العلاقات المتبادلة بين شيعة السعودية وإيران
6 ربيع الثاني 1430
الهيثم زعفان

الدارس للمذهب الشيعي يعلم جيداً حجم الارتباط العضوي بين عوام الشيعة وعلمائهم، ويدرك مدى التأثير التوجيهي والعاطفي لخطبهم وكتاباتهم في نفوس العوام، فهو تأثير عقدي قائم على الإكبار والتجليل، ولما كان للموجه هذه المكانة في نفوس المتلقين فبدهي أن يتحرك المتلقي تبعاً لمراد الموجه.
وارتباط شيعة المملكة العربية السعودية بعلماء إيران متكرس في أدبيات وتصريحات شيعة البلدين، وتجربة الخميني خير دليل على الترابط بين النسيج الشيعي داخل وخارج إيران يقول الكاتب الشيعي نجيب الخنيزي " إن الإمام الخميني ولأول مرة في تاريخ الشيعة الحديث كان مرجعاً دينياً وسياسياًً في آن واحد، وكانت إيران والمملكة تعيشان صراعاً حاداً بشأن مسائل عديدة، ولا شك في أن انتصار الثورة في إيران، وبقيادة علماء دين، أعطى دفعة معنوية لشيعة المملكة، وضمن هذه الحدود كان الأمر مقبولاً وطبيعياً، فالتموجات السياسية تؤدي إلى انعكاسات محلية ليس فقط على فئة محددة من السكان بل على مجمل البلدان والشعوب المجاورة، ويكون تأثيرها بحجم الخلل الداخلي القائم".
وتتجسد العلاقة الوجدانية بالخميني عند شيعة المملكة بالحرص على تزيين حوائط منازلهم بصور الخميني مع رفعهم لصوره في مظاهراتهم بين الفينة والأخرى. هذا فضلاً عن تنشئة الأبناء على الاقتداء التربوي والعقدي بالخميني وأطروحاته الفكرية والعقدية.
ويؤكد شيعة المملكة على ارتباط قطاع عريض منهم في مرجعيتهم التوجيهية بعلماء إيران حيث يقول المفكر السعودي الشيعي الدكتور فؤاد إبراهيم مؤلف كتاب تطور الفكر السياسي الشيعي " من حيث الانتماءات المرجعية يوجد بين شيعة المملكة قسم يرجع إلى السيد علي السيستاني في النجف الأشرف، وقسم آخر يرجع إلى السيد علي الخامنئي والسيد محمد صادق الروحاني والسيد صادق الشيرازي في إيران، وقسم منهم يرجع إلى السيد محمد حسين فضل الله في لبنان، لكن نسبة كل قسم من هذه الأقسام غير معلومة. وأتباع نظرية ولاية الفقيه المطلقة، كما هو الحال بالنسبة للسيد الخميني في السابق والخامنئي الآن، يرون أنه "لولي أمر المسلمين ولاية على مقلديه خارج الحدود، بحيث لو أصدر حكماً فعليهم اتباعه".
وهناك عدد غير قليل من علماء شيعة المملكة قد أتم دراسته الدينية على يد علماء إيران ومنهم حسن الصفار والذي أتم دراسته الدينية في قم بإيران ثم أقام بعد ذلك في إيران عشر سنوات من عام 1400 إلى 1410 هـ  - توفي اباه العام 1374هـ وهو في طريقه من إيران إلى العراق- وعلى الرغم من اتصاف الصفار بالمعتدل داخل المملكة إلا أنه لا ينكر تبعية شيعة المملكة للخارج وإن كان يحاول التخفيف بأن التبعية إنما هي دينية فقط أما التبعية السياسية فهي للمرجعيات الشيعية المحلية، وفي ذلك يقول الصفار في مقابلة مع قناة العربية " أغلبية شيعة المملكة مرجعيتهم في النجف، وهناك قسم من المواطنين الشيعة مرجعيتهم في قم، ولكن سواء كانت المرجعية في قم أو في النجف فإنها في إطار الفتاوى الدينية والقضايا الدينية، فيما يرتبط بالوضع السياسي فالقيادات المحلية الشيعية هي التي تتعاطى مع هذه الأمور دون أي تدخل من المرجعيات في قم أو في النجف" نلاحظ هنا أن الصفار قد أحال التبعية السياسية لعلماء الشيعة في الداخل وليس للدولة السعودية ومعلوم أن علماء الداخل أشد تبعية لعلماء الخارج من العوام.
 ويؤكد الصفار على هذه العلاقة في مقابلة أخرى مع صحيفة " سعودي جازيت بقوله "علاقتنا مع المجتمعات الإسلامية المجاورة طيبة وخاصة على مستوى العلاقة الدينية والثقافية حيث نتواصل مع المرجعيات الدينية والحوزات العلمية في إيران والعراق".
 وعن تقييمه لعلماء إيران يقول الصفار في مقال بجريدة الشرق الأوسط "الإيرانيون أصبحت السلطة بيد علمائهم منذ ربع قرن، ودولتهم من أقوى دول المنطقة".
