الاستخبارات الأمريكية والتضييق على الاستخبارات العسكرية الباكستانية
8 جمادى الأول 1430
علي مطر

يجزم الرسميون الباكستانيون بأن استراتيجية الرئيس اوباما الجديدة لباكستان والتي تنص على انه انه سيضرب اهدافا للقاعدة في داخل الاراضي الباكستانية، يجزمون بأنها سوف تؤدي إلى نتائج عكسية غير تلك التي تطمح هذه الاستراتيجية إلى تحقيقها، حيث ان ما يزعج باكستان هو اصرار الإدارة الأمريكية على مهاجمة ما تصفه بالاهداف عالية الاهمية بمناطق القبائل. كما أن الرئيس الامريكي تعهد بان يحاسب باكستان إن اخفقت في ملاحقة ما تحدده لها الولايات المتحدة من أهداف تستحق الضرب على اراضيها. ولكي يقوم الرئيس الباكستاني بابعاد تهمة تورطه مع الإدارة الأمريكية في ضرب الأهداف المنتقاة في مناطق القبائل فإنه طالب واشنطن بتزويد بلاده بطائرات التجسس بدون طيار لكي تستخدمها ضد "المتطرفين"، أي أنه إذا قامت واشنطن بعدها بضرب مواقع في باكستان فإن الحكومة ستقول أنها هي من قامت بالعملية.

 

من جانب آخر طلب روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي من باكستان وخصوصا جهاز الاستخبارات العسكرية (ISI) أن يقطع جميع علاقاته بطالبان وغيرها من المجموعات المسلحة، ومضى قائلا بان هذه المجموعات تشكل خطرا على "وجود" باكستان. 

 

صدور مثل هذه التصريحات من الرئيس اوباما ومن وزير دفاعه دليل على وجود ازمة ثقة بين باكستان والولايات المتحدة. فالرئيس يرى ضرورة ملاحقة "المتطرفين" داخل باكستان في حين ان وزير الدفاع يشك بوجود علاقة سرية غامضة بين وكالات الاستخبارات الباكستانية والمتطرفين ومنظماتهم في المنطقة. هذا الموقف الامريكي موجه ضد بلد لم يترك صغيرة او كبيرة الا وقام بها لكي ينفذ اوامر الولايات المتحدة في ما يسمى بالحرب ضد الارهاب. والان تفكر الولايات المتحدة بتوسيع نطاق هجماتها وشن هجمات داخل اقليم بلوشستان بل وعلى عاصمتها مدينة كويته وهذا سيكون له الكثير من العواقب على الامن الداخلي الباكستاني. لم تفلح الولايات المتحدة في احلال السلام والاستقرار في افغانستان فاتجهت نحو تحويل نقمتها باتجاه باكستان.

 

 استراتيجية ادارة الرئيس اوباما (الجديدة – القديمة) تجاه باكستان وافغانستان احتوت على العديد من الأبعاد الإستراتيجية وتوضيحا بارزا لعوامل القلق لديها وفوق هذا كله محاولة لاقناع باكستان بان الولايات المتحدة إنما تقوم من خلال هذه الاستراتيجية بالاستثمار في استقرار باكستان من خلال المراجعة الشاملة لسياساتها تجاه كل من باكستان وافغانستان.

 ولم يصل مستوى المساعدات الامريكية لباكستان في هذه المراجعة إلى ما تطمح إليه هذه الأخيرة، إذ ان 5.1 مليار دولار كل عام لمدة خمسة أعوام قابلة للتمديد إلى خمسة أعوام أخرى لا تتناسب مع ما تحتاجه باكستان من دعم يصل إلى 5 مليار دولار تعتبر ضرورية لإعادة العافية إلى اقتصادها الهش. وربما تمكنت باكستان من إستعاضة المبلغ المتبقي من الدول الأعضاء في مجموعة اصدقاء باكستان التي تجتمع في مطلع شهر ابريل 2009م في طوكيو. كما وعدت الولايات المتحدة بمساعدات اخرى لبناء قدرات الجيش ودفع تكاليف العمليات العسكرية والامور اللوجستية المتعلقة بها. ويرى الباكستانيون ان الانتعاش الاقتصادي هو افضل طريق للرد على من تصفهم باكستان والدول الغربية بالمتطرفين وان الاقتصاد وانعاشه امر هام لدرء التهديدات الارهابية التي اصبحت معظم مدن باكستان عرضة لها بسبب دورها في دعم الولايات المتحدة في الحرب ضد الارهاب.

