في احتفالية (القدس عاصمة للثقافة العربية).. واجبات المثقفين العرب والفلسطينيين
13 جمادى الثانية 1430
علا محمود سامي

يطلق العالم العربي هذه الأيام احتفالية ثقافية للاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية، وعلى عكس ما هو معهود في العواصم العربية التي تم الاحتفال بها كعواصم للثقافة العربية، على امتداد العقد الماضي، تأتي احتفالية القدس كعاصمة للثقافة العربية خلال العام الحالي، ليتم الاحتفال بها ليس في المدينة المقدسة وحدها , ولكن في جميع الدول العربية في آن واحد.

 

والواقع، فإن إقامة الاحتفالية في داخل القدس ذاتها، ما تزال تواجه العديد من التحديات وعلامات الاستفهام، نتيجة عرقلتها من جانب قوات الاحتلال، وعلى الرغم من إعلان بلدية القدس الاحتفال بها بأساليب اعتبرها مسؤولو البلدية مبتكرة ستفاجئ الاحتلال ذاته، فإن قبضة الاحتلال وهي أقوى على المستوى المادي، فإنها لن تكون على مستوى الإرادة، وفق تصريح مسؤولي البلدية.

 

ومع وجود مظاهر الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية 2009 في بعض البلاد العربية، فإنها مظاهر ما زالت دون أهمية المدينة الأسيرة العزيزة التي يتم الاحتفاء بها.
ولذلك فإن من الضروري أن تدخل الاحتفالية ضمن اهتمام الدول العربية باعتبارها قضية كبرى، وإذا كانت اللجنة الدائمة للثقافة العربية في أثناء اجتماعها الأخير بجدة، قد وضعت برنامجاً للحكومات في دعم هذه الاحتفالية بشكل موسع، يشمل احتفاء في العواصم والمدن العربية بهذه المناسبة، فإن على المثقفين والمفكرين العرب أن يتخلوا عن عادة الاتكاء على الحكومات في مناسبة كهذه، ويسهموا إسهاماً محورياً وفعالاً في هذه الاحتفالية، بما يحفظ العهد للقدس، وليتم تذكرها بما هي أهل له من حفظ وصيانة واحتضان.

 

ومن الأهمية بمكان أن يستثمر المثقفون والمسؤولون العرب الاحتفالية للتأكيد على أن القدس أصبحت تتعرض اليوم لمحاولات تهويد وصهينة، تمارسهما الدعاية الصهيونية، والتي أضحت تتخذ أصنافا عدة، أهمها تلك الدعاوى اليهودية بوجود مقابر تدعي التدليل على ما يسمونه الوجود اليهودي في القدس ضمن آثار "اسرائيل" المزعومة.

 

وفي المقابل، ورغم هذا الاحتلال وتلك المؤامرات ظلت القدس تصدر فكرا وثقافة عربية وإسلامية صرفة، ما يتطلب ضرورة أن يكون للمثقف والمفكر والمسؤول العربي في آن دور في هذه الاحتفالية، ليكونوا أكثر فاعلية.

 

وما دامت سلطات الاحتلال قد وضعت "الحواجز" لمنع المشاركة العربية والإسلامية في الاحتفالية، فإنه حري بالجميع أن يخصصوا يوما للقدس الثقافية في أوطانهم، يتم فيه استذكار إنجازات مثقفي فلسطين سواء الراحلون منهم والأحياء، وترفع فيه شعارات التمسك بالقدس عاصمة للعرب والمسلمين من المحيط إلى الخليج، وتوزع فيه منشورات تعرّف بالثقافة الفلسطينية بكل تجلياتها المكتوبة والمروية، وهذا هو أضعف الإيمان.

 

وفي سياق تعزيز دور المثقفين العرب بأداء دور رئيسي في هذه التظاهرة، فانه ينبغي لهم التحرك عبر ثلاثة اتجاهات رئيسة. أولاً: تمييز إنتاجهم الفكري والثقافي والأدبي بهذه المناسبة. وثانياً: التبرع مادياً بأقصى ما يمكن لصالح الاحتفالية وتنويعها وإشاعة تظاهراتها عبر وسائل الإعلام العربية والدولية.

 

أما الاتجاه الثالث: فيتعلق ببذل المزيد من الجهد في سبيل نشر الثقافة الفلسطينية ذاتها باعتبارها لب ثقافة المقاومة المضادة للمشروع الاحتلالي الغاصب من جهة والمشروع الثقافي الحضاري المزعوم القائم على الإقصاء والتذويب من جهة ثانية.

 

وفي الوقت نفسه، فإنه من المهم كذلك تكثيف حضور المثقف الفلسطيني بين الجماهير في البلدان العربية الأخرى، نظراً لما للحضور الشخصي من أبعاد دلالية وتأثيرات نفسية كبيرة على الجمهور العربي.

 

كما أن المثقف الفلسطيني ذاته في هذه الاحتفالية مُطَالَبٌ بتقديم المشروع المقاوم بأبعاد وتأثيرات متنوعة تضاف إلى ما قدمه هذا المثقف في الماضي والحاضر من إبداع. ليس لأن الاحتفالية بالقدس عاصمة للثقافة العربية فحسب، وإنما لأن تطوير السلاح الثقافي وتنميته هو ركيزة الفعل السياسي، والفعل المقاوم في كل تحد مشابه لهذا المطروح على الساحة الراهنة.

 

وفي هذا الاطار فإن المشروع العربي المقاوم يعد مشروعاً قوياً وناضجاً، لكون الثلاثمئة مليون عربي وأكثر من مليار مسلم في العالم لا يسلّمون بالهزيمة ولا يقبلون بالتنازل عن شبر واحد من فلسطين. لماذا..؟ لأن العامل الثقافي العربي لم يقبل الاختراق ولا المهادنة، وبقيت القدس عاصمة روحية للثقافة في كل قلب ينبض بالعروبة والإسلام.

 

ومن المهم أيضا أن تتضمن الاحتفالية إبراز الخرائط التي تؤكد موقع القدس الجغرافي، وخاصة الخرائط القديمة التي تثبت بالدليل الملموس أن القدس واقعة في داخل العمق الفلسطيني، بالإضافة إلى تنظيم أسابيع للقدس في العواصم العربية، دون الاكتفاء بأسبوع واحد، بما يمكن أن يساهم في إثارة القضية على المستوى العالمي، وأنها واقعة تحت براثن الاحتلال، وأن اليهود ليست لهم آثار بها.

 

كما أن من الضروري إصدار الكتب بلغات أجنبية عن المدينة المقدسة، وتنفيذها على أرض الواقع، وأن يعمل الإعلام العربي على جعل القضية متوهجة في مختلف برامجه وأعماله، وهو ما يمكن أن يكون مؤثراً وذا صدى كبير في العالم كله، نظراً لأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه الإعلام في هذا السياق، دون أن يكون دوره آنياً أو مرحلياً أو احتفالياً.