وإذا كان الصفار يرى أن المرجعية لإيران هي في النواحي الدينية فقط أما الشأن الداخلي فمرده إلى القيادات الشيعية المحلية فإن التصعيد الأخير في أحداث البقيع وما تبعه من تصريحات شيعية لا يختلف عن ذات الرؤية التصعيدية الإيرانية للحدث فهذا  نمر النمر أحد زعماء الشيعة بالقطيف يهدد على خلفية أحداث البقيع نظام الحكم السعودي بالأخذ بخيار الانفصال قائلاً: "كرامتنا أغلى من وحدة هذه الأرض" وتابع مستنهضاً ومحرضاً شيعة السعودية "لن تنالوا عدلاً إلا بالجهاد".
ولا عجب أن تأتي تصريحات النمر مشابهة لتصريحات كثير من الإيرانيين حول الحدث ذاته، فنجد محمد علي ابطحي مساعد الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي يقول في مقال نشر في موقع "عصر إيران"  "إن الحكومة السعودية وقعت في خطأ تاريخي عندما وضعت المناخ السياسي في السعودية بتصرف المتطرفين الوهابيين ومنحت مكانة أكثر من اللازم لعلماء الدين المتعصبين لكي تجعل الوهابية سداً أمام تنامي التشيع". وأضاف مهدداً "إن الشيعة في السعودية هم أكثر عدداً من الوهابيين، وإذا ما استمر هذا الضغط فإن السعودية ستواجه ضغوطاً داخلية غير قابلة للتصور".
وفي ذات التوقيت أتت خطبة الجمعة حول أحداث البقيع لآية الله أحمد خاتمي، وهو واحد من أكثر علماء الدين قرباً من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي حيث هاجم بعنف الحكومة السعودية في تعاملها مع الملف الشيعي وأوضح "أن ايران تدعم ما أسماهم بالمظلومين في السعودية، متسائلاً: " لماذا لا تمنح الحكومة السعودية سکانها من الشيعة حقوقهم على حد زعمه". مزيناً كلامه بتهديد واضح وصريح بقوله " إن إيران لا تسمح بتعرض أي شيعي ومسلم في أي بقعة من العالم للظلم". كما هاجم خاتمي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشدة بالغة بقوله " إن الوهابيين المتطرفين ليسوا من السنة، فهم باسم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر يرتکبون المنکر ويخلقون المشاکل للايرانيين ويسلبون راحتهم في اعمال العمرة".
وقد قام المرجع الديني في مدينة قم، لطف الله صافي کلبايكاني بالتصعيد أيضاً في ذات التوقيت باتهامه زوراً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  بقيامها بالتعدي على الحقوق الإنسانية والإسلامية في تعاملها مع أحداث البقيع".
فهل هو مجرد توارد خواطر أن تأتي تصريحات علماء إيران وساستها المهاجمة للحكومة السعودية ولهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المباركة متزامنة مع تصعيد شيعة الداخل لوتيرة الحدث المفتعل، ومهاجمتها للحكومة وللهيئة بهذه الصورة المشينة؟ وهل للصفار أن يقول الآن ليس لإيران سلطان على علماء الشيعة في الداخل؟.
إن الإجابة التوضيحية على هذا التساؤل قدمها مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو بقوله " إن ايران تأبى إلا أن تنال من المملكة العربية السعودية تارة ومن جمهورية مصر العربية تارة اخرى، وتأبى إلا أن تتدخل في الشؤون الداخلية لكلتا الدولتين العربيتين، فتحرّض الشيعة في السعودية على أولياء أمورهم، كما تغمز من عقيدة اهل السنة والجماعة من خلال الادعاء أن الوهابيين ليسوا من أهل السنّة". ويضيف فضيلته " لقد انكشف دور إيران الخبيث في المنطقة، وكيف أنها تزرع المصائب والكوارث في العالم العربي وتقف وراء الفتن المذهبية، ثم تستغل هذه الكوارث أبشع استغلال، فلم يعد خافياً على العرب خصوصاً وعلى المسلمين عموماً ما تقوم به ايران من تحريض للشيعة على السنّة في السعودية والكويت والبحرين".
تبقي نقطة أخيرة في علاقة شيعة المملكة بإيران وهي " الخمس" والذي يخرجه شيعة المملكة لصالح العلماء في الداخل والخارج والذي يبدو أن فيه نوع من التلاعب والتواطؤ بناء على ما قاله الكاتب الشيعي "جواد الحاج" في مقال مطول نشره موقع (آفاق) 16 سبتمبر 2008 بأن الشيعة في لبنان والعراق وإيران استولوا على مئات الملايين من الدولارات من أموال الأخماس والزكوات والتبرعات من الشيعة السعوديين، فالأموال تذهب إلى جيوب علماء الدين في داخل الوطن وخارجه! ليتنعم بها الإيرانيون والعراقيون واللبنانيون باسم التشيع والطائفة!". واتهم الكاتب علماء دين شيعة سعوديين بالتواطؤ مع مؤسسات دينية في تلك الدول لامتصاص  الأموال.
علاقات متبادلة بين شيعة السعودية وإيران لا تقف عند حدود الاسترشاد الفقهي والتعاليم الدينية فقط كما يحاول البعض توصيفها لكنها تمتد لأبعد من ذلك لتعبر وفق النصوص الشيعية التي بحثنا عنها في أروقة الشيعة وكتابتهم عن منظومة متكاملة ولاية الفقيه قبلتها وجباية الخمس دعامتها واضطرابات شيعة الداخل أدواتها.