أميركة الحريصة على العدالة وحقوق الإنسان !..
9 ربيع الثاني 1430
د. محمد بسام يوسف

المتابع للجرائم الكثيرة الفظيعة، التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأميركية -وما تزال ترتكبها- بحق البشرية وبخاصةٍ العرب والمسلمين.. يبدو له الأمر وكأنّ هذه الدولة، لم تؤسَّس إلا لتكون خنجراً مسموماً في خاصرة العالَم، تماماً كما هو الكيان الصهيونيّ، الخنجر المسموم المزروع في قلب العالَم الإسلاميّ!.. وما بين الخنجريْن الغادِريْن.. يسير العالَم إلى حتفه، باستخذاء الأنظمة وتواطئها وخنوعها تارةً، وباستكانة الشعوب وتخلّيها عن دورها المجاهد الفاعل.. تاراتٍ وتارات!..
نذكّر في هذا المقام، بأنّ المجتمع الأميركيّ قد تأسّس وقام على ارتكاب جريمةٍ بالغة الشدّة من الإرهاب والعدوان، تتمثّل في إبادة أصحاب الأرض الأصليّين، هم الهنود الحمر!.. وهي جريمة دَوْلية عظمى، مسكوت عنها حتى اليوم، وتقوم على ركنَيْن أساسيَّيْن هما: إبادة البشر، واغتصاب الأرض والوطن!.. ولا تماثلها أي جريمةٍ في العصر الحديث، إلا جريمة تأسيس الكيان الصهيونيّ وإقامة مجتمعٍ يهوديٍ صهيونيٍ عنصريٍ في فلسطين، بعد اقتلاع شعبٍ كاملٍ من أرضه، هو الشعب الفلسطينيّ!.. ومحاولات اقتلاع أهل السنّة من أرض العراق، على أيدي الاحتلال الصفويّ الفارسيّ، بمباركةٍ ودعمٍ كاملَيْن من القوات الأميركية.
المجتمعان: الأميركيّ والصهيونيّ، مؤسّسان -أصلاً- على الإرهاب والعدوان وإبادة الجنس البشريّ واغتصاب الأرض.. فهل نستغرب بعد ذلك كله، ما نشهده من تحالفٍ وثيقٍ عميقٍ بين أميركة والكيان الصهيونيّ؟!..
من هذه الحقيقة التاريخية يمكن لنا أن نفهم بوضوح، لماذا كانت قضية فلسطين وثيقة الصلة، بالكراهية الشديدة التي تَلْقاها أميركة من شعوب العالَم الإسلاميّ (وهي تستحقّها)، ومن هذه الحقيقة أيضاً، يمكن لنا أن نفسّر لماذا يضطرّ كل عربيٍ أو مسلمٍ ينتصر لفلسطين وشعبها المضطهَد، للصدام مع أميركة بالضرورة!..
*     *     *
إنّ أميركة إذن، دولةً ومجتَمَعاً، قامت على الإرهاب والعدوان والإبادة واغتصاب الأرض، وجرائمها الرهيبة التي أعقبت تأسيسها وتشييد بنيانها، لا يمكن حصرها:
- أكثر من مليوني ضحيةٍ في العراق، ثلاثة أرباعهم من الأطفال والنساء.. وذلك منذ بداية الحرب العدوانية التي شنّتها الولايات المتحدة عليه، وما سبقها من حِصارٍ ظالمٍ.. وحتى اليوم!.. وارتكاب مختلف أنواع الجرائم التي عرفها البشر، في العراق المحتلّ، قتلاً وسَجناً وقمعاً واضطهاداً وتشريداً وتدميراً ونهباً واغتصاباً واستباحةً لكل حقٍ إنسانيٍ وآدميّ!..
- ما يقرب من ثلاثة ملايين ضحية، معظمهم من المدنيين، في فيتنام!..
- مئات الآلاف من الضحايا في أميركة اللاتينية والجنوبية، بدعمٍ ماليٍ وتسليحيٍ وتدريبيٍ وسياسيٍ وعسكريّ.. لبعض العصابات والأنظمة والمافيات!..
- مئات الآلاف من الضحايا في كمبودية وكورية!..
- ملايين الضحايا (قتلى وجرحى ومشرّدين) في فلسطين وسورية ولبنان ومصر والأردن، على أيدي الكيان الصهيونيّ، بدعمٍ كاملٍ من الولايات المتحدة، وبالسلاح الأميركيّ!..
- أكثر من ربع مليون ضحيةٍ من المدنيين، في هيروشيما وناغازاكي اليابانيّتيْن، بالقنابل النووية التي لم يستخدمها في تاريخ الأرض إلا الأميركيون!..
- ملايين الضحايا، بدعمٍ أميركيٍ كامل، في العديد من دول إفريقية وآسية، مثل إندونيسية وبورما والفيليبين والصومال والسودان وليبية والجزائر وتونس و..
- ملايين الضحايا في هذا العالَم، بتخطيطٍ أو دعمٍ أميركيٍ للكثير من الأنظمة الدكتاتورية، التي ترعى مصالح أميركة أو حلفاءها!..
- آلاف الضحايا المدنيين في أفغانستان، معظمهم من النساء والأطفال، وما تزال جرائم القتل والحرب الأميركية مستمرّة حتى الآن!..
