البطاقات الأمريكية و"الإسرائيلية" في صندوق الانتخابات اللبنانية
4 جمادى الثانية 1430
أمير سعيد

يمكننا أن نتفهم كثيراً توقيت الإعلان الإيراني عن نجاح تجربة صاروخ "سجيل ـ2" الإيراني مع اقتراب موعد الانتخابات اللبنانية التي يخوضها أحد أكبر حلفاء طهران في العالم العربي، كحزب واعد يكاد يقترب من تحقيق انتصار سياسي هو الأول داخلياً منذ رحيل القوات السورية النظامية من لبنان وفقاً لتفاهم دولي قبل خمسين شهراً، إذ أن ذلك يتسق مع المظلة التي يوفرها نظام الإمامة في إيران لـ"حزب الله" كأحد الخاضعين دينياً له في العالم العربي.

 

ونستطيع أيضاً تفهم إجراء هذا الاختبار في هذا التوقيت بالذات وليس أثناء العدوان على غزة، الذي نأت فيه طهران عن خوض هذه المعركة بشكل مباشر أو غير مباشر؛ حيث إن إطلاق صاروخ بهذا المدى في ذلك التوقيت سيشعر "إسرائيل" أن ثمة تهديداً حقيقياً لها، ربما طهران لم تكن ترغب في الإيحاء به، مفضلة تأجيل ذلك إلى بضعة شهور للإفادة بالتوقيت السياسي له، بما يخدم استراتيجيتها، وهذا ما لا يعيبها على كل حال كدولة تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة التي قد تتقاطع أو تتعاكس مع الاستراتيجيات الأخرى للقوى الإسلامية والوطنية والعربية في المنطقة.

 

بيد أن ما يتعذر تفسيره في ضوء مصالح الولايات المتحدة و"إسرائيل" في حدهما المعلن ـ لا الذي قد لا ندركه لأول برهة ـ أن تأتي التحركات الأمريكية و"الإسرائيلية" في هذا الوقت لتصب الزيت على نار الاتهامات التي تشنها قوى 8 مارس على "أصدقاء الولايات المتحدة الأمريكية في لبنان"، لاسيما بعد وقوع حدثين لافتين مؤخراً، يتعلق أحدهما بموضوع "شبكات التجسس الإسرائيلية" في لبنان، والتي أميط اللثام عنها فيما كانت الحملات الانتخابية في لبنان على أشدها لتدين فريق 14 مارس لاعتبار الحديث قد جرى عن تورط بعض منتسبيه في القضية (ولا نكتم شعورنا بالمناسبة بالسرور التام والكامل بأي كشف حقيقي عن شبكة تجسس "إسرائيلية" في أي بلد عربي يتورط بعض الخونة فيه في أعمال كهذه). والثاني يخص تبرئة 4 من الموالين لفريق 8 مارس ـ قبل فترة وجيزة من الانتخابات أيضاً ـ في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، وهي مسألة تعني المحكمة الدولية على كل حال، ولا معلومات تتوافر عن توقيتها أيضاًَ. 

ومهما يكن من شيء؛ فإن كل ما يبدو داخلياً أو ما يقترب من الداخل قليلاً، يمكن تفسيره إما على نحو متعمد يصب في اتجاه هذا الفريق أو ذاك، أو أنه يأتي من قبيل "الصدف" أو القدر الذي لا دخل لنا به، وفي الحالين، الأمر منطقي وطبيعي.

 

لكن الذي يتأرجح الآن بين المعقول واللامعقول، والواقعي والسريالي، هو ما يتبدى من مواقف أمريكية و"إسرائيلية"، رسمية، وإعلامية، لا تجد ناتجاً لها إلا صب الماء في جدول "حزب الله" اللبناني، سواء اتهمناهما بالغباء الزائد أو الذكاء الزائد، سيان!!

إذ ما الذي تعنيه زيارة نائب الرئيس الأميركي جوزيفبايدنإلى بيروت الجمعة في حدث فريد لم يتكرر منذ ثلاثين عاماً تقريباً، وربطه بين المساعدات الأمريكية للبنان وسياسة الحكومة اللبنانية القادمة، بما يعني إسقاطاً شعبياً لشعبية "حلفاء الولايات المتحدة في لبنان" بدلاً من دعمهم، وهو ما نجح "حزب الله" على الفور في التقاطه بشكل فوري ليقول في بيان له "يثير الاهتمام الأمريكي العالي بلبنان ريبة قوية حول الأسباب الحقيقية الكامنة وراءه خاصة وانه بات يشكل تدخلا صريحا وتفصيليا بالشأن اللبناني"، ويجير النائب في "حزب الله" حسن فضل الله هذه الزيارة في سياق "الإشراف على الحملة الانتخابية" لقوى 14 مارس (الاكثرية الحالية)، مهيباً بـ"جميع اللبنانيين على اختلاف توجهاتهم السياسية التصدي لمثل هذا التدخل، لأنه يشكل انتهاكا فاضحا للسيادة اللبنانية"؟ (مع أن بايدن التقى بالأساس الرئيس اللبناني القريب من الحزب).