 

ولم تعد هناك في هذه الاستراتيجية مقولة "إفعلي المزيد يا باكستان"، ولكن حلت مكانها شروط اخرى وهي ان الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لن يأتي على شاكلة "شيك مفتوح" او (شيك على بياض)، وان على باكستان ان تبدي التزاما واضحا في سياساتها حيث أن ما ستحققه من تقدم سوف يخضع للرقابة الصارمة وستتم مراجعته. هذا الامر ازعج الباكستانيين ولكنهم لا يستطيعون المناورة لانهم إستخدموا مبلغ 10 مليار دولار دفعتها امريكا خلال سنوات حكم الرئيس السابق مشرف.

امام ذلك فان على باكستان ان تضع لنفسها هي الاخرى استراتيجيتها الخاصة بها وان تحدد اولوياتها وان توضح مخططاتها ونمط سياساتها للمستقبل. الا ان هناك الكثير من التنازعات والقضايا الجانبية التي تعيق باكستان من التوصل إلى هذه الاستراتيجية. فالوقت يضيع من بين ايدي الباكستانيين بسرعة وهذا الامر يحمل في طياته المزيد من تصعيد حدة التهديدات.

 

وعلى صعيد اخر فان هناك فروقا كبيرة بين باكستان وافغانستان ومن هنا الاستغراب من قيام الولايات المتحدة بتعيين ريتشارد هولبروك مبعوثا خاصا إلى كل من باكستان وافغانستان وحذو بريطانيا والمانيا حذوها. فباكستان لديها قدرات واضحة على شكل مؤسسات ومنظمات وقادة سياسيون ذوي اطياف مختلفة، وهذا يمنح قدرة اضافية لباكستان مقارنة بافغانستان التي تعتبر دولة فاشلة تديرها المخدرات وتجارة السلاح. ورغما عن ذلك فان الولايات المتحدة ترى من خلال استراتيجيتها الجديدة ان أفغانستان بنظامها الحالي هي مركز الجاذبية في هذه المنطقة وان هذه الاستراتيجية لن تنجح إلا من خلال إحلال الاستقرار في افغانستان وان هذا بدوره امر لا يتأتى الا من خلال فرض الضغوط على باكستان.

 

باكستان لم تتلقى "الاهتمام" الامريكي الذي كانت تصبو اليه حكومتها في الاستراتيجية الجديدة. فقد بدأت سلسلة من الضغوط الجديدة على باكستان بصورة متزامنة مع الاعلان عن الاستراتيجية الامريكية الخاصة بكل من باكستان وافغانستان. الهدفان الرئيسيان من هذه الضغوط هما جهاز الاستخبارات العسكرية (ISI) والجيش الباكستاني طبقا لما يوضحه الجنرال المتقاعد جهانكير كرامت القائد السابق لاركان الجيش الباكستاني. فقد القى كل من جيتس وزير الدفاع والسفير هولبروك والجنرالين جونز وبيتراوس والادميرال مولين باثقالهم على جهاز الاستخبارات الباكستانية رغبة منهم في تفكيكه ونقل قيادته إلى القيادة المدنية ( بغثها وسمينها ) وإلغاء مخططاته وتحركاته التي تحمي مصالح باكستان العليا في جلها.

 

باكستان مطالبة بمعرفة من هي الجهة التي اقنعت الادارة الامريكية بشقيها المدني والعسكري بان هناك من تصفهم الولايات المتحدة بـ "العناصر المارقة" بين صفوف جهاز الاستخبارات العسكرية والجيش الباكستاني.. مثل هذه الافكار تزيد من الفجوة وتعمق انحسار الثقة بين البلدين مما من شانه ان يعيق اداء الاستخبارات والجيش في باكستان لمهام الدفاع عن مصالح باكستان وسط منطقة تعج بالعداء لها من مختلف الجوانب..

 

الاستراتيجية الجديدة تنص على استمرار الهجمات بطائرات التجسس بدون طيار على المناطق القبلية في شمال غرب باكستان مع التهديد بتوجيه ضربات مماثلة في اقليم بلوشستان (شكل من أشكال الاستثمار الأمريكي في باكستان) وذلك كحل فيما يبدو للتغطية على استمرار إخفاق قوات الولايات المتحدة وحلف الناتو في السيطرة على الأوضاع في أفغانستان أو لتوجيه مسؤولية هذا الإخفاق نحو الاستخبارات والجيش الباكستاني اللذان يعتبران من أهم اذرعه توازن القوى في هذا البلد. كما ان الاستراتيجية تشير إلى ضرورة زيادة تعداد القوات الامريكية في افغانستان وهذا يعني ان الخيار العسكري لا يزال يكتسب المزيد من الاهمية لدى الادارة الامريكية الجديدة رغم استمرار الإخفاقات. والمثير للاستغراب هو ان وزير الدفاع البريطاني انضم هو الاخر للجوقة واخذ يتحدث عن توجيه ضربات إلى داخل باكستان.