المرأة .. القيمة والأثر
25 ربيع الثاني 1430
د. خالد رُوشه

 بوسعنا أن نقدر هذا الاهتمام الهائل بشأن المرأة وقيمتها عند النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ لم يؤثر عن أي مصلح أو حقوقي في العالم لا في الماضي ولا الحاضر أن أوصى بالمرأة وهو على فراش الموت أو وهو يقدم لأتباعه آخر وصاياه وكلماته وهو يغادر الدنيا، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يسجل ذلك في مشهد غير مسبوق  قبل أن يلقى ربه؛ حين لقي أصحابه ووصاهم بالمرأة , ، أو من قبل حين اجتمع المسلمون في حجة الوداع يوصيهم بكلمات بليغة جامعة (أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ...) ( الترمذي ) وَمَعْنَى قَوْلِهِ (عَوَانٌ عِنْدَكُمْ ). يَعْنِى أَسْرَى فِى أَيْدِيكُمْ.

 

بل في نهج هذه الرسالة أن مقياسا من مقاييس كمال الإيمان يقيم بمدى اقتراب المؤمن من التعامل الأمثل مع المرأة ، كما يروي الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخيارهم لنسائهم). ( الصحيحة284 ) وهذه المرأة هي في الحقيقة أم وبنت وخالة , حرية بأن تلقى معاملة لائقة من المسلمين , كما يروي الطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: )إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ) ( الصحيحة 2817) ، على أن الإحسان للنساء من الزوجات والأمهات والبنات والخالات وغيرهن لا يأخذ من قيمة المرأة أية امرأة حتى لو كانت أمة أو كانت على غير دين الإسلام؛ فقبل وفاة محمد r بخمسة أيام , وفيما كان يعاني من مرض شديد وحمى مقعدة، أصابته إغماءة، ثم أفاق منها فقال: (الله الله فيما ملكت أيمانكم، أشبعوا بطونهم، واكسوا ظهورهم، وألينوا لهم القول) ( أبو داود )

 

وفي رواية أخرى مفعمة بالتأثير يحكيها البيهقي في الآداب تقول أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، يَقُولُ فِي مَرَضِهِ : (اللَّهَ اللَّهَ الصَّلاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) ، قَالَتْ : فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَمَا يُفِيضُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ، حَتَّى جَعَلَ يُلَجْلِجُهَا فِي صَدْرِهِ، وَمَا يُفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ.. ( النسائي ) ، فأي نبل يحمله هذا النبي صلى الله عليه وسلم , وأي استشعار بقيمة المرأة يفهمه سواء في صحته أو في مرض موته وبين فترات إغماءته، حيث يوصى بالإماء خيراً فضلاً عن سائر بني الإنسان، أفتظلم امرأة بعد ذلك في منهجه وطريقته وسبيله؟!

 

إن المرأة في المجتمع الإسلامي لم تحرم حقا كان لرجل كان , لا الميراث ولا العمل ولا المعاملة الحسنة , تتمتع بكل ما يتمتع به الرجل , لا فرق بينهما في كثير من الأمور التي لا فرق فيها بين آدمي وآخر، فـ(إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ) كما قال محمد صلى الله عليه وسلم ( أخرجه أحمد ) , كما أنها مكلفة في أمور دينها كما الرجل إلا ما لا تطيقه أو لا يتناسب وطبيعتها فيضع الله عنها إصر ذلك ومشقته، وهي كيان ذو قيمة تستأهل أن يقيم صلى الله عليه وسلم حرباً صيانة لها ولكرامتها وعرضها مع يهود  بني قينقاع لما امتهنوا امرأة مسلمة.
 
وللمرأة في الإسلام حقوق عظيمة؛ بدأ من وجودها في كنف أبيها، تقول عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يلي من هذه البنات شيئًا فأحسن إليهن كنّ له سترًا من النار) ( البخاري ) ويقول r (من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو) وضمَّ أصابعه ( مسلم )
 
 ثم حال زواجها لها مهرها المستقل وذمتها المالية المستقلة ولها حق اختيار زوجها وعلى زوجها نفقتها ، ثم حين تكون أما ينبه الإسلام إلى حرمة عقوق الأمهات، فيقول صلى الله عليه وسلم (إن الله حرم عليكم عقوقَ الأمهات ووأد البنات ومنعَ وهات، وكره لكم: قيل وقال وكثرةَ السؤال وإضاعة المال) ( البخاري )
 

فإذا ما ماتت الزوجة كان على الرجل أن يظل وفيا لها مثلما كان النبي وفياً لزوجته خديجة بعدما ماتت؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غِرت على أحدٍ من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غِرتُ على خديجة ـ بعد موتها ـ، وما رأيتها ..

 

والإسلام في مجال التطبيق الرسالي أيضا وضع للمرأة قدرا وانتظر منها دورا كبيرا , ولكي تؤدي المرأة هذا الدور لابد أولاً أن يتم إعدادها طبعا لمفهوم الإسلام , بأن تفهم معنى حمل رسالته , والسعي به , والالتزام به , فتصبح صاحبة دور رسالي.

 

ولكي يتحقق ذلك لابد أن تكون المرأة طالبة للعلم حريصة عليه، لأنها تعلم أنه حياة القلوب، ورياض العقول، كما ينبغي أن تكون ذات لسان سؤول لا يمنعها حياؤها عن تعلم شيء تجهله، فقد أثنت عائشة رضي الله عنها على نساء الأنصار، أنهن لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين. وكتب التراجم والتأريخ قد حفظت لنا أخبار كثير من النساء االنابهات في مجال العلم، ومن هؤلاء معلمة الحافظ ابن حجر رحمه الله الذي كان إذا ذكر أخته ستّ الركب قال: هي أمي بعد أمي، فقد ربته وحدبت عليه وعلمته، كما أن الحافظ بن حجر قد تعلم على جماعةٍ من النساء يشار إليهن بالبنان في العلم حتى إن الحافظ رحمه الله قد قرأ على نيف وخمسين امرأة. وأكثر من الحافظ ابن حجر شيوخاً من النساء الحافظ بن عساكر رحمه الله.

 

ويتميز دور المرأة في التصور الإسلامي , بأنها تؤدي هذا الدور وهي مصونة محفوظة مكرمة , غير مهانة ولا ذليلة , فليكن تبعا لذلك أهم أدوارها العناية بدعوة زوجها وأولادها إلى الخير، وسعيها لتطهير بيتها من المنكرات وإشاعة الفضائل والمكرمات , ثم لتسارع إلى تطبيق ما تعلمته، دون تلكؤٍ أو تأخير مهما خالف الأمر رغباتها وأهوائها وما اعتادت عليه.

 

وهي ترفض أن تكون مقلدة أو تابعة بغير بصيرة وفهم وإدراك , بل تعتز بتميزها وتراثها وقيمها ومبادئها
إن نظرة حالية لحال المرأة اليوم لتدعونا إلى السعي الجاد نحو إعادة صياغة شخصيتها عملياً وفكرياً وتوجيهياً وفق تربية إيمانية إسلامية متكاملة، من أجل تجاوز واقعها المليء بالإحباطات والتناقضات والإغراءات المادية والمعنوية التي تغرقها أكثر في مستنقعات التبعية والتقليد والخرافة والتغريب.