قضايا ساخنة في الانتخابات المحلية التركية
3 ربيع الثاني 1430
طه عودة
تعيش تركيا حاليا على وقع الانتخابات المحلية والتي تشهد منافسة حامية بين مرشحي الأحزاب السياسية.وبحسب كثير من المراقبين فإن هذه الانتخابات تتمثل بإمكانية استمرار سيطرة حزب العدالة والتنمية الإسلامي على أكبر عدد من البلديات الأمر الذي يقدم صورة واضحة عن حالة التغيير السائدة في تركيا من خلال تعامل الشعب التركي مع الأحداث.
 
وتأتي الانتخابات المحلية التركية في وقت تمر فيه الساحة الداخلية بظروف استثنائية وتختلط فيها الأوراق ففي المقدمة الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة في البلاد كما قضية أرنغيكون المنظمة السرية المتهمة بالإطاحة بحكومة إردوغان ومحاكمة أعضائها كما تزداد سخونة هذه الانتخابات بسجالات ومحاولات العلمانيين والقوميين الأتراك عرقلة فوز حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان كما أنها تعتبر واحدة من أكثر الانتخابات المحلية طرحا ومناقشة لقضايا داخلية وخارجية على شكل واسع لم يحدث أن عرفتها الانتخابات المحلية التركية منذ عقود.
 
حزب العدالة الأول في تركيا:
المتتبع للأحداث في تركيا يشعر بأن المعادلة السياسية الحالية في سبيلها إلى الاستمرار لسنوات ولا يظهر في الأفق ما يشير إلى أن المعارضة ستكون قادرة على تغيير هذه المعادلة على الرغم من تلفيق أحزاب المعارضة التهم الواحدة تلو الأخرى لحزب العدالة والتنمية الحاكم وعلى الرغم من ذلك فالنتيجة ستكون لصالح حزب العدالة والتنمية الذي تشير كافة الاستطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا في تركيا من أنه سيتمكن من الفوز في الانتخابات المحلية.وحسب استطلاع نشرت نتائجه صحيفة "حرييت" العلمانية ذكرت أنه قبل أيام على موعد الانتخابات المحليةالتركية أشارت إلى نشوب معركة ضارية خلال هذه الانتخابات على ما أعتبرته الصحيفةالبؤر الساخنة في البلاد بين الخصوم السياسيين موضحة أن السباق سيكونمتقاربا في أنقرة بين حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية الحاكم وحزب الشعبالجمهوري وهو حزب المعارضة الرئيسي في البلاد.
 
وأشارت نتائج الاستطلاع إلىأن مرشح حزب العدالة والتنمية ميليح جوكجك سيحصل على 8ر32 في المائة ومرشح الحزبالشعبي الجمهوري مراد كارايالجين على 6ر27 في المائة ومرشح حزب الحركة القومية منصورإيواز على 1ر25 في المائة من أصوات الأشخاص المشاركين في الاستطلاع.
 
إردوغان الأكثر شعبية في تركيا:
قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات تعهد رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان بالتنحي عن رئاسة حزبه العدالة والتنمية الحاكم إذا ما حل حزبه في المركز الثاني في انتخابات المجالس البلدية على اعتبار أن الإرادة الشعبية التي ستفزرها صناديق الاقتراع هي مقياس للرضا الشعبي على أداء الحزب في السلطة وذلك في تحدى واضح لأحزاب المعارضة حيث طالب إردوغان من باقي زعماء الأحزاب الأخرى بايكال وباهشلي أن يقدما على نفس تلك الخطوة إذا كانا على ثقة تامة بالفوز في الانتخابات غير أنه من الملاحظ أن شعبية حزب العدالة بزعامة إردوغان تزداد ثقلا يوما بعد يوم وذلك من خلال الجولات المكثفة التي يجريها إردوغان في عديد من محافظات تركيا ولقاءه مع الجماهير عارضا برنامجه الجديد ومصبا جام غضبه على زعماء أحزاب المعارضة وأكاذيبهم خصوصا زعيم حزب الشعب الجمهوري دنيز بايكال.
 
وكان حزب العدالة والتنمية قد اكتسح قبل خمس سنوات مقاعد بلديات 57 مدينة من أصل 80 بعدما حصل على أكثر من 42 في المائة من الأصوات في نتيجة اعتبرت حينها مصادقة شعبية على سياسة الحزب الحاكم في السلطة.
 
