الشيخ منصور مالكيتش لموقع " للمسلم " : رسالتنا واحدة وهي الاجتماع على القرآن والدعوة لمبادئه

حباه الله صوتا نديا ، وخلقا حسنا ، متواضع كأهل القرآن ، يخفض الجناح للناس ، ويطلب الصفح كلما ظن أنه تأخر في تلبية طلب ، أو قصر في حق أحد المسلمين . يحبه كل من عرفه عن قرب ، ويحظى باحترام الجميع . إنه الشيخ الحافظ المحفظ وأستاذ القراءات في البوسنة ،منصور مالكيتش ،  التقاه " المسلم " في سراييفو ، على إثر سماع نبأ عزمه فتح مدرسة خاصة بتحفيظ كتاب الله ، لكن الظروف المادية لا تزال تحول دون ذلك ، بيد أن الحوار ظل يدندن حول القضية .
 
المسلم : ما الجديد الذي طرأ على مسيرة حفظ القرآن وتجويده في البوسنة ، وهل يمكن أن تعقدوا مقارنة بين الوضع الحالي وما كان عليه قبل بضعة عقود خلت ؟
الحافظ منصور : قبل 30 سنة ، كان عديد الحفاط الإجمالي 10 حفاظ فقط ، أما اليوم فيوجد أكثر من 200 حافظ .
 في هذا الوقت كان مدرسو مدرسة الغازي خسرف بك ، يعتقدون بأن الحفاظ سينقرضون من البوسنة .وعملوا على أن لا يأتي ذلك اليوم الذي لا يكون فيه حفاظ لكتاب الله تعالى .
 
وكونوا لجنة لتنشيط حفظ القرآن الكريم في هذه المنطقة . وبحمد الله ارتفع تبعا لذلك عديد حفاظ كتاب الله جل شأنه في بلادنا، ويعود الفضل لله سبحانه وتعالى ، ثم للجهود التي بذلها أساتذة المدرسة الاسلامية الثانوية الغازي خسرف بك ، الذين بذلوا قصارى جهدهم في تشجيع الطلبة على أحد أفضل العبادات ، وهي حفظ كتاب الله تعالى .
 
وكما تعلمون فإن الحفظ يتم باللغة العربية ، وهذا صعب جدا سوى على من يسر الله له ذلك . ويحتاج المقبل على حفظ القرآن لتعلم الحروف العربية ، ولوجود محفظ يتابعه ويصحح له نطق الكلمات ، ويراجع معه ما تم من حفظ ، حتى يجيد حفظ القرآن وتلاوته وفق القواعد المتعارف عليها . وهي مهمة صعبة ومسؤولية عظيمة على الحافظ والمحفظ . ونحن لا نكتفي بتعليم الطالب مخارج الحروف عند حفظ القرآن وآداب التلاوة وأحكام التجويد ، ولكن رسالة القرآن بالدرجة الأولى ، فالمسيرة طويلة ، والعقبات كأداء ، والله المستعان .
 
المسلم : لقد غيرت المناهج قبل فترة ، نحو الأفضل بما يعزز هوية المسلمين ، ويقربهم أكثر من منابعهم الثقافية والحضارية لو تحدثونا عن ذلك .
الحافظ منصور : قبل 5 سنوات تم إحداث تغييرات جوهرية على مناهج المدارس الاسلامية في البوسنة ، ومن بينها التركيز على قراءة القرآن الكريم ، في المدارس البوسنية ، ووضع القرآن الكريم في المكانة اللائقة به ، لتشجيع الطلبة على الاهتمام أكثر بكتاب الله تعالى حفظا وتجويدا . وكان من ذلك زيادة الإقبال على المدارس والمعاهد الإسلامية وكذلك على كلية الدراسات الإسلامية في سراييفو . ومن التغييرات نجد أن عملية تعلم الحروف العربية وحفظ القرآن والتدرج في معرفة أحكام التجويد ، تبدأ من الخلاوي القرآنية ، وقبل دخول الطالب للمدرسة الثانوية الإسلامية . وحسب اعتقادي فإن المدرستين الإسلاميتين الثانويتين في نوفي بازار ( السنجق ) وموستار ( 120 كيلو متر شرق سراييفو ) أحرزتا تقدما كبيرا في مجال تحفيظ القرآن والعناية به ، أكثر من غيرهما من المدارس ، وذلك أنهما تخصصتا في هذا العلم الرفيع من علوم الدين ، فالحفظ يتم بواسطة لجنة تكونت لهذا الغرض . ونحن نسعى لاقامة مدرسة متخصصة في علوم القرآن ، لا تهتم سوى بهذا العلم ، والذي يعد أساس العلوم الشرعية كلها .
 
