أي الفريقين ؟!
17 جمادى الثانية 1430
خالد بن صالح الغيص
     قد يجلس أحدنا أمام التلفاز يقلب في القنوات الفضائية المتنوعة والمختلفة ، فتمر عليه إحدى القنوات التي تعرض فيلماً أمريكيا يظهر فيه مشهد شباب وفتيات يرقصون في نادٍ ليلي يتمايلون وتظهر عليهم لحظات المتعة والمرح ، ثم يستعيذ بالله من الشيطان ويغير القناة ويقلبها إلى قناة أخرى فإذا بها مشهد لمجموعة من المصلين يظهر عليهم أثر الخشوع والبكاء
 
     هذه لحظات قد يعيشها أي منا أثناء جلوسه أمام التلفاز ، وقد يلقي الشيطان في روع أحدنا فيقول : انظر إلى هؤلاء وما هم فيه من متعة في هذا النادي الليلي ، وانظر إلى هؤلاء وما هم فيه من شقاء وعناء ، ويتمنى لو كان من الأوليين ولا يكون من الآخرين .
 
ولكن لو تعمق أحدنا في حقيقة المشهدين هل يصل إلى نفس نتيجة الوسوسة الشيطانية أم يصل إلى نتيجة مختلفة ومغايرة لما يلقيه الشيطان : تعالوا معي لنغوص في كلا المشهدين .
     المشهد الأول : مشهد النادي الليلي ومنظر الشباب والفتيات يتمايلون ويمرحون :-
 
سل نفسك السؤال التالي : لو كنت معهم تتمايل كما يتمايلون هل بالضرورة تصل إلى درجة المرح والمتعة التي تريد ؟ طبعاً الإجابة تكون بالتردد قد تصل أو لا تصل ، لان هناك عوارض كثيرة تعترض الإنسان في هذه اللحظات وغيرها مثل : مرض طارئ ولو صداع يسير ، أو هم عابر ينسيك لذة ما أنت فيه ، وقد تنتهي الحفلة وترجع إلى مسكنك مهموماً مغموماً حائراً ماذا تفعل ؟ تنام في فراشك تقاسي ألم الوحدة أو ألم ما أصابك ، وإذا كنت ممن يؤمن بالله يأتيك هاجس تأنيب الضمير ومحاسبة النفس .
 
وبالمقابل قد تصل إلى اللذة التي تريد ولكنها لذة عابرة سرعان ما تذهب وتزول ويبقى أثرها السيئ من تعب و إجهاد للجسد بسبب السهر وتناول ما يضر ولا ينفع ، يستمر معك كذلك إذا كنت ممن يؤمن بالله هاجس تأنيب الضمير ومحاسبة النفس .
 
     أما المشهد الثاني : مشهد مجموعة من المصلين يظهر عليهم أثر الخشوع والبكاء :-
سل نفسك نفس السؤال السابق : لو كنت معهم تصلي هي بالضرورة تصل إلى ما يأملون؟ فتأتي الإجابة أنك إذا كنت معهم قلباً وقالباً وحققت شروط قبول العبادة فابشر بوعد الله الذي لا يخالف الميعاد كما قال تعالى :{مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}(الأنعام/160) ، وكما جاء بالحديث القدسي : يقول الله عز وجل من عمل حسنة فله عشر أمثالها أو أزيد ، ومن عمل سيئة فجزاؤها مثلها أو أغفر ، ومن عمل قراب الأرض خطيئة ، ثم لقيني لا يشرك بي شيئاً ، جعلت له مثلها مغفرة ، ومن أقترب إلى شبراً اقتربت إليه ذراعاً ، ومن اقترب إلي ذراعاً اقتربت إليه باعاً ، ومن أتاني يمشي أتيته هـــرولة . ( رواه مسلم ).
 
وأما إذا كانت الإجابة الأخرى : وهي انك قد سرحت في صلاتك ولم تخشع ، فأنت كذلك على خير ، فأنت على الأقل في طاعة وليس في معصية ، وأنت وان لم تستثمر وقت الصلاة 100 % فعلى الأقل استثمرته بقدر خشوعك في صلاتك وبقدر قبولها عند الله ، ولا تنسى أنهم هم القوم لا يشقى بهم جليسهم كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله ، إلا حفتهم الملائكة ، وغشيتهم الرحمة ، ونزلت عليهم السكينة ، وذكرهم الله فيمن عنده )) . ( رواه ابن حبان ، صحيح الجامع الصغير )
وقد تأتي الإجابة : إني لم استطع إكمال الصلاة معهم لاني كنت متعباً ومجهداً أو أصابني مرض وصداع ( كحال ما أصابك في المشهد الأول ) ، فعلى الأقل كنت على خير وشاركتهم أجر النية وان لم تكمل الصلاة معهم ، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : (( أن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ، و لا أنفقتم من نفقة ، و لا قطعتم وادياً ، إلا كانوا معكم فيه وهم بالمدينة ، حبسهم العذر)) .( رواه البخاري) ، فهم في المدينة ولم يشاركوا الصحابة في الغزو والجهاد ولكنهم نالوا ما نالوا لمشاركتهم لهم في النية والإخلاص . ثم أخيراً إذا عدت إلى أدراجك ومسكنك تعود وأنت مرتاح البال مطمئن النفس لأنك لم تكن في معصية ، وقد يرزقك الله المتعة مع زوجتك بأفضل مما يتمتع به الأولون بالحرام لان المتعة والقدرة الجنسية فضل من الله يؤتيه من يشاء ليست بالرقص والمجون .
وان كنت غير متزوج فعلى الأقل لا تأنيب ضمير ولا محاسبة نفس .
و أخيرا فالان أي الفريقين وأي المشهدين تريد أن تكون معهم . اترك لك الإجابة لتجيب عليها بنفسك .
       الخاتمة :- 
هذا ما من الله تعالى به علي ، فان أصبت فمن الله وحده ، وان أخطأت فمني ومن الشيطان و أستغفر الله و أتوب إليه