10 جمادى الأول 1430

السؤال

يقابل شباب الصحوة نوازع عدة في طريق الدعوة والحياة ولعل من أهمها مسألة الزواج والأسرة وإدارة الحياة, وقد ينعكس ذلك جليا على حياة الداعية, حتى يفرط في حق نفسه وزوجه في العلم والتربية فبماذا تنصحونا؟

أجاب عنها:
إبراهيم الأزرق

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد فالجواب في قول الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا(.
وقد كان خير هذه الأمة صلى الله عليه وسلم أكثرها نساء وأعظمها حِملاً ومع ذلك كان يعطي صلى الله عليه وسلم كل ذي حق حقه.
وكذا الداعية الذي يرجو الله واليوم الآخر غير غافل عن ذكر الله ينبغي أن يسير في هذه الحياة باتزان، يعلم أن لربه عليه حقاً، ولنفسه عليه حقاً، ولأهله عليه حقاً، فيعطي كل ذي حق حقه لعلمه بمسؤوليته عن تلك الحقوق، ولمعرفته بأن الاشتغال بمندوب على حساب حق واجب إثم ولو لكان ذلك المندوب عملاً في حقل الدعوة.. وكذا الاشتغال بفرض كفائي عام عن فرض متعين لا يؤديه غيره ليس مما يحمد صاحبه.
فالواجب الاتزان دون غلو في الدعوة أو ميل إلى بعض حظوظ النفس ودواعي الهوى، كما كان شأن نبينا صلى الله عليه وسلم، والناظر في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته يعلم أنه لم يكن يخلط بين الحقوق أو يغفل بعضها على حساب بعض بدعوى الدعوة!
بل بعض من خلط في العصر الأول عوتب عتاباً شديداً بقرآن يتلى إلى يوم القيامة: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون، ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم والله غفور رحيم) [الحجرات 4-5]، فهؤلاء جهروا له بالقول وهذا إثم اجتمع معه سوء أدب وهو تركهم الصبر عليه صلى الله عليه وسلم حتى يخرج من حجرات نسائه رضوان الله عليهن. مع أنهم ما كانوا ينادونه إلاّ للعلم أو شؤون الدعوة وأفعال الخير!
ومع أشغاله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: قل يوم إلاّ وهو يطوف علينا جميعاً فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها رواه أبو داود وأصله في الصحيحين.
بل ربما دعي صلى الله عليه وسلم إلى غداء أو عشاء من بعض أصحابه فيأبى إلاّ أن تدعى بعض أزواجه معه كما في حديث الفارسي عند مسلم.
فالاعتدال المطلوب والعناية بالأهل والأسرة جزء من مسؤولية الدعوة التي أمر الله بها في قوله: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة)، وقد اجتمع مع هذا حق خاص، فعلى المرء ألا يوغل في بعض جزئيات الدعوة ويغفل عن ميادينها الأخرى الواجبة عليه. والغفلة عن حق الأهل العام، وحقهم الخاص المتعلق بالدعوة والتوجيه، لا ينبغي أن يقع فيها الداعية، كما أن بركة الاشتغال بالأَوْلَى قد تكون عظيمة، وتأمل كيف روت عائشة رضي الله عنها وحملت من العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فاقت به أكثر الصحابة، وحسبك أنها رابعة سبعة من أصحاب ألوف الأحاديث النبوية.
ومع ما سبق يحسن التنبيه إلى أنه لا إشكال إن اضطر المرء في بعض الأوقات أو الأحوال إلى بعض الأشغال دون كبير التفات لما سواها، سواء المتعلقة بالدعوة أو المتعلقة بالأهل أو غيرهما فقد ينشغل بذلك في وقت من الأوقات عما سواه، وقد تقتضي المصلحة ذلك، وهذا لا بأس به، لكن فرق بينه وبين أن يكون الاشتغال بالصوارف –ولو كانت دعوية- عن بعض الواجبات سجية وديدنا، يجنح إليه المرء باختياره.
ولعل مما يعين المرء على الاتزان في هذا الشأن أمور منها:
1- تنظيم الوقت، وجعل نصيب للبيت، ونصيب للعمل، والاتساء في ذلك بنبينا صلى الله عليه وسلم، فقد صح عند البخاري أنه صلى الله عليه وسلم "إذا انصرف من العصر دخل على نسائه"، وربما احتبس عند إحداهن لعلة كطعام أو غيره، ومن الخطأ أن نجعل ما يسمى بالتفاني في العمل الدعوي، ومكوث الساعات الطوال التي ينبغي أن تكون للأهل، خير من الهدي النبوي!
2- ترتيب الأولويات وتقديم الأوجب فالأوجب والعيني على الكفائي.
3- الحرص على وجود برنامج دعوي أو علمي نافع مع الأهل أو الأسرة.
4- أن يوسع المرء مداركه وأن يعلم أن أعمال البر لا تنحصر في باب، وأنه مهما تهيأت له فرص فعليه أن يتزود منها سواء في التعليم أو الدعوة أو العمل أو طلب العلم، ثم عليه أن يعلم أن هذه الأبواب لا تنحصر في مؤسسة بعينها أو نشاط محدد.
5- أن يتأمل حرص الشريعة على دعوة الأقربين: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، وهذا دأب الأنبياء وانظر كيف حرص إبراهيم على أبيه آزر، ونوح على ابنه، ومحمد صلى الله عليه وسلم على عمه.
هذا والله أسأل أن يوفقنا للدعوة إلى سبيله على بصيرة، وأن يصلح لنا الأهل والذرية، وأن يوفقنا للقيام بحقوقهم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.