أكذوبة إعمار العراق والأموال التي سرقت باسمه
24 ربيع الثاني 1430
سارة علي

بعض العراقيين كان يتوسم ـ للأسف ـ خيرا في الاحتلال الأمريكي للعراق, على اعتبار أن الأمريكيين سيقومون فعلاً بإعمار العراق ـ أو هكذا ظن البسطاء ـ وأنهم سيجعلونه من الدول المتطورة، خاصة وأن العراق كان يعاني من خراب كبير في العمران وفي البنى التحتية نتيجة للحروب المتعاقبة ونتيجة لأن الميزانية العسكرية في العراق تستنزف ما مقداره الـ 70% من الميزانية العراقية قبل الاحتلال.

 

لكن الذي حدث أن أيا من آمال الإعمار لم يتحقق بل زادت الخدمات سوءاً، وصار المواطن العراقي محروماً من الكهرباء إلا ساعتين في اليوم، إضافة إلى انقطاع الماء الدائم رغم وصول نسبة التلوث فيه إلى 35 % والأمر انعكس على كل مرافق الحياة في العراق، ولا يزال يسمع المواطن العراقي عن تخصيصات كبيرة لإعمار العراق وعن دول مانحة واستثمارات كبيرة وشركات إعمار، لكن لا يرى من ذلك شيئاً، فلا إعمار ولا أمواله التي تسربت سواء أكانت تلك الأموال من ميزانية العراق أو من دول أخرى ومنها أمريكا نفسها .

 

تقرير أمريكي أعده المفتش العام الخاص لإعادة أعمار العراقي، ستيوارت بوين، بين أن المشاريع التمهيدية الضخمة لإعادة بناء العراق تميزت بالإهدار والإخفاقات الناجمة عن "التخطيط الأعمى والمفكك" الذي استبق غزو العراق، وزادهما تدهور الأوضاع الأمنية تعقيدا.

 

وتساءل بوين، الذي تخوله سلطاته القضائية الإشراف على الأموال التي خصصها الكونغرس الأمريكي، وقدرها 50 مليار دولار لإعمار العراق: "لماذا بدأ تنفيذ مهام إعادة الأعمار بكثافة في غمار أجواء أمنية غير مستقرة" وعزا سبب عدم تحقق الأعمار في العراق إلى عدد من العوامل منها، سوء التخطيط والإهمال والفساد، باعتبارها من المسببات التي نهشت برامج إعادة إعمار العراق وتسببت بالتالي في إهدار مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين.
 ويلفت التقرير النظر إلى أن الحكومة الأمريكية "لم تكن مستعدة أو حتى قادرة على التجاوب مع المتطلبات المتغيرة على الدوام، لتأمين استقرار العراق.

 

وينتقد التقرير مبادرة الحكومة الأمريكية في بدء مشاريع الأعمار رغم عدم تأسيسها لبنى تحتية أو امتلاكها الموارد الضرورية لتنفيذ تلك المهام التي بدأتها في منتصف عام 2003
ويتناول التقرير بالتفصيل كيفية استخدام "بحر من دولارات دافع الضرائب الأمريكي" من منتصف عام 2002 وحتى خريف 2008

 

ويشير التقرير إلى إدانة قرابة 35 شخصاً بتهم سوء الإدارة في البرنامج الأمريكي لإعادة أعمار العراق، إلى جانب 154 تحقيقا مفتوحا في مزاعم رشاوى، وتضارب مصالح، وتقديم أدوات معطوبة، والتلاعب في مناقصات , واستشهد التقرير بمشروع سجن "خان بن سعد" في محافظة ديالى، الذي أنفقت الولايات المتحدة 40 مليون دولار، حتى اللحظة، على بنائه، ويبلغ إجمالي تكلفة تشييده 73 مليون دولار، فيما توقفت عمليات التشييد منذ سنوات.
ومع وجود تخصيصات مالية كثيرة لما يسمى إعمار العراق وعدم لمس ذلك الإعمار على ارض الواقع دفع سلطات التحقيق في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أول تحقيق من نوعه، فيما يدعى بأكبر عملية احتيال في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، ومعرفة الدور الكبير الذي لعبه ضباط الجيش الأمريكي في هدر 125-240$ بليون في عمليات إعادة أعمار العراق بعد الغزو الأمريكي 2003

 

