وفاءً لأسرى العراق وغوانتانامو المَنسيّين
21 ربيع الثاني 1430
د. محمد بسام يوسف

لم تكتفِ أميركة بكل الجرائم المروّعة التي ارتكبتها في العراق وأفغانستان، وما تزال ترتكبها، وقد تحدّثنا عن تلك الجرائم في مناسباتٍ سابقة.. لكنّنا نؤكّد هنا على حقيقةٍ هامة، هي أنّ القوات الأميركية، ومن ورائها الإدارة الأميركية، وأميركة الدولة.. مسؤولة مسؤوليةً مباشرةً كاملة، عن كل ما وقع من جرائم حربٍ في العراق وأفغانستان، وعن كل ما يقع حالياً وما سيقع مستقبلاً، من مختلف أنواع جرائم الحرب هذه، حتى لو ارتُكِبَت بأيدي عملاء أميركة وحلفائها هناك، الذين باعوا شرفهم وضمائرهم ودينهم، بِدُرَيْهِمَاتٍ أميركية!.. وينبغي أن يُسَجَّل في السجلّ الأميركيّ الأسود -فيما يُسَجَّل- قضايا قتل الأسرى، والتمثيل بالقتلى، وقضايا التعذيب الهمجيّ الوحشيّ، لكلّ مَن يقع بين أيدي القوات الأميركية، أو أيدي حلفائها من المنافقين العملاء، سواء بعمليات الخطف أو الاعتقال أو في المواجهات العسكرية.

 

نعم.. أميركة هي المسؤولة بشكلٍ مباشرٍ عن كل تلك الجرائم، لأنها هي الدولة المعتدية المحتلة، وهي التي تقود الحلف المشبوه.. وهذا طبعاً لا يعفي بقية المجرمين الآثمين من الحلفاء الداخليين والخارجيين من نفس المسؤولية المباشرة عن جرائم الحرب المُرْتَكَبَة الفظيعة، وليتذكّر المسلمون هذا الأمر جيداً، عندما تحين ساعة الحساب، التي لا نشكّ مطلقاً بأنها قادمة بإذن الله، فهي سنّة الله في الظالمين الطغاة الجبّارين.. لأنّ الباطل باطل، والحق حق، وليس من سنّة الله عز وجل أن يصبح الباطل حقاً.. ولَئِن طالت مدّة الله بالظالم، فإنما لِيُمهله لا لِيُهمله، ولِيَجعله -حين تدقّ ساعة هلاكه وانهياره- عِبرةً للناس على قَدْرِ إضرارهم واستحقاقهم.

 

لقد شاهد العالَم من مشرق الأرض إلى مغربها، الجرائم البشعة المقزِّزة للنفوس، التي بدأت أميركة باقتراف صفحاتها في (جزيرة غوانتانامو)، على مرأىً من العالَم ومسمَع.. بحق الأسرى المسلمين، الذين خطفتهم القوات الأميركية من أفغانستان وغيرها، متحدّيةً العالَم كله بتلك المشاهد المخزية، التي عرضتها في وسائل الإعلام المرئية، بلا خجلٍ أو حياءٍ أو مراعاةٍ للاعتبارات الأخلاقية الإنسانية.. ولشدّة بشاعة تلك الصور المعروضة.. لم تستطع منظمات حقوق الإنسان الغربية -وحتى الأميركية-، على رأسها (منظمة العفو الدولية).. لم تستطع إلا أن تستنكر ذلك السلوك الأميركيّ الشاذ، في التعامل مع بني الإنسان.

 

كما شاهد العالَم كله، الجرائم الأميركية في سجون العراق، والأهوال والمخازي التي تسرّبت من سجن (أبو غريب) العراقيّ، وقد تجاوز عدد الأسرى العراقيين والعرب في سجون أميركة وعملائها من حكومة الاحتلال.. تجاوز مئات الآلاف من الأبرياء، في عهد الاحتلال وعملائه، الذين يزعمون تحرير العراق ونشر الديمقراطية فيه.
قضية الأسرى العرب والمسلمين في العراق و(غوانتانامو)، هي عملية إرهابٍ في أشنع درجات الوحشية، وانتهاكٍ لإنسانية الإنسان، واستهتارٍ بكل القِيَم والأخلاق الإنسانية، وخَرقٍ لكل المعاهدات والمواثيق الدولية التي يتشدّق بها الغرب الصليبيّ برئاسة أميركة، وامتهانٍ لكرامة الإنسان، وخَدشٍ لكل ضميرٍ حيٍّ خلقه الله عز وجل وأودعه في نفوس البشر.

