علاقة مصر بحركة حماس: حساسية العلاقة أم ضرورتها؟!
24 جمادى الأول 1430
هشام منور

"تثير مسألة العلاقة بين حركة حماس ومصر التي تحتضن العديد من جولات الحوار الفلسطينية شهية الباحثين لسبر غورها، كونها مفتاح فهم أبعاد كثيرة لما يجري خلف كواليس السياسة المصرية تجاه الفصائل الفلسطينية، ورؤية تلك الفصائل للدور المصري، ومن بين أهم الدراسات التي عرضت لتلك المسألة في الآونة الأخيرة كتاب مصر وحماس الصادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، لهذا العام، والذي نستعرض أهم محاوره فيما يلي: " [المحرر]

تتميز علاقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالنظام المصري بتعقد حساباتها واكتسابها خصوصية تبتعد بها عن مجرد علاقة تنظيم سياسي ذي جناح عسكري بنظام سياسي يحكم واحدة من أكبر دول المنطقة، ويشكل أحد أهم مراكز صنع القرار في العالم العربي.
فالجذور الإسلامية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) لم تكن السبب الوحيد لتوتير العلاقة وتأزيمها مع الحكومة المصرية، فتركيا ذات النظام العلماني "العتيد" تهيمن عليه حكومة ذات توجه إسلامي واضح القسمات في مواقفها الأخيرة إزاء العدوان على قطاع غزة، والذي أحرج الموقف الرسمي المصري وأظهر مدى عجز علاقاتها مع الكيان الصهيوني على التأثير على مجريات الأحداث في غزة في ظل الحصار الخانق الذي تعيشه. إذ إن مشكلة (حماس)، من وجهة نظر النظام المصري، تكمن في جذوره الإخوانية التي تستحكم حلقات العداء معه بوصفه أحد أبرز تيارات المعارضة في مصر.
يسلط كتاب (مصر وحماس) الصادر عن واحد من أهم مراكز الدراسات والبحوث في المنطقة (مركز الزيتونة) الضوء على علاقة حركة حماس بمصر منذ انطلاق الحوار الفلسطيني الذي عقد في القاهرة عام 2005 وحتى بداية هذا العام في ظل التوتر الذي تعرفه علاقة الطرفين إثر سيطرة حركة حماس على قطاع غزة.
يتناول الفصل الأول محددات العلاقة بين حركة حماس والنظام المصري وخلفياتها، إذ تربط مصر بفلسطين علاقة جيوسياسية من نوع خاص، تتجاوز مسألة الحدود والروابط الدينية والقومية، إلى ارتباطهما بإرث تاريخي يمتد إلى مشاركة مصر في حرب فلسطين عام 1948، ثم تحملها إدارة قطاع غزة.
كما شكلت القضية الفلسطينية رافداً شعبياً للنظام السياسي المصري، شأنه شأن العديد من الأنظمة السياسية العربية، خاصة بعد ثورة يوليو ووضعها القضية الفلسطينية على رأس القضايا العربية، ومن جهة أخرى انتشار جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين وإطلاق جناحها المقاوم (حركة حماس) مع انطلاق الانتفاضة الفلسطينية عام 1987، إذ لعب كل من العامل الجيوسياسي والدور الريادي لمصر دوراً هاماً في بناء علاقة خاصة مع التنظيمات الفلسطينية.
ويرى معدو التقرير أن علاقة مصر بحركة (حماس) أصبحت أكثر وضوحاً بعد قيام السلطة الفلسطينية، وسيطرة حماس على قطاع غزة، واستندت إلى مجموعة من العوامل تتمحور حول نظرة مصر إلى القضية الفلسطينية من خلال دورها الإقليمي والعربي. والتزام النظام المصري مسار التسوية في ظل اختلال موازين القوى لصالح "إسرائيل". وعدم ارتياح مصر للتعامل مع تنظيم ينتمي إلى الإخوان المسلمين في ضوء شعبية حركة حماس المتنامية. وإدراك النظام المصري رغبة "إسرائيل" في إلقاء تبعات إدارة قطاع غزة على كاهل مصر، وما يشكله ذلك من خطر على الدولة الفلسطينية المقبلة.
فيما تدرك حركة (حماس) أنه مهما استحكمت الخلافات مع النظام المصري، فإن مصر بإمكاناتها البشرية والمادية الهائلة تظل ذخراً للقضية الفلسطينية. وأن مصر تبقى "مظلة" مقبولة لا يمكن الاستغناء عنها في ضبط نسق العلاقات الفلسطينية - الفلسطينية. كما تعي خطورة استعداء مصر كونها المتنفس الوحيد لقطاع غزة.
