمود أحمدي أنجاد، بل لأن التغيير لن يتم، ولأن إيران الخطاب السياسي المنغلق والفوضوي والمتشعب سوف يستمر لسنوات أخرى في ظل اللا تغيير، وفي ظل عجز الشعب عن التغيير ديمقراطيا، فقد كان النظام الإيراني يدعو إلى الثورات الداخلية لشعوب الدول المجاورة، فهل يمكن القول أن الثورة بدأت من إيران نفسها؟ حتى لو أن الشغب الذي وقع سوف يتم القضاء عليه، وسيتم تحييد الغاضبين، إلا أن الوضع اليوم في إطاره الراهن لا يبدو مفبركا، ولا مشدودا بالريموت كنترول خارجية، بل يبدو نابعا من الضغط الذي يشعر به الإيرانيون في الداخل بأن بهرجة الخطاب الثوري لم تعد تطعم الناس ولا تغنيهم من جوع والصورة أصدق من التعبير! لقد خسرت إيران الحديثة خطابها السياسي الداخلي أيضا، بعد أن خسرت خطابها الخارجي الذي يبدو أكبر من إمكانياتها الحقيقية، والمواطن البسيط لم يعد قادرا على تصديق الوعود الرنانة في ظل الفقر والعجز والانسداد، ولهذا نعتقد أن حزب الله الخاسر في لبنان، والخطاب العقائدي الثوري الخاسر في إيران سوف يجعل كل من حزب الله وإيران يبحثان عن مخارج أخرى في دول أخرى، ولعل فلسطين (غزة) هي الأقرب الذي يبدو في متناول اليد، عبر سورية وما نرجوه ألا يكون ذلك على حساب القضية نفسها، لأن التجارب الكثيرة علمتنا أن تصفية القضايا العادلة غالبا ما يبدأ من داخلها أي من إفراغها من مضمونها وجعلها مجرد قضية أشخاص وبدل أن تكون قضية أجيال وبقاء وتراب..!