المسلم: كيف تنظرون لعملية الإقبال ( الرغبة وحب تعلم الإسلام ) على تعلم الإسلام وحفظ القرآن الكريم ؟
الحافظ منصور : حاليا هناك اهتمام كبير بحفظ القرآن الكريم ، والحمد لله ، عديد الحفاظ يزداد بشكل يبعث على الارتياح والأمل في المزيد من الارتقاء الروحي . فالاسلام عريق في هذه الديار ، وهو يتجاوز القرن السادس ، وبالتالي فإن القرآن الكريم قد توطن في هذه الأرض وله فيها جذور عميقة جدا . والبوشناق يقيمون أنفسهم بقدر قربهم من القرآن الكريم منذ أعلنوا كلمة التوحيد ، وجددوا إيمانهم الفطري بقول ، لا إله إلا الله ، محمد رسول الله . وهنا حافظنا على بقائنا وعلى حماية ديننا في قلوبننا في أصعب الفترات وأشد المحن التي تعرضنا لها بعد انحسار ظل الخلافة ، وتعرضنا للاحتلال والهيمنة من قبل الآخرين .
 
ونعتقد بأن المستقبل سيكون أفضل لنا كمسلمين ثم كبوشناق ، من الماضي الدامي الذي صبغ علاقة الأطراف الأخرى بنا . ونأمل أن يتقبلنا الله في رحمته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم . وبقطع النظر عما يضمره الآخرون نحونا ، أو يقيموننا على أساسه . فالقرآن يعلمنا أن نعمل " يا أيها الذين آمنوا لما تقولون لما تفعلون ، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " و" قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ، ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعلمون .
 
المسلم : ما مدى استيعاب الطلبة للعلوم الإسلامية ، حفظ القرآن تحديدا .. وهل عملية الحفظ تعقب تعليم الحروف العربية ، أم ليست هناك حاجة لذلك ؟
الحافظ منصور : ربما ليس من الضروري في البلاد العربية ، تعلم قراءة القرآن ، عند بداية الحفظ ، ولكن عندنا كما هو لدى المسلمين غير العرب ، فأنتم تعلمون بالسليقة الحروف العربية ، ولا تجدون مشقة في كتابتها ، وقراءتها في السنوات المدرسية الأولى ، ولكن بالنسبة لنا العربية لغة الدين ، وتعلمها فضيلة ، وإجادتها ضرورة للتبحر في العلوم الشرعية ، والتواصل مع جذور المعرفة الإسلامية من خلال أمهات الكتب التي كتبت باللغة التي نزل بها الوحي . ولذلك يتم عندنا تعلم الحروف العربية ، وطريقة نطقها ، والربط بينها ، والتمرين على قراءتها من خلال المصحف الشريف وكتابتها ، ليعلم المتلقي كيف يقرأ ويحفظ القرآن الكريم . فالعربية لغة القرآن ، وبدون معرفة الحروف العربية ، فضلا عن إجادة اللغة ، لذلك علينا أن نتعلم أكثر مما يجب على أهل العربية تعلمه . واليوم هناك الكثير من الشباب الذين يرغبون في تعلم العربية ، من أجل إجادة قراءة القرآن ، فهم يقرأون القرآن باتقان ، ولكنهم لا يتكلمون العربية .
 
المسلم : هل تنظرون بإيجابية لأمانة القرآن الكريم في البوسنة والجهد القائم تجاه هذه الأمانة ؟
الحافظ منصور: نعم بحمد الله هناك جهد كبير يبذله الصادقون , ولدينا الآن في البوسنة 203 حافظا للقرآن , وبعون الله سيكون العدد مضاعفا ، وندعو الله أن يجعله أضعافا مضاعفة ، وإذا قام كل حافظ من الحفاظ بتحفيظ حافظ واحد فسيكون لنا بضع مئات من الحفاظ خلال سنة وآلاف خلال 10 سنوات .
 
