لبنان يوقِف زحفَ (إمبراطورية خامنئي)
19 جمادى الثانية 1430
د. محمد بسام يوسف







قبل أيامٍ قليلةٍ سبقت يوم السابع من يونيو (حزيران) 2009م، يوم الملحمة الحضارية "الكبرى" في لبنان، كان التعليق السياسيّ، المنقول عن وكالة الأنباء الإيرانية (إيرنا).. قد استوى عند أصحابه الماءُ والحجر، فالمخطَّط الشيعيّ الفارسيّ لتصدير ثورة الخميني، قد وصل في لبنان إلى مرحلة قطف الثمار وحصد النتائج، وذلك بعد عشرات السنين من الجهود الحثيثة واللعب على الحبال والمتاجرة الرخيصة بورقة المقاومة، وبعد بناء دويلة (ولاية الفقيه) داخل الدولة اللبنانية، فها هي ذي طلائع إمبراطورية الوليّ الفقيه الفارسيّ قد وصلت إلى سواحل البحر الأبيض المتوسّط، ولم يبقَ، لتحويل لبنان إلى قاعدةٍ متقدِّمةٍ للمشروع الصفويّ الفارسيّ.. إلا بضعة أيام!..

[انتصار مشروع إيران في لبنان، سيكون نقطة الارتكاز لانتصاره في كل مكان]!.. هذا ما ورد عن وكالة (إيرنا) الإيرانية بكل ثقةٍ واطمئنان، بأنّ لبنان أصبح إحدى مقاطعات الإمبراطورية الفارسية، وما على الشعب (المختار) للوليّ الفقيه، إلا الانتظار أياماً قليلة، تُضاف إليها الساعات التي ستستغرقها عملية إحصاء أصوات الناخبين، ليصبحَ لبنان بين إصبعي الوكيل الفارسيّ للإمام المنتَظَر. فليبلّط العرب والمسلمون كلَ بحار الأرض!..

لقد كان تعليق وكالة (إيرنا)، منسجماً مع ما ردّده (علي خامنئي) مراراً: [سنهزم أميركة في لبنان]!.. فلبنان بالنسبة للوليّ الفقيه، ليس سوى ساحةٍ لتصدير حروب المنافسة على النفوذ مع أميركة، بعيداً عن إيران!.. كما كان ذلك التعليق السياسيّ، إسقاطاً رسمياً لما صرّح به رئيس إيران (أحمدي نجاد): [إنّ فوز حزب الله وحلفائه في الانتخابات اللبنانية، سيغيّر وجه المنطقة]!.. وهي تصريحات نقدّمها هديةً متواضعةً لكل المتفلسفين العرب والمسلمين، الذين ما يزالون يعملون –بعلمٍ أو بجهل- في ورشات الطابور الخامس الإيرانية، ويتقاضون أجورهم بالتومان الإيرانيّ، من أولئك الذين عطّلوا -عن عمدٍ- كلَّ منافذ التفكّر والتفكير والبصيرة والنباهة والعقل السليم، التي أنعم الله عزّ وجلّ بها على الإنسان الذي خلقه في أحسن تقويم!..

