غثائية واقع ..
8 جمادى الأول 1430
د. محمد العبدة
سيل يجرف غثاء ، مثال لا أبلغ منه في تصوير واقع المسلمين اليوم . ليس لهم حضور ولا شهود , كثرة عددية ولكن لا مهابة ، غثائية في سذاجة التفكير ، وضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقلة المعرفة بالأعداء ، وقلة الإستعداد ، هذا بشكل عام رغم وجود الخيرية في كثير من الأفراد والهيئات والجماعات .
 
أسباب كثيرة لهذه الغثائية ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى السبب الأول والسبب الأهم لهذا المرض الذي يصيب الأمة رغم الكثرة العددية التي لا تجدي شيئاً ولا تنفع شيئاً إنه الوهن وسببه : حب الدنيا وكراهية الموت .
 
هل معنى هذا أن لا بياشر المسلم الدنيا ، ويملك المال والقوة لإقامة الدين وإقامة العدل ، مع أن هذا مطلوب شرعاً ، أم التحذير هو في الحرص على الحياة ، أي حياة ، ولو كانت حياة الذل والخنوع ، وتفضيل هذا العيش الذليل والرضا به خوفاً في الموت وخوفاً في الجهاد في سبيل الله والتعرض للمخاطر , ولا شك أن هذ هو المقصود بالتحذير وقد جاء في الحديث أن الغني هو غنى النفس إذن فالفقر هو فقر القلب عندما يذله الحرص .
 
المذموم في حب الدنيا هو الجشع والإكتناز ، والترف ، وحب المظاهر والعلو في البنيان ، والتلذذ بالمطاعم والملابس ( تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار ) وجاء في الحديث الطويل في صحيح مسلم عند ذكر أهل النار فذكر منهم ( الضعيف الذي لا زَبْر له (1) ، الذين هم فيكم تبعاً لا يبغون أهلاً ولا مالاً فهذا الصنف من البشر ، قانع بسكوته ، ذليل ومسبوق وتابع ، وفار من المسئولية . ونحن نري في كل يوم أمثال هذه الشخصية التي لا تحمل هماً ولا هدفاً ، يتعب في الدنيا وليس له هم في الآخرة .
 
 

إن كراهية الموت شئ طبيعي والإنسان يحب البقاء ، ولكنه لو بقى فسيكون أمامه مطالب أخرى لا تنتهي ، فلا بد في النهاية أن يكون له هدف في النهاية يسعى له ، هدف سام يحيا من أجله ويموت من أجله .

 الناس في هذه الحياة يتنافسون ، الكافر والمسلم . ولكن الرابح هو الذي يبيع نفسه لله ويحررها من الموبقات والمهلكات

طريق واحد للتغلب على كراهية الموت ، هو نبذ التشبث بالحياة , والتعلق بها ، والكف عن النظر إليها كما لو أنها باقية مخلدة ، وأنها شئ ثمين يجب أن تمتلكه .
 وطريق واحد لإبعاد الخوف من الموت هو التفكير في الحياة الكريمة حياة العمل الجاد لإحياء الأمة وتحرير النفس من شهوة تكديس الأشياء ، فالحياة العزيزة لا تكون إلا لمن أكرم نفسه وأعزها ، والموت أحب إليه من أن يعيش مهيمناً آلاف السنين .
 
المؤمن الحق كان الله غــايته      والله كـان لديه السمع والبصـرا
الآن أضحى إله المــال كعبته       وخــوفه الموت أفناه ما شـعرا
يا مؤمناً بلقاء الله مالك في ذعر      من الموت قد أشبهت من كفـرا (2)
 
 
ــــــــــــــــــ
1-   لاقوة له .
2- أبيات للشعر محمد إقبال .