 لدينا عدد كبير من الراغبين في أن يكونوا حفاظا لكتاب الله ، ولدينا حفاظ على درجة كبيرة من إتقان القرآن ، والأستاذية . وسيكون طلبة اليوم بعون الله حفاظ ومحفظي الغد . وكلنا مسؤولون عن ذلك ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال " بلغوا عني ولو آية "وهكذا على كل حافظ أن يبذل ما وسعه لتبليغ العلم الذي أكرمه الله به ، ويوسع دائرة حفاظ كتاب الله تعالى . ففي سورة الحجر تعهد الله بحفظ كتابه " إنا نحن أنزلنا الذكر، وإنا له لحافظون " فيا لسعادة من يستخدمهم الله في حفظ كتابه . والذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " أشراف أمتي حملة القرآن " .
 
المسلم : هل هذا الإقبال يجد نصيبا بين الفتيات ؟
الحافظ منصور : أنا مدرس بمدرسة الغازي خسرف بك ، وأقوم بإلقاء دروس على الطلبة والطالبات ، وقد تخرج على يدي حتى الآن 15 حافظا وحافظة للقرآن الكريم . منهم 8 حافظات و7 حفاظ ، وسيكون بعون الله 5 حفاظ جدد من طلبتي ليس بينهم وبين أن يصبحوا حفاظا بشكل رسمي سوى امتحانهم من قبل لجنة القرآن التابعة للمشيخة الاسلامية . وحسب تجربتي فإن الفتيات يقبلن قلباوقالبا على حفظ القرآن ويخصصن أوقاتا أكثر للحفظ وإجادة الحفظ . وقد ساعد على ذلك الجو العائلي ، لا سيما المستوى التعليمي العالي للوالدين .
 
المسلم : هل هناك أنشطة تحفيزية لحفظ القرآن ؟ وإلى أي مدى يمكن أن تساهم مسابقات القرآن في ذلك ؟
الحافظ منصور : صحيح فنحن نقيم في يومي 9 و10 مايو من كل عام مسابقات لحفظ القرآن الكريم . وهناك 5 مسابقات يتم تنظيمها بهذه المناسبة بشكل دوري ، من قبل المشيخة الاسلامية ، وبمساعدة جمعية حفظ القرآن الكريم الدولية في جدة ، والتي يرأسها الشيخ باسفر في جدة . وهي مسابقات تساهم في تشجيع الحفاظ الصغار ، وفي العناية بالقرآن الكريم حفظا وتجويدا . كما توضح مستوى الحفاظ المشاركين وما عليه حال القرآن الكريم في البوسنة ، ونحن والحمد لله راضون ونشعر بالاعتزاز للمستوى الذي وصلنا إليه . فمستوى الحفظ والقراءة والتجويد يتحسن باستمرار . ونحن نأمل أن تتزايد أعداد المسابقات وأن تكون جميعها على المستوى الدولي .
 
فاللقاء الدولي المتعلق بحفظ القرآن وتجويده له رسائل كثيرة ، من بينها جمع أهل القرآن من كل الأقطار في صعيد واحد ، لتأكيد أن الرسالة واحدة ، وهي الاجتماع على القرآن والدعوة لمبادئه .
 
المسلم : ماهي الحكمة التي استفدتموها من أساتذتكم ، ومعلميكم ، وهل لا زلتم تستفيدون منهم ؟
الحافظ منصور : الكثير من الحكم والفوائد التي استقيناها من أساتذتنا . وأكبر حكمة هي الصبر على التعلم ، وجعل الانجاز محفزا للمزيد منه ، فحفظ القرآن ليس النهاية وإنما بداية لحياة إنسان يحمل كتاب الله ، عليه السير به في الأرض وتمثل أوامره ونواهيه والدعوة إليها بين الناس . وهناك حكمتان تعلمتهما من أساتذتي الأولى ، المواقيت لا تشترى باليواقيت . أي الوقت لا يشترى بالياقوت . والعلم في الصغر كالنقش على الحجر ، والعلم في الكبر كالكتابة على الماء . وهذان المثلان مهمان للحفاظ الصغار كي يستغلوا صغرهم قبل هرمهم ، وفراغهم قبل شغلهم .