 

وتأكيد بايدن على دعم بلاده للمحكمة الدولية بشأن اغتيال الحريري؟ والذي يجعلنا بدورنا نسأل "أعداء أمريكا"/"حزب الله"، عن هذه المحكمة التي تدعمها أمريكا كيف أفرجت عن حلفائكم قبل فترة وجيزة من الانتخابات، وما إذا كانت عادلة فيتوجب تأييدها أم ظالمة فيلزم إدانتها والتشكيك في أحكامها كلها!!

الشيء ذاته يثير حيرتنا حول زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قبل شهر، وتحديداً بعد قليل من الكشف عن خلية "حزب الله" في مصر، عندها قالت كلينتون إن بلادها "تدعم أصوات الاعتدال التي تعمل باتجاه هذه الأهداف"، وأيضاً كان صوت "حزب الله" حاضراً بقوة على لسان وزير العمل اللبناني محمد فنيش (حزب الله) حينها إذ أكد "أن تحذير وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاريكلينتون من فوز حزب الله في الانتخابات النيابية يعد خير دليل على أن مساعداتإداراتها لا تقدم للبنان إنما لفريق لبناني ضد آخر".

 

قبل أسبوع، قال رئيس الوزراء "الإسرائيلي" إن "الخطر الذي تمثله طموحات إيران النووية يمثل ظاهرة جديدة تتيح فرصة التعاون غير المسبوق بين إسرائيل والأنظمة العربية"، على الرغم من أن مصادر مصرية أكدت في أعقاب زيارة نتنياهو لمصر أنه " فيما يتعلق بالملف الإيراني ومحاولة إسرائيل تشكيل حلف يضم مصر والأردن، فقد رفض الرئيس مبارك هذا الطرح رفضا تماما وحتى قبل اجتماعه مع نتنياهو"، وبالطبع؛ فإن الإعلام العبري عاود الحديث الآن عن مناورات في جبل طارق، والذي تحدثت عنه صحيفة اكسبرس الفرنسية (2 مايو الحالي)، واشترت "إسرائيل" ـ بحسب تايمز البريطانية ـ 3 طائرات إيواكس ضمن التحضيرات لضرب إيران (تستعد تل أبيب منذ ثلاثين عاماً لضرب إيران، وتستعد طهران أيضاً لضرب "إسرائيل" وستستمر الاستعدادات على قدم وساق لعقود قادمة بإذن الله!!).

 

قبل يومين اثنين فقط، أجرى مركز الدراسات الإيرانية في جامعة "تل أبيب" استطلاعاً للرأي كشف عن أن ثلث "الإسرائيليين" ربما سيدرسون مغادرة "إسرائيل" إذا ما نجحت إيران في تصنيع سلاح نووي، وهو بالطبع أمر متفهم في ضوء "الحروب المتعاقبة" التي قادتها إيران ضد "إسرائيل" والتي تجعل من الرأي العام "الإسرائيلي" يفهم تلقائياً أن السلاح النووي (الذي ربما كان موجوداً بالفعل لدى إيران الآن) سيستخدم ضدها برغم وجود أكثر من 300 رأس نووي لديها..

 

إن الصاروخ "سجيل ـ2" لم يزعج الرأي العام في "إسرائيل" فحسب، بل أزعج الخبراء هناك أيضاً؛ فهذا الون بن دافيد المحلل العسكري في تلفزيون "إسرائيل" يقول: "ما يقلق إسرائيل هو الترسانة الصاروخية التي تتراكم لدى إيران. وما يولد الخشية لدينا أنهم يستعدون لحرب صواريخ يكون لديهم فيها القدرة لإدارة معركة طويلة ضدنا. ومن لديه هذا العدد من الصواريخ يستطيع إشغال إسرائيل لفترة طويلة وهذا مزعج جداً وخصوصاً أنها ستزود مع مرور الوقت برؤوس نووية".. وبالطبع فهذه الرؤوس ستباغت "إسرائيل" فجأة على حين غفلة تجعلها تعض أصابع الندم أنها لم تتحرك لمنع إيران من "تهديدها" بعد دخولها النادي النووي الدولي!!

 

وذاك رئيس مشروع التوازن العسكري في معهد الأبحاث القومي "الإسرائيلي" يفتاح شابير يعتبر أن التكنولوجيا التي كشفت عنها إيران في صاروخ سجيل هي تكنولوجيا جديدة ومتطورة جداً وتُظهر الانجازات التي حققها الإيرانيون ويستحقون أن ترفع لهم التحية.

 

وبالفعل هي تستحق أن ترفع لها التحية من جانب "إسرائيل"، وتستأهل التهنئة من الجميع على نجاحها بعد أيام قليلة في ضم الورقة السياسية إلى العسكرية في حقيبة "حزب الله" عندما يضع كل هذه البطاقات في صندوقه الانتخابي.. أما الولايات المتحدة فيحتاج "حلفاؤها" إلى إعادة النظر في علاقتهم معها، بعد أن أبانت عن غباء حقيقي أو متعمد، لا يحصد منه الحلفاء إلا القتاد، مثلما حصدوه عندما قامت المدمرة الأمريكية كول بـ"جولة سياحية" قبالة السواحل اللبنانية قبل قليل من أيام اجتياح بيروت.