 

قضية الأسرى العرب والمسلمين في العراق و(غوانتانامو)، هي عملية قرصنةٍ أميركيةٍ جديدة، تعيد أحداث التاريخ الأسود غير المشرِّف لأميركة والغرب الصليبيّ، التي وقعت في قرون الظلام والانحطاط والتخلّف والهمجية، وتعيد إلى الأذهان تلك المشاهد العنصرية المخزية، حين كان أجداد هؤلاء المجرمين الأميركيين يخطفون الزنوج من إفريقية، لاستعبادهم وإذلالهم وقهرهم في أميركة وأوروبة.
قضية الأسرى العرب والمسلمين في العراق و(غوانتانامو)، هي قضية إسلامية عامة تستهدف كل المسلمين في الأرض، ولا يجوز السكوت عليها، وبخاصةٍ إذا عرفنا الخلفية النفسية القَهريّة التي تنطلق منها أميركة في هذه القضية، فهي تستخدمها (فزّاعةً) لبثّ الرعب والخوف في قلوب العرب والمسلمين، وإجبارهم للسكوت على جرائمها الحالية، وعلى الجرائم المماثلة التي سترتكبها في العالَم الإسلاميّ.. فاليوم في العراق وأفغانستان، وغداً في بلدانٍ إسلاميةٍ أخرى.. وأخرى، فهل يسكت المسلمون على هذه القضية الخطيرة، وينتظرون أن تدور الدائرة الأميركية على كلٍ منهم تِباعاً -حُكّاماً ومحكومين-، طال الزمن أم قصر؟!..

 

قضية الأسرى العرب والمسلمين في العراق و(غوانتانامو)، هي قضية كل المسلمين في الأرض، والعمل على تحريرهم من أَسْرِهِم، واجبٌ شرعيٌّ إسلاميّ، وأخلاقيٌّ إنسانيّ، على كل فردٍ مسلم ما يزال فيه رمق من حياة!.. لأنّ عمليات إذلالهم وإخضاعهم والتنكيل بهم وامتهان كرامتهم وإنسانيتهم.. هي إذلال لكل العرب والمسلمين، ومَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم، ومَن يسكت على جرائم الصليبيين المجرمين الأميركيين والغربيين وعملائهم الفُرس فهو شيطان أخرس، ومَن لم تهزّه مثل تلك الجرائم والانتهاكات، بحق ثلةٍ من المؤمنين الشرفاء الذائدين عن حياض الإسلام.. فهو صنم من ثلجٍ أو جليدٍ متبلّد الحسّ، سيحاسبه الله عز وجل أشدّ الحساب، يوم لا ينفع مال ولا بنون، ويوم لا تنفع أميركة ولا بريطانية ولا إيران الشعوبية ولا أيّ جبارٍ في الأرض!..

 

الغَرَابَة في الأمر، أنّ أميركة ما تزال (تجترّ) ادعاءاتها الباطلة الهزيلة، بأنها بلد الحرية والحضارة وحقوق الإنسان!.. والأغرب من ذلك، أنه في الوقت الذي ارتفعت فيه بعض الأصوات الغربية، باستنكار هذا الانتهاك الأميركيّ الصارخ لحقوق الإنسان.. لم نسمع أو نشاهد أي مظهرٍ من مظاهر الأسف أو حتى التظاهر بالاستنكار، من أي جهةٍ عربيةٍ أو إسلامية، من أولئك الذين ما يزالون يملؤون الدنيا ويَشغَلون الناس، بادعاءاتهم وافتراءاتهم ومقولاتهم العريضة، التي تستنكر ما يُسمّونه بالإرهاب الإسلاميّ وتُدِينُه.
تأبى أميركة.. إلا أن تُعجّل في انهيارها وزوال قوّتها!.. فما بين المشاهد المخزية في (أبو غريب)، والمظاهر المقزّزة للنفوس في (غوانتانامو)، التي تستثمرها لتبرهن على تجرّدها من كل قيمةٍ إنسانيةٍ أخلاقيةٍ سويّة.. تكمن الحقيقة الثابتة الصارخة، التي تشرح بالصوت والصورة والألوان، مشهد الهلاك والانهيار القادم المروّع، الذي سيلتهم باطل أميركة وحضارتها الظالمة الزائفة، ويذهب بكلّ غطرستها وعنجهيتها وطغيانها وتحدّيها السافر للأسس الأخلاقية الإنسانية!.. فأي روحٍ خاويةٍ هي هذه الروح الأميركية!.. وأيّ عقلٍ ظلاميٍ هو هذا العقل الأميركيّ؟!.. الذي يتجاوز كلّ حدود الذوق والكرامة وطهارة النفس، وفطرتها التي فطر الله عليها الإنسان السويّ المتوازن.. فَيَعِيثُ فيها فساداً وتدجيناً وتشويهاً، لِيَعِيثَ بذلك في كل معنىً خُلُقيٍ إنسانيٍ كريم!.. وتريد أميركة بعد ذلك كله، أن تعيشَ آمنةً مطمئنّة، آناء الليل وأطراف النهار؟!..

 

الله الذي لا إله سواه، يعلم أنّ أميركة التي استجمعت في غطرستها كل الشرور البشرية.. لَتَسْتَوْجِبَنَّ منه عز وجل، القاهر الجبار المنتقم.. لَتَسْتَوْجِبَنَّ وَخِيمَ العاقبة، لأنّ سنّته سبحانه وتعالى، تقتضي بَتْرَ أصول الشرّ والظلم والبغي والطغيان من جذورها، فلتنتظر أميركة الطاغية الظالمة حُكْمَ الله بـها.. إنّا منتظرون.

( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً، وَأَكِيدُ كَيْداً، فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ) (الطارق:15،16،17)
15 نيسان 2009م.