تكتيك انتخابي جديد:
لجأ حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان التركي إلى تكتيك جديد في هذه الانتخابات بتغيير برنامجه السياسي مؤقتا للتأقلم مع متطلبات القطاعات الكبيرة والمتغيرة من الناخبين فقد فاجأ الحزب العلماني الأتاتوركي بضم مجموعة محجبات في عضويته ومنح زعيمه دنيز بايكال وسام شرف الحزب لإحداهن في مشهد فاق كل التوقعات‏ الأمر الذي أثار جملة من حالات الذهول والتساؤل في الأوساط السياسية والإعلامية حول تغير سياسات الحزب المعروف بعدائه للحجاب ولتصديه لمظاهر الإسلام في الحياة العامة‏ وعلى الرغم من تفسير المقربين من الحزب هذا التطور الذي أصاب حتى أنصاره بالذهول بأنه مؤشر لتحول كبير في ‏مسيرة الحزب وتوجهاته لتتناسب مع توجهات الشعب ذي الغالبية الملتزمة‏‏ فإن المحللين السياسيين رأوا أن هذه التحركات مجرد تكتيك مؤقت حتى موعد الانتخابات يهدف به الحزب إلي رفع أسهمه المتدهورة في الانتخابات المحلية.
 
في هذه الأثناء يراهن دنيز بايكال زعيم الحزب على الأصوات التي ستبحث عن بديل لحزب العدالة والتنمية الذي سيواجه صعوبة كبيرة في الحفاظ على قاعدته الانتخابية بعد ارتفاع نسبة البطالة في البلاد.
 
الأحزاب الكردية في الانتخابات:
لاشك أن هناك تساؤلات عديدة لا يمكن حصرها في هذا الشأن ولكن ما يهمنا في هذا المقال هو التساؤل: إلى أين ستذهب أصوات المواطنين الأكراد؟.الظاهر للعيان أن حزب المجتمع الديمقراطي( الموالي للأكراد في البرلمان التركي) ما زال مسيطرا على البلديات في المناطق الجنوبية الشرقية ذات الأغلبية الكردية على الرغم من أن شعبية حزب العدالة والتنمية أصبحت تضاهى شعبية الحزب الكردي.
 
وتعتبر "ديار بكر" معقل الأكراد التي يسيطر عليها الحزب الكردي هي معركة كسر العظم بين حزب إردوغان وحزب المجتمع الديمقراطي الكردي (22 نائبا) الذي يعيش حالة من القلق الشديد من إمكانية تحالف قادة أكراد العراق مع حزب العدالة والتنمية ضد حزب العمال الكردستاني مما سيؤثر سلبا على إمكانية نجاح حزب المجتمع الديمقراطي في الانتخابات وستكون نكسة تاريخية للتيار القوي اليساري الكردي إذا استطاع العشائريون ومريدو الطرق الصوفية الأكراد الذين يدينون بالولاء لحزب العدالة والتنمية ويخضعون لتأثير الأحزاب العشائرية في شمال العراق من الفوز ببلدية ديار بكر التي وصفها رئيسها الحالي عثمان بايدمير بأنها قلعة الأكراد الانتخابية.
 
ويقول المراقبون إن سعي المواطنين الأكراد إلى تأييد حزب الشعب الديمقراطي إنما ينبع بالدرجة الأولى من شعور الغضب ورد الفعل للدولة بسبب الإهمال والضياع والسياسات الخاطئة التي انتهجتها في المنطقة طوال السنوات الماضية ويؤكد الخبراء أن 20% فقط من الناخبين في المناطق الشرقية يؤيدون حزب الشعب الديمقراطي بإيمان، و20% يرفضونه، أما الـ60% الباقون فهم يدلون بآرائهم لهذا الحزب نقمة على إهمال الأحزاب الأخرى وسياسات الدولة.
 
ولذا فقد رأينا أن معظم مرشحي حزب العدالة والتنمية الحاكم في هذه المناطق من الأكراد لسد الطريق على حزب المجتمع الديمقراطي ويجب الإشارة أيضا إلى نظام القبائل والعشائر الذي لا يزال قائما في المناطق الشرقية. فالحزب الذي يرشح عضوه من العشائر الكبيرة يضمن كمية كبيرة من الأصوات لذلك علينا ألا ننسى تأثير زعماء العشائر أيضا في العملية الانتخابية.
 
وخلاصة الحديث:
يبدو أن حزب العدالة والتنمية الحاكم أكثر الأحزاب التركية الأخرى استعدادا لهذا الانتخابات فقد بدا واضحا من تصريحات المسئولين في الحزب من خلال عدم اهتمامهم باتهامات المعارضة لهم وبما أن العديد من الدراسات التركية أكدت أن معظم الناخبين الأتراك لم يعد يعطون أصواتهم لاعتبارات أيديولوجية بل على أساس النتائج في الأداء الحكومي ونزاهة الشخصية السياسية المرشحة بغض النظر عن خلفيته الفكرية فإن هذه الاعتبارات ستكون عاملا أساسيا في الانتخابات المحلية في تركيا نظرا لنجاح حكومة حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب إردوغان في تحقيق نصيب كبير من الاستقرار السياسي الملموس في الشارع التركي.