22 جمادى الثانية 1430

السؤال

السلام عليكم؛ من فضل الله عليّ أن يسر لي العمل في نشاط تربوي، للمرحلة المتوسطة، وأود أن أعرف ما هي الطرق المناسبة للتعامل مع المراهقين وأنا معهم كمشرف؟ ولكم جزيل الشكر.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الفاضل:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر الله لكَ ثقتكَ بإخوانِك في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يجعل في كلامنا الأثر، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظًا،...آمين.. ثم أما بعد:
فإن العمل في المجال التربوي هو من أهم الأعمال وأصعبها، إن لم يكن أهمها وأصعبها على الإطلاق، وذلك لأن العامل في هذا المجال الحيوي، يتعامل مع شريحة من البشر، لها صفات خاصة، ألا وهي شريحة الشباب في مرحلتها الأولى وهي المراهقة، كما لا يخفى أن المجال التربوي من أهم وأدق المجالات، لكونه معنيًا بتربية الأفراد على الإسلام فهمًا وعملا وسلوكًا، ومن ثم فإنه لا بد من قيام المسئولين عن هذا العمل التربوي بعدة أمور:-
أولها: انتقاء عدد من الأفراد المرشحين للعمل كمشرفين للعمل التربوي.
وثانيها: تعريض هؤلاء المشرفين لدورات تدريبية خاصة، تركز على بيان أهمية العمل في المجال التربوي، وخصوصية العمل التربوي بين الطلاب، والطريقة المثلى للتعامل مع المراهقة كمرحلة عمرية لها خصائصها التي لا بد من فهمها جيدًا.
ثالثًا: تصفية المشرفين واختيار أكفأهم وأكثرهم استيعابًا لطبيعة دوره، وكيف يؤديه.
رابعًا: وضع المشرفين تحت الاختبار لفترة لا تقل عن دورة تدريبية كاملة، يمكن أن يصحبه خلالها أحد المدربين أو مسئولي التربية ممن لديهم خيرة كبيرة في هذا المجال، يجلس معهم بصفة متابع أو مراقب دون تدخل في العملية التربوية، على أن يخلو بالمشرف من آن لآخر ليلفت انتباهه، أو ليقوم أسلوبه، أو ليوجهه بعيدًا عن طلابه، حتى يطمئن لقدرة المشرف على القيام بواجبات مهمته على أكمل وجه.
خامسًا: ضم المشرفين العاملين في المجال التربوي، إلى دورات مكثفة، ربع أو نصف سنوية، مع حضور محاضرات توجيهية وإرشادية شهرية أو نصف شهرية، بهدف رفع كفاءة المشرفين، والرد على الاستفسارات الشائكة المحتملة أو تلك التي واجهوها خلال قيامهم بمهامهم التربوية.
كانت هذه مقدمة ضرورية، قبل الحديث عن الطرق المناسبة لتعامل المشرفين التربويين مع المراهقين، وعنها نستعين بالله ونقول إنه لا يخفى على ذي لب، ما تتصف به هذه المرحلة العمرية (المراهقة)، من صفات فسيولوجية وبيولوجية، تجعلها على درجة من الأهمية والدقة، كما أن الشاب في هذه المرحلة يتصف بجملة من الصفات أهمها: (التقلب، العناد، المزاجية، الجدل).
فالشاب في هذه المرحلة التي يسميها المختصون مرحلة المراهقة يمر بتغيرات نفسية وفسيولوجية، يبحث خلالها عن قدوة، ويسعى للتعبير عن ذاته، وإشعار الآخرين برجولته، وأنه لم يعد طفلا كما كان، وأنه قد أضحى رجلا، كما أنه يحب أن يكون له رأي فيما يثار حوله من أمور، في مرحلة البحث عن الذات، وتكوين ملامح الشخصية التي سيعيش بداخلها في مرحلته الجديدة.
