انتخابات فبراير في السودان والشبح الكيني
7 جمادى الثانية 1430
وليد الطيب

في فبراير 2010م الذي لاتفصلنا عنه إلا بضعة شهور، سيدخل السودان مرحلة جديدة بلاشك، تختلف كليا عن كل تاريخ السودان السياسي الممتد في التاريخ، بنهاية فبراير ستنفتح الأبواب على كل الاحتمال، فمن الممكن جدا  خسارة حزب المؤتمر الوطني الذي يقوده الرئيس البشير للأغلبية البرلمانية ولرئاسة الجمهورية نفسها، وتتقدم قوى سياسية أخرى معادية لتوجه الإسلامي في البلاد وموالية للغرب كالحركة الشعبية لتحرير السودان التي كانت تتمرد في جنوب السودان بالاضافة للقوى العلمانية الأخرى، وهو ما لايمكن أن يسلم به المؤتمر الوطني، الذي سعى لإعادة تشكيل الدولة بل والاستيلاء على السلطة في يونيو 1989م والسبب في الانقلاب كان هو ضعف الحكومة الحزبية في التصدي لتمرد الحركة الشعبية ولا يعقل أن يسلمه السلطة اليوم على طبق من ذهب بعد أن استخرج النفط وحققت البلاد واحد من أفضل معدلات النمو لعدد من السنين، وهو الحزب الذي يتبع له كبار قادة الجيش والأمن والمخابرات ورجالات الاقتصاد، أي ستنفتح كل الخيارات أمام الإسلاميين لتعامل مع الواقع الجديد..

في المقابل ، لن تتعامل الحركة التي ألفت التمرد على الدولة المركزية في السودان مع نتيجة الانتخابات إن لم تكن في صالحها، وهي الحركة التي رفضت نتيجة التعداد  السكاني التي أعلنت في مايو الماضي حينما أظهرت أن عدد الجنوبيين في العاصمة الخرطوم- وهي الثقل السكاني في السودان- أقل مما توقعت.

والحركة الشعبية هل مؤسسة عسكرية ضخمة في مبدئها، وما تزال، ومن باب خلفي بعيد عن عين الخرطوم، بدأت حكومة الجنوب "الحركة الشعبية لتحرير السودان" في توظيف أكثر من 60% من عائدات البترول (600 مليون دولار تقريباً) في إعادة تأهيل جيشها ، بتزويده بكل المعدات الحربية التي كانت تنقصها من قبل لحسم معركتها الشاملة لتحرير السودان القديم من حكم الجلابة –ذوي الأصل العربية والإسلامية - وإحلال السودان الجديد محله، وتتويج هذه المسيرة النضالية الطويلة بتنصيب حاكم غير عربي وغير مسلم كما ظلنا يبشر العربي الشمالي المسلم ومستشار رئيس الحركة الشعبية د. منصور خالد ، وهي الأجندة الحربية للحركة الشعبية كما السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة وهي أجندة لا تتحقق إلا بعمل عسكري، كما ظل د. جون قرنق يحدث جنوده بأنها الخطوة الحاسمة عقب تحويل الجيش الشعبي لجيش تقليدي ذو قدرات استثنائية تجعله قادرا على تحطيم جيش السودان الرجعي.

وقبل عام ، كشفت كينيا أنها أوقفت شحنات أسلحة في ميناء مامبسا وهي أسلحة ثقيلة ومتطورة : 50 دبابة ، كدفعة أولى لصفقات سلاح عقدتها الحركة الشعبية مع دول شرقية وغربية تشمل راجمات وطائرات ومدفعيات، والحركة الشعبية ماضية في عزمها العسكري، فقد نقلت صحف الخرطوم أن الحركة اتفقت شركة دينيل الجنوب أفريقية لتدريب 180 طيار و 120 مهندس طيران، ليكون نواة لقوات الجنوب الجوية ، ولشركة دينيل قدرات عسكرية عالية في مجالات متعددة وقد طورت مؤخرا صواريخ مضادة للمدرعات كما لها علاقات واسعة مع المؤسسات الأمريكية والبريطانية كوكالة ناسا وبريتش إيرسبيس.

