المرآة الكاذبة
24 ربيع الثاني 1430
د. خالد رُوشه

يقع في قلب الإنسان إذا أقبل على الطاعة والعبادة والعلم بعض الوقت ورأى أنه يسير في طريق الصالحين , ويلتزم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم , قد يقع في قلبه الاستهانة بأهل الغفلة من العصاة والمذنبين , والساقطين في الشهوات , فتميل نفسه إلى تحقيرهم  وازدرائهم , ويرى نفسه بالنسبة إليهم في مكان علي , فيعجب بطاعته ويغفل عن نواقصه , مع رؤيته لنفسه واستعظامها أمام عينيه , فيرى أنه أفضل منهم وأرقى مقاما لما هم فيه من الذنب والمعصية ..

 

وفي هذا الموقف محددات وتوجيهات هامة أذكرك لك أيها القارىء الكريم  :
·    احذر أن تنظر إلى العصاة فتراهم من أهل النقمة ثم ترى نفسك من أهل الرحمة , فتطمئن إلى عملك وتنسى تقصيرك في حق ربك وتغفل عن ذنبك وما قدمت من جرم في حق نفسك ومولاك
 
·    معلوم أن منهج أهل السنة في الحب والبغض في الله أنهم يحبون المرء في الله بقدر ما فيه من طاعة الله , ويبغضون فيه معصيته لله سبحانه  , لكن ذلك لاينبغي أن يدفع المرء إلى الغفلة عن نفسه وحاله ويسقط في سقطة الكبر والعجب بالطاعة مع السخرية من الآخرين .
 
 
·    لا شك أن كل عاص هو متعرض لغضب الله عليه , ولكن ينبغي لكل عبد صالح أن يرج لهم الرحمة كما يرجوها لنفسه , بل عليه أن يدعو لهم الله سبحانه , فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات , بل قد حكى عن قوم قد أدموا نبيهم فكان يمسح الدم عن وجهه ويدعو لهم ويقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لايعلمون " أخرجه مسلم , فهذا في شأن الذين آذوه وضروه وأدموه فما بال الذين هم ساقطون في الغفلة وتائهون عن العلم .
 
·    إذا كنت ولابد أن تكرههم لانكشاف معاصيهم لك ورؤية ما هم عليه, فكن لنفسك أشد كرهًا وأكثر استهانة؛ لأنك تعلم من نفسك التقصير أيضًا في حق الله.

قال ابن القيم رحمه الله: "ومن علامات الإنابة: ترك الاستهانة بأهل الغفلة والخوف عليهم, مع فتحك باب الرجاء لنفسك, فترجو لنفسك الرحمة, وتخشى عليهم النقمة, ولكن اُرج لهم الرحمة, واخش على نفسك النقمة". مدارج السالكين

 

وقال رحمه الله: "هذا الكلام لا يفقه معناه إلا الفقيه في دين الله, فإن من شهد حقيقة الخلق وعجزهم وضعفهم وتقصيرهم, بل وتفريطهم وإضاعتهم لحق الله وإقبالهم على غيره, وبيعهم حظهم من الله بأبخس الثمن من هذا العاجل الفاني - لم يجد بدًا من مقتهم, ولا يمكنه غير ذلك البتة, ولكن إذا رجع إلى نفسه وحاله وتقصيره, وكان على بصيرة من ذلك, كان لنفسه أشد مقتًا واستهانة فهذا هو الفقيه".مدارج السالكين
فلنتذكر ذنوبنا وتقصيرنا في حق ربنا ونسأل الله الغفران