مماحكات التأويل في مناقضات الإنجيل
10 ربيع الثاني 1430
منذر الأسعد

الكتاب: مماحكات التأويل في مناقضات الإنجيل
تأليف: أحمد فارس الشدياق
تحقيق: محمد أحمد عمايرة
الناشر: دار وائل-الأردن/2003م
145صفحة/ قطع متوسط

***

 

قيمة هذا الكتاب لا تنفصل عن قيمة كاتبه. فالرجل نصراني أصلاً وليس من عائلة مسلمة.
ولعل ذلك ما دعا محقق الكتاب إلى البدء بتعريف القارئ بشخصية فارس الشدياق، فهو لغوي وأديب بارع وُلِد لعائلة نصرانية مارونية في عشقوت بلبنان عام 1805م.
تحول أخوه عن المارونية إلى البرتستانتية فلقي عنتاً شديداً وتم سجنه فترك ذلك أثره السيئ في نفس فارس وانتهى به المطاف باعتناق الإسلام، وأضاف اسم أحمد إلى اسم فارس ليصبح:أحمد فارس الشدياق. وكان للرجل عطاء كبير في دنيا الأدب واللغة والإعلام وما زلنا نستخدم كثيراً من الكلمات التي قام بتعريبها، مثل:الباخرة-الجريدة.....

 

يبدأ الشدياق كتابه ببيان أن الوقوع في التناقض يكفي لنفي الوحي عن أي كلام يزعم أهله أنه موحى به من الله، وهذا هو شأن الأناجيل الأربعة التي يقدسها النصارى، فهي متناقضة في ما بينها، فضلاً عن وقوع التناقض حتى في الإنجيل الواحد.
وهو يلاحظ سكوت مدوني ثلاثة من تلك الأناجيل عن ذكر أهم معجزات عيسى بن مريم عليه السلام كإحياء الموتى بإذن الله، وقد انفرد يوحنا بروايتها، فكيف يتجاهلها الآخرون على أهميتها القصوى، وبخاصة أن واقعة كهذه حدث استثنائي يثير اهتمام الجميع!!

 

وفي المقابل يسخر الشدياق من كتبة الأناجيل الذين يهملون القضايا الجوهرية فلا تحظى إلا بمتابعة واحد منهم، لكنهم يسجلون جميعاً أن المسيح ركب سفينة ثم خرج منها..... من وقائع عادية لا صلة لها بالدين!!
ثم ينقل الشدياق نماذج مما أورده أصحاب الأناجيل المحرفة من نسبة أمور إلى المسيح عليه السلام لا تليق بمن هم دونه. ومع أنه وعد في مقدمته بأن يعرض التناقضات التي يتجاهلها النصارى اليوم بين الأناجيل الأربعة وفي الإنجيل الواحد على حدة وبين الأناجيل والتوراة التي يسمونها العهد القديم وبين الأناجيل وما يطلقون عليه أعمال الرسل - تلاميذ للمسيح لم يروه ولم يلتقوه مثل بولس محرّف النصرانية الأكبر!!-. مع ذلك يبدو أن المؤلف اكتفى بهذا الحشد من التناقضات القاطعة التي يكفي واحد منها لإقناع العاقل باستحالة أن يكون كتاب يتضمنها وحياً إلهياً.
وقد بلغت التناقضات التي ساقها المؤلف 176تناقضاً، تركز أكثرها على الاختلافات الجذرية في رواية الواقعة الواحدة. وقد تفاوتت المساحة التي خصصها الشدياق لمناقشة كل فقرة بحسب أهميتها ومدى المفارقة فيها.

 

ولسنا نغمط الدكتور عمايرة حقه إذا سجلنا دهشتنا من غياب أثره في الكتاب ما عدا مقدمته الجيدة التي تعرّف القارئ بعامة بالشدياق الذي تمكن النصارى المسيطرون على كثير من وسائل الإعلام العربية أن يعتموا عليه بالرغم من عبقريته على الأقل في مجال اللغة والأدب. فنحن لا نعثر على ملاحظة للمحقق ولا على نسخ يقارن بينها ولا معلومة يضيفها أو يصححها... بل إن المرء ليعجب من نقطة جاءت في مقدمة المحقق ألا وهي ادعاء أن الكتب التي ألّفها أحمد فارس الشدياق في هذا الميدان كانت تعبيراً عن علاقته المتوترة بالكنيسة!! ولماذا لا يكون الرجل مدفوعاً إلى خوض هذا الحقل بإسلامه الذي تحرر به من أوهام النصرانية المحرفة؟