والمراهقة، كما يعرفها المتخصصون: هي مرحلة انتقالية بين مرحلتين مختلفتين تمامًا، ألا وهما مرحلة الطفولة، ومرحلة الرجولة، ولكل مرحلة عند الخبراء خصائصها التي تميزها، فمرحلة المراهقة هي من أصعب المراحل على أبنائنا، لأنه يتعرض فيها لتغيرات فسيولوجية كبيرة، وتحولات في بنائه الجسدي، وتكوينه الجنسي، ومن ثم فإنه يكون بحاجة للمصادقة والمصاحبة، وإشعاره برجولته، وخصوصيته، واحتوائه حتى لا يكسر الطوق، ولا يغرد خارج السرب.
ولعل نقطة البدء في رحلة العلاج، وكلمة السر في التعامل التربوي مع هذه الفئة العمرية الأكثر خطورة، هي استخدام أسلوب "المصاحبة"، والمصادقة، وإظهار الاحترام له، والاهتمام به، ومعاملته على أنه "صديق"، مع البعد تمامًا عن فرض أسلوب "الوصاية" عليه، لأنه – حسب خصائص المرحلة- يرفض أن يشعره أحد بالنقص، أو أن يعامله على أنه "ما زال صغيرًا"، فهو يرى نفسه رجلا كبيرًا، والحق أنه مشروع رجل، أو ما يمكن أن نسميه بـ"الرجل الصغير".
وعليه فإنه كلما كان المشرف التربوي واعيًا خصائص هذه المرحلة العمرية، كلما كان قادرًا على استيعاب هذه المجموعة من الشباب، ومن ثم اكتساب ثقتهم، ثم التفرغ لإكسابهم جملة من الأخلاقيات الإيجابية، ومعاونتهم على التخلص من الصفات السلبية التي قفزت إلى مخيلتهم في لحظة من لحظات الضعف الإنساني التي تنتاب هذه الفئة العمرية على وجه الخصوص.
وأختتم جوابي بهذه النصائح التي أسأل الله أن يجعل فيها البركة والقبول:-
• أدع لهم بظهر الغيب، وأمامهم بأن يصلحهم الله وأن يجعلهم في أفضل حال.
• اجلس معهم، وادن منهم، وأبلغهم أنك تحبهم في الله، ليطمئنوا لك ويصارحوك.
• اختر الوقت المناسب للجلوس معهم، حتى لا يكونوا مشغولين عنك بشيء.
• دعهم يتحدثون ويقولوا ما لديهم، دون أن تسفه آراءهم أو تحقر من شأنهم.
• تجنب زجرهم وإهانتهم أو رفع الصوت عليهم، وعاملهم بالرفق واللين.
• استخدم اللغة العصرية التي يجيدونها، مع التعليق إن احتاج الأمر للتعليق.
• أشعرهم بالأمان والثقة، وأعطهم فرصة كافية ليعبروا عن أنفسهم.
• اعتمد أسلوب الحوار والإقناع معهم، وابتعد عن اصطياد أخطائهم.
• اجعلهم يصلون لمرحلة الإقرار الذاتي بالخطأ الذي وقعوا فيه.
• أحسن الاستماع إليهم بالاهتمام المناسب، مع تقليل المقاطعة، أو الشرود.
• أعطهم حرية الاختيار: وحفزهم عند الإنجاز، معنويًا بالشكر والثناء وإبداء الرضا عنه، وماديًا بالهدية أو تقديم مصلحة لهم.
• عاقبهم عند التقصير: ومن أشكال العقاب، حرمانهم من بعض ما يحبون، وتوجيه اللوم والعقاب اللفظي كالكلام معهم بشدة.
• اترك لهم فرصة للعودة: وذلك بتقبلهم بعد التغيير، ونسيان ما كان منهم.

وختامًا؛
فإن ما سبق لا يعدو أن يكون أخذًا بالأسباب، في صورة وصف للداء وتشخيص للدواء، مع ثقتنا بأن على الله وحده الشفاء، وبه سبحانه الأمل والرجاء، نسأل الله تعالى أن يوفقك في مهمتك، وأن يجعلك سببًا في هداية طلابك، وأن يعينك بمدد من عنده، وأن يردهم إلى صوابهم ورشدهم، ردًا جميلا، وأن يصرف عنهم معصيته، وأن يرزقهم رضاه والجنة، وأن يعيذهم من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك وإياهم إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك وعنهم شياطين الإنس والجن، إنه سبحانه خير مأمول وأفضل مسئول.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.