*     *     *

كان زعيم حزب الوليّ الفقيه اللبنانيّ، منتشياً بحسابات سادته الفُرس (التي لا تُخطئ)، مطمئناً لنتائج الانتخابات، لذلك لم يجد أي حرجٍ أو غضاضة، في تسمية يوم العار والشنار، يوم اجتياحه بيروت بسلاح (المقاومة)، أي يوم السابع من مايو (أيار) 2008م.. في تسميته باليوم المجيد!.. فقتلاه المعتدون في الجنة، وقتلى بيروت المعتدى عليهم في النار!.. وجامع عثمان بن عفّان (رضوان الله عليه)، الذي تساقطت عليه قذائف جنود الوليّ الفقيه، ليس سوى أحد المساجد التي أفتى مَرجعهم (مجتبى مهدي الشيرازي) من (قُمّ).. بإحراقها وتدميرها، لأنها مساجد الضرار بالنسبة للصفويين الفُرس، يسري عليه ما يسري على مئات المساجد في العراق المحتلّ، التي دُمِّرَت على أيدي (جيش القدس!) الفارسيّ، في بغداد والمدن العراقية السنيّة!.. وهكذا، فوكيل الوليّ الفقيه: حَسَن، كان مطمئناً إلى نجاعة الخطط الفارسية للتزوير الشامل المدعوم بالمال (الطاهر)، التي اتّبعتها عصابات الحكم ووكلاء الاحتلال في العراق، أثناء ما يُسمى بالانتخابات (الديمقراطية!) العراقية، لتقلب معادلات الأكثرية والأقلية، وتعكسها!.. فسارع (حَسَن) إلى التصريح أمام غوغائه: [أنتم الأكثرية، وستثبت الانتخابات القادمة ذلك]!.. ويتابع (حَسَن) خلال أعظم تجلّيات انتصاراته (الإلهية) التي لا تنتهي: [كما وعدتكم بالنصر دائماً، أعدكم بالفوز الآن]!.. لكنه -كما في كل عهدٍ ووعد- خرج (حَسَن) يجرّ أشد درجات الخيبة والهزيمة والخسران، لأنّ أهل السنّة في لبنان رفضوا منطق وكيل الوليّ الفقيه جملةً وتفصيلا، إذ رفضوا أن تُدَمَّر البلاد قرباناً لِقُمٍّ وآياتها، ورفضوا تقتيل العباد وتشريدهم في المذبح الفارسيّ، ورفضوا محاصرة بيروت ثم اجتياحها وقتل العشرات من أبنائها الأبرياء، باسم المقاومة وبسلاح تحرير مزارع شبعا، ورفضوا المشروع الصفويّ الفارسيّ الإمبراطوريّ، الذي سيحوّلهم إلى عبيدٍ عند أعتاب كِسرى الجديد، ورفضوا أن يكونَ بلدهم وكراً أو سرداباً لعصابات الوليّ الفقيه، يمتدّون منه ويتوسّعون -بأحقادهم التاريخية وعقائدهم الهدّامة- في بلاد العرب والمسلمين!..

لعلّ أرباب السياسة الإيرانية يتدبّرون في الذي جرى يوم السابع من يونيو (حزيران) 2009م، اليوم الذي أطاح بأباطرة يوم السابع من مايو (أيار) 2008م.. ولعلّهم يُعيدون حساباتهم، فيحترمون أنفسهم، ويُقلِعون عما تُمليه عليهم عقلية القرون الصفوية الظلامية أو الحقبة الكسروية الفارسية، وليعتبروا من ملامح هذا الاختبار وهذه التجربة اللبنانية، فثلث لبنان السنيّ، أطاح بمخطّطاتهم هناك خلال ساعات، دون بذل قطرة دمٍ واحدة.. فكيف بالأكثرية الساحقة في البلدان الشقيقة المجاورة، وفي بلاد العرب والمسلمين، من المستعدّين لبذل الروح والدم والمال، الذين يعيشون آمنين في بلدانهم التي يستهدفها أرباب قُمٍّ وطهران بمشروعهم المشبوه؟!.. كيف بمئات الملايين الهادرة هذه، وقد بدأت تتململ من الممارسات العدوانية للوليّ الفقيه، ومن ممارسات طابوره الخامس المزروع بين ظهرانيهم؟!.. كيف بها وقد نفد صبرها مما يقترفه شتّامو صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجرمو الفُرس، في العراق وسورية واليمن، ودول الخليج العربيّ بما فيها بلاد الحرمين الشريفين، وفي مصر ودول شماليّ إفريقية.. وفي أفغانستان وبعض الدول الإسلامية؟!..

لقد أراد الفُرس أن يكون لبنان نقطة الارتكاز لانتصار مشروعهم المشبوه وامتداده، لكنّ لبنان لقّن –في السابع من حزيران 2009م- إمبراطوريةَ (خامنئي) الدرسَ الموجِع، فكان (يوماً مجيداً) حقيقياً أثبت فيه اللبنانيون، أنّ بلدهم سيكون المنطلق لهزيمة كل المشروعات المشبوهة، وإيقاف زحفها، أولها مشروع إمبراطورية الوليّ الفقيه، فهل يستثمر العرب والمسلمون هذه الـ (لا) المتميّزة اللبنانية العريضة؟!..