هو أمر يدعو للقلق إذا نظرنا إلى احتمال خسارة الحركة الشعبية للانتخابات القادمة في ظل الحشد الكثيف للبارود ولن تكون الحرب بين الشمال والجنوب حرباً –هذه المرة - قليلة الخسائر لأي من الطرفين.

الشبح الكيني

كانت كينيا بحيرة ديمقراطية في محيط هادر من الدكتاتوريات، كما يقول الغربيون، إلا أنها لم تلبث أن انفجرت بالعنف عندما تحركات القبائل سياسيا، و القبيلة فاعلة بنشاط في جنوب السودان وفي الشمال على حد سواء، فالجنوب ما تزال القبيلة هي الوعاء السياسي والمؤسسة العسكرية كما يبدو ذلك من شكل التكتلات السياسية داخل الحركة الشعبية الوعاء السياسي الأبرز الآن في الجنوب؛ حيث تصطرع القوى القبلية داخل أبنية الحركة الشعبية كالصراع بين أبناء القبيلة الواحدة مثل صراع أبناء قبيلة الشلك، بين الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم و وزير الخارجية السابقرالدكتور. لام أكول والصراع بين دينكا بحر الغزال، ودينكا بور ، وينتسب  رئيس حكومة الجنوب سلفاكير لدينكا بحر الغزال وينتسب زعيم الحركة الشعبية السابق جون قرنق موالاييه في الغالب إلى دينكا بور، وهناك صراع دموي بين الدينكا وقبيلة المورلي، و وهناك صراع تاريخي بين الاستوائيين والدينكا.

أما الشمال فالوضع ليس بأحسن حالاً من الجنوب ، فدارفور قد تمزقت وستصبح البطاقة التصويت هناك هي القنبلة الموقوتة التي قد تنفجر عند إعلان أول نتيجة وخاصة في المناطق التي تشهد اختلاطا قبلياً وخاصة المدن الكبرى كنيالا والفاشر والجنينة وبقدر ما الخرطوم وكذلك جنوب كردفان والمناطق المتاخمة لدارفور منها، ومثلهما النيل الأزرق حيث ما يزال النفوس هناك بقايا صراع بين أهل المنطقة الأصليين كما يسمون أنفسهم الوافدون كقبائل الفلاتة وغيرهم وهو ما تسبب في تمرد ومالك عقار أول الأمر وانضمامه للحركة الشعبية، وهو ما تجسَّد أخيرا بنقل عقار لعاصمة الولاية إلى الكرمك والمطالبة بكونفدرالية كحل لمشكل السودان وطبعاً النيل الأزرق من باب أولى، وكذلك الخلاف القبلي في شرق السودان بين القوميات الثلاث الكبرى المكونة للإقليم : الهدندوة والبني عامر، وأهل الشمال الذين استوطنوا الشرق منذ مئات السنين ، وقد أدى ظهور تكوينات سياسية قبيلة لاستقطاب حاد للمواطنين على أساس الأصول العرقية (مؤتمر البجا ..الأسود الحرة..وما شاكلها)

وإذا أخذنا في الاعتبار تدفق السلاح لكل الأطراف والقوى القبلية/السياسية وخصوصا الحركة الشعبية، التي تزود الآن بسلاح قادر على منازلة الدولة، فإن الانتخابات القادمة ستصبح برميل البارود الذي يتدحرج نحونا بقوة ونركد نحن نحوه بإصرار، بسبب إصرار القوى السياسية على ضرورة قيام انتخابات تحت رقابة دولية، وكأن نزاهة الانتخابات عصمة من ردات الفعل العنيفة.

وكان المخرج الأوفق تأجل الانتخابات لما بعد تقرير المصير في 2011م، وتقاسم السلطة عبر تسوية سياسية/انتخابية، إذ لا مصلحة من تعريض البلاد ذات البنيان الهش لهزة قوية لا تصمد لها الحالة الوطنية، فإذا انفصل الجنوب يصبح التوافق بين أهل الشمال سهلاً وميسوراً، وإن بقي في إطار الوطن الواحد، فيمكن عندئذ تصحيح أخطاء اتفاقية السلام عبر تأسيس علاقة متوازنة بينه والشمال، تعالج بها أوضاع دارفور وشرق السودان وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان ، وتنظم بها مشاركتهم في الحكومة الاتحادية.