ويرى مؤلفو الكتاب أن ملف الحوار الوطني الفلسطيني شكل منعطفاً مفصلياً في مسار العلاقة بين مصر والفصائل الفلسطينية بوجه عام. ترجع بداية الرعاية المصرية للحوار الفلسطيني الفصائلي إلى عام 1995 حين حاولت السلطة الفلسطينية إقناع حماس بالمشاركة في انتخابات الحكم الذاتي، أو الحصول على ضمانات بعدم إفشال الانتخابات، الأمر الذي دفع حركة (حماس) إلى مقاطعة الانتخابات دون السعي إلى إفشالها.
وفي الوقت الذي لم تعقد فيه حركة فتح وحركة حماس أي اجتماع للحوار بين عامي 1996 و2002م، فإنه استؤنفت برعاية مصرية عام 2002م بهدف توحيد الموقف الفلسطيني في مواجهة عمليات عسكرية "إسرائيلية" محتملة، مع انشغال الولايات المتحدة بالتحضير لضربة عسكرية على العراق.
وكان من نتائج الحوار الذي عقد بعد ذلك في 15/3/2005 في القاهرة بحضور معظم الفصائل الفلسطينية ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية: التمسك بالثوابت الفلسطينية دون أي تفريط، وبحق الشعب الفلسطيني في المقاومة، وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وضمان حق عودة اللاجئين. والتزام الفصائل بتهدئة متبادلة مع "إسرائيل" حتى نهاية عام 2005. واستكمال الإصلاحات في كافة المجالات، ودعم العملية الديمقراطية. وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وفق أسس يتم التراضي عليها.
يبحث الفصل الثاني العلاقة بين الطرفين منذ فوز حركة (حماس) في الانتخابات التشريعية وحتى سيطرتها على قطاع غزة. فيعتبر الكتاب أن الانتخابات التشريعية التي جرت في 25/1/2006 وفازت حركة حماس فيها بالأغلبية النيابية (74 مقعداً، مقابل 34 مقعداً لحركة فتح) شكلت صدمة كبيرة للسلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية والأجنبية، وفي مقدمتها مصر، حيث ترافق فوز حماس مع فوز الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية المصرية التي جرت عام 2005.
واتسمت علاقة حماس بمصر آنذاك بالإيجابية، حيث لم تطلب مصر من الحركة في هذه المرحلة أي شروط سوى الاعتراف بـ"إسرائيل" إذا أرادت تشكيل الحكومة. إلا أن هذه العلاقة شهدت تغيراً مفاجئاً مع أسر ثلاثة فصائل فلسطينية، من بينها حركة حماس، للجندي "الإسرائيلي" (جلعاد شاليط) منتصف عام 2006 ، إذ استحوذت عملية التفاوض حول إطلاق سراحه مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين على جانب كبير من العلاقة بين مصر وحركة حماس. إلا أن ملف التفاوض واجه صعوبات وتعثرات كثيرة، وبدأ التوتر في العلاقة بين الحركة ومصر، وبدأ بعض قيادي حماس توجيه النقد إلى القيادة المصرية، الأمر الذي أغضب القيادة المصرية، فقامت مصر بتدمير نحو عشرين نفقاً، وإغلاق معبر رفح بين الفينة والأخرى.
إلا أن توقيع حركة حماس لاتفاق مكة في فبراير عام 2007م وتشكيلها لحكومة وحدة وطنية أذاب شيئاً من جبل الجليد بين الطرفين، فرحبت مصر بالاتفاق والحكومة التي نشأت عنها، ودعت الحكومة المصرية المجتمع الدولي إلى التعامل مع هذه الحكومة، فيما أشارت حركة حماس إلى أهمية الدور المصري في إنجاح الحوار الفلسطيني.
ويبحث الفصل الثالث الفترة التي أعقبت سيطرة حركة حماس على قطاع غزة وحتى نهاية عام 2008، إذ تأزمت العلاقة بين حركة حماس ومصر بعد رفض القاهرة لما جرى في القطاع، واعتباره انقلاباً على الشرعية الفلسطينية، ودعت مصر كافة الفصائل إلى الانضواء في مؤسسات السلطة، وقررت مصر نقل سفيرها لدى السلطة الفلسطينية والبعثة الدبلوماسية من غزة إلى رام الله.