- أميركة التي تحارب العالَم، وتملأ الدنيا عويلاً ونباحاً، ضد استخدام الأسلحة المحرّمة دولياً.. هي الدولة الوحيدة في العالَم، التي تملك كل الأسلحة الفتاكة، وتسرّبها إلى مناطق أخرى في هذا العالَم، ولا تتوانى عن استخدامها مباشرةً، من غير أي اعتباراتٍ أخلاقية أو دولية.. وما تزال تستخدم بعض هذه الأسلحة الفتاكة المحرّمة دولياً في أفغانستان والعراق حتى هذا اليوم، من القنابل الغازية والانشطارية والفراغية والعنقودية وقذائف اليورانيوم المستنفد.. وغيرها!..
- أميركة التي تزعم حرصها على البيئة في هذا الكوكب الذي نعيش على سطحه، هي أول الدول التي تنتهك البيئة، بصناعاتها التي ترفض إخضاعها للشروط الدولية أو لرقابتها، وبتجاربها النووية والكيميائية والبيولوجية!..
- أميركة التي تحارب الدنيا كلها، بدعوى عدم الالتزام بحقوق الإنسان.. هي الدولة التي ضربت الرقم القياسيّ، في الفتك والسحق وسفك الدماء وإذلال الإنسان وإخضاعه بالقوّة الغاشمة، هنا وهناك في هذا    العالَم.. وهي التي قتلت الأسرى - ما تزال- بدمٍ باردٍ في أفغانستان والعراق!.. وهي التي قتلت المدنيين في العراق -وما تزال-، وهي التي حصدت أرواح مئات النساء والأطفال والعجائز في ملجأ العامرية في بغداد إبّان حرب عام 1991م، من الذين فرّوا -أصلاً- من نيران القصف الوحشيّ الهمجيّ الأميركيّ، لاجئين إلى الملجأ المعدّ لحمايتهم من أهوال الحرب!.. ولم يفعل ما فَعَلَته وتفعله أميركة إلا ربيبها المدلّل: الكيان الصهيونيّ، وبدعمٍ وتشجيعٍ كاملَيْن منها!.. ونذكّر هنا، بأنّ مجزرةً كمجزرة (قانا)، التي اقترفها الصهاينة في لبنان، هي نسخة مطابقة لمجزرة ملجأ العامريّة، التي اقترفها الأميركيون في العراق!..
- أميركة التي تزعم أنها تحارب الإرهاب، هي الدولة المتصدّرة للإرهاب الدوليّ، بإرهابها الشعوب والأمم، وشنّ الحروب الظالمة، ودعم الأنظمة الدكتاتورية الإرهابية العميلة، التي تفتك بشعوبها لتحقيق المصالح الأميركية.. وبدعمها غير المحدود للكيان الصهيونيّ الإرهابيّ، الذي يرتكب الفظائع بحق المدنيين من الأطفال والنساء والرجال، والبيئة والزرع والضرع.. بمباركةٍ وتغطيةٍ كاملتَيْن من أميركة والغرب الصليبيّ المجرم، وهي (أي أميركة) الدولة التي تؤوي العصابات الإرهابية، وتدرّب أفرادها، وتفتح لهم المعسكرات، وتزوّدهم بالمال والسلاح والعتاد.. لزعزعة استقرار بلدانهم الأصلية في القارّة الأميركية!..
- أميركة التي تزعم أنها دولة الحرية والقانون والحضارة، هي التي ابتدعت سياسة الكيل بمكيالَيْن، فأسّست بذلك لأشدّ المبادئ غير الإنسانية ظلماً وقهراً للإنسان، وابتكرت بذلك صنوف التحيّز والاستفزاز ونصرة الباطل.. فبذرت بذور الدمار والخراب، في هذا العالَم الذي نعيش فيه!..
- أميركة هي الدولة المجرمة الشاذة بكل المقاييس، التي ارتكبت -وما تزال ترتكب- كل أنواع الجرائم بحق البشرية، وابتكرت الكثير منها!.. خاصةً ضد العرب والمسلمين، بتغطيةٍ وصمتٍ وتواطؤٍ كاملٍ مما يسمى بمنظمة الأمم المتحدة!..
 مع ذلك.. مع كل ذلك، نجد أبواق أميركة الناعقة، من العملاء المتأمركين والمتصهينين، في بعض البلدان العربية والإسلامية وأجهزتها الإعلامية والصحفية، من الذين تنكّروا لعروبتهم وإسلامهم وحضارتهم.. نجد هؤلاء ما فتئوا يردّدون مقولاتهم الاستفزازية الاتهامية، عن الإرهاب الإسلاميّ، والإرهابيين المسلمين!.. ونجدهم يهبّون هبّة رجلٍ واحد، انتصاراً لمزاعم ما يُسمى بالمحكمة الجنائية الدولية، ضد السودان العربيّ المسلم!..
*     *     *
أميركة وحلفاؤها وعملاؤها.. تخطّوا الدرجة الإجرامية، وتجاوزوا عتبة الظلم والجبروت والربوبية  المزيّفة، التي كانت العِلّة الحقيقية لسير سنّة الله في أرضه، بحق عادٍ وثمود وفرعون وهامان ونيرون وكسرى وقيصر وهتلر وهولاكو وجنكيز خان.. وغيرهم من الأباطرة الظالمين، والإمبراطوريات الزائلة، التي أبادها الله عز وجل قاهر الجبّارين، على أيدي المظلومين المقهورين المعذّبين!.. (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاق) (غافر:21).
*     *     *