ولم يصرح عن المبلغ الحقيقي لحد الآن، لكن المحقق الأمريكي الخاص في لجنة إعادة إعمار العراق سيكر ذكر أن المبلغ قد تجاوز 50 بليون دولار ، مما يجعله اكبر مخطط لعمليات سرقة وذكر احد رجال الأعمال الأمريكيين العاملين في العراق منذ 2003 " أنا أؤمن أن النهب الحقيقي للعراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة كان على يد الضباط الأمريكيين والمقاولين ، وليس من قبل الناس الفقراء في بغداد, أيضا الفريق العامل مع سيكر كشف في قضية أخرى عن 57.8 بليون دولار قد تم إرسالها بشكل فواتير ببلايين الدولارات إلى المراقب الأمريكي لوسط وجنوب العراق ( روبرت ستين ) الذي صور نفسه وهو يقف مع أكوام الدولارات وبين عدد من الضباط الأمريكيين الكبار الذين أدينوا في عمليات السرقة وغسيل الأموال في العراق وقد بدأ المحققون الفدراليون تحقيقاً موسعا مع ضباط كبار في الجيش الأمريكي المشتركين في عمليات إعادة الأعمار.

 

وقد كشفت السجلات المصرفية للعقيد أنتوني بي بيل وهو ضابط تقاعد الآن من الخدمة العسكرية الأمريكية لكنه كان المسئول عن عقود إعادة الأعمار في العراق عام 2003-2004 عن عمليات نهب كبيرة من الأموال المخصصة لأعمار العراق وكذلك الحال مع ضابط القوة الجوية المقدم رونالد هرتل وهو المسئول عن عمليات التعاقد في بغداد عام 2004 ، وقد تم الكشف عن عدد من الضباط المتورطين في العمليات تلك واغرب عملية هي التي حدثت بالاشتراك مع الضباط الأمريكيين، ففي عام 2004 و 2005 سحبت من ميزانية وزارة الدفاع العراقية ما قيمته 1.3 بليون دولار، مقابل مروحيات سوفيتية عمرها 28 سنة وهي غير مؤهلة للطيران وكذلك بعض السيارات والمدرعات قابلة للاختراق من قبل رصاص البندقية، وقد وجهت أصابع الاتهام في ذلك إلى ضباط عراقيين، وبالنظر إلى الحقائق نجد أن وزارة الدفاع العراقية في ذلك الوقت كانت تحت سيطرة الجيش الأمريكي، ولابد أنهم تغاضوا عن ذلك أو تورطوا معهم في عملية الاحتيال تلك وكل ما في الأمر أن الأمريكان يحصلون على النسب الأكبر من تلك الأموال ويتركون الفتات منها لمن يعمل تحت إمرتهم من العراقيين ,ولعل الأمر لم يقتصر على الميزانيات المخصصة من الخارج لإعمار العراق لان إنتاج النفط في العراق يصدر ,فأين تذهب واردات العراق؟ فبعد أن كان إنتاج النفط يبلغ 2.58 مليون برميل يوميا قبل الغزو صار يتراوح الآن بين 2.3 مليون و2.4 مليون برميل يوميا وقبل الغزو كانت الميزانية العراقية يستهلكها التحصين الدفاعي والتسليح العسكري والمفروض اليوم تعود واردات بيع النفط على الشارع والمواطن العراقي, فأين تلك الأموال وماذا جنا المواطن العراقي وأين الإعمار ؟ فست سنوات من الاحتلال والسابعة على الأبواب ولا زالت بغداد حالكة الظلام لان إعادة إعمار المنظومة الكهربائية لم يتم لحد الآن وبينما تتجه الدول على انجاز مشاريع الأعمار والبناء بأفضل العروض واقل التكاليف نجد أن نقيض ذلك يحدث في العراق فالتعاقد على إعادة المنظومة الكهربائية وقع مع شركات حصلت على أعلى المبالغ تكاد تكون أكثر من ضعف ما يتم به انجاز مثل هذه الأعمال في دول أخرى غير العراق ومع ذلك فلا يلمس المواطن العراقي أي لمسة إعمار ولم يشاهد أي رافعة بناء إلا التي تشيد السفارة الأمريكية في حصون المنطقة الخضراء وحتى إذا فكر الأمريكان في إعمار بدءوا في بناء السجون كما هو الحال في سجون جديدة كثيرة بنيت في محافظات العراق المختلفة ولم يبنَ مشفى واحد أو جسر جديد واحد ولعل المضحك المبكي في الأمر أن العراقي لو شاهد نشرة الأخبار الاقتصادية في أي فضائية عراقية لهاله ما يسمعه من كثر العقود والاستثمار في العراق والمشاريع التنموية والصناعية، وكل ذلك حبر على ورق وما تم إعماره هو جيوب المقاولين والقادة الأمريكان والشركات الكبيرة المملوكة للساسة والمسئولين الأمريكان وما عمرت هي جيوب هؤلاء وليس العراق .