ويؤكد الكتاب أن حصار قطاع غزة من قبل "إسرائيل"، وإغلاق مصر لمعبر رفح أجّج الأزمة بين حماس مصر، حيث اتهمت الحركة مصر بالمشاركة في حصار وتجويع أهالي القطاع، فيما حملت مصر مسؤولية ذلك إلى كل من "إسرائيل" وحماس. إلا أن مصر نجحت في تحقيق تهدئة بين "إسرائيل" وحماس مدتها ستة أشهر، ونص الاتفاق على وقف العدوان "الإسرائيلي" على غزة، ورفع الحصار، وفتح المعابر، مقابل وقف إطلاق الصواريخ والعمليات الفدائية الفلسطينية انطلاقاً من غزة.
لكن "إسرائيل" لم تلتزم بشروط التهدئة، حيث خرقت الاتفاق 195 مرة، كما ظل معبر بيت حانون (إيريز) مغلقاً طوال مدة التهدئة، وأغلق معبر المنطار (كارني) 149 يوماً، ومعبر الشجاعية (ناحال عوز) 78 يوماً، وأغلق معبر كرم أبو سالم (كيرم شالوم) 127 يوماً، فضلاً عن معبر رفح على الحدود المصرية الذي ظل مغلقاً طيلة 163 يوماً.
ويتناول الفصل الرابع العلاقة بين الجانبين في ظل العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة. إذ أطلقت وزيرة الخارجية "الإسرائيلية" (تسيبي ليفني) تهديدها بإسكات الصواريخ التي تطلقها حركة حماس من القطاع من العاصمة المصرية، وبعد يومين من هذا التصريح شن الجيش "الإسرائيلي" عدواناً واسعاً على القطاع دام 22 يوماً، وأسفر عن سقوط 1334 شهيداً و5450 جريحاً، فضلا عن خسائر مادية قدرت بـ1.9 مليار دولار.
وعلى الرغم من أن القيادة المصرية حملت "إسرائيل" المسؤولية المباشرة عن هذا العدوان، فإن الرئيس المصري حمّل بالمقابل حركة حماس المسؤولية أيضاً في كلمة إذاعية أذيعت في30/12/2008.
وأعلنت مصر بعد ذلك مبادرتها لوقف إطلاق النار عبر ثلاث نقاط:
 1- قبول "إسرائيل" والفصائل الفلسطينية بوقف فوري لإطلاق النار لمدة محددة، لإتاحة الفرصة لإيصال المساعدات إلى سكان غزة.
 2- دعوة "إسرائيل" والفلسطينيين وممثلين عن الاتحاد الأوروبي وجهات أخرى للاجتماع، لمناقشة سبل ضمان عدم تكرار الوضع الراهن، وسبل ضبط الحدود بين مصر والقطاع.
 3- استضافة مصر حوار المصالحة الفلسطينية لإنهاء الصراع بين حركتي فتح وحماس. وهي المبادرة التي تحفظت حماس عليها، وخاصة على وجود قوات دولية فاصلة في القطاع، أو التوقيع على تهدئة دائمة مع "إسرائيل".
ويخلص الكتاب إلى جملة من النتائج والتوصيات، فمن ناحية، لا تستطيع مصر أن تتعامل مع القوى الفاعلة على الساحة السياسية الفلسطينية إلا من حرصها على أمنها القومي، ومصالحها الإستراتيجية. وأن التزام مصر بحل الصراع العربي "الإسرائيلي"، وحساسيتها في التعامل مع طرف فلسطيني ينتمي إلى الإخوان المسلمين، إضافة إلى الضغوط الأميركية "الإسرائيلية"، أدت إلى ميل النظام المصري للتعاون مع حركة فتح ومؤسسة الرئاسة الفلسطينية.
ومن جهة أخرى لا تستطيع مصر أن تسكت عن محاولة تأجيج صراع أمني داخل القطاع، خشية انتقال عدواه إلى الداخل المصري. ويؤكد الكتاب أنه رغم العلاقات التي تربط حماس بمصر، فإن مصر لم تخف رغبتها في عدم إنجاح نموذج حماس في قطاع غزة، والذي تبدى في موقفه من اتفاقية المعابر، بغية استمرار إغلاق معبر رفح وحصار القطاع، والذي قد يؤدي إلى إضعاف حركة حماس وفشل تجربتها.
فهل ينجح الطرفان في تجاوز مخاوفهما والضغوطات الممارسة عليهما لتوتير علاقة لم تشهد فترة ممتدة من الهدوء والاستقرار منذ ظهور حركة حماس على المشهد السياسي الفلسطيني؟!.