الدكتور عبد الكريم صالح : واقع الأمة مع القرآن مؤرق , وحالها معه يستدعي دراسة متعمقة

أنزل الله سبحانه وتعالى كتابه القرآن الكريم ليكون منهاجا ونبراسا للعالمين , وأمرنا بتدبره والعمل به , وحثنا على حفظه وتلاوة آياته , وكم هي بحاجة تلك الأمة العظيمة إلى العودة لكتاب ربها والاستضاءة بنوره والسير في هدية , خصوصا في زمن يغترب فيه الدين وتنتفش فيه قوى الظلام ..

ومع إهلالة شهر رمضان المعظم يعود إلى الأذهان تساؤلات هامة حول مدى اهتمام أمتنا بالقرآن الكريم وإعطائه حقه من العمل والتطبيق ..

وقد التقى موقع المسلم بأحد الأساتذة الأعلام الذين جعلوا نصب أعينهم نشر كتاب الله , وتعليمه , والبحث بين معانيه , نسأل الله له دوام التوفيق والسداد , ذاك هو الأستاذ الدكتور: عبد الكريم صالح أستاذ القرآن وعلومه بجامعة الأزهر الشريف , وكان معه هذا اللقاء..

 

المسلم : كيف ترى فضيلتكم الأسلوب التربوي الأمثل لتدريس القرآن الكريم وتعليمه؟
ج1 – لقد أنزل الله تعالى القرآن على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وكان النبي الكريم يتلقاه من جبريل عليه السلام , قال تعالى " لا تحرك به لسانك لتعجل به , إن علينا جمعه وقرآنه , فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه "

أي فاتبع قراءته , وقال سبحانه مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم :" وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم " وعليه فالأسلوب التربوي الأمثل لتدريس القرآن وتعليمه كان و لا يزال هو التلقي من أفواه المشايخ المتقنين والعلماء .

 

المسلم  : على الرغم من تخرج أعدد كبيرة من كتاتيب القرآن كحفاظ له فإننا نرى مستوى غير متميز في العمل به فكيف نتلافى ذلك ؟
ج2 – حقيقة فإن السبب في عدم تميز المستوى في العمل هو أن واقع المسلمين اليوم مع القرآن واقع مؤرق , وحال الأمة مع القرآن يستدعي الدراسة المتعمقة , ذلك أن المسلمين بعد القرون الأولى صرفوا اهتمامهم بكتابهم إلى ناحية التلاوة وضبط مخارج الحروف وإتقان الفنون فيه , وما يتصل بالتلاوة .
ومن هنا فقد فصل بعض الناس بين التلاوة والتدبر , مع أن الله قال في كتابه " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته , وليتذكر أولو الألباب " ص29

ورحم الله عبد الله بن مسعود حين قال : كنا لا نتجاوز العشر حتى نعلم بما فيهن "

 

المسلم : كيف برأيكم تتم العودة إلى كتاب الله على المستوى الأسري وما أسباب غيابه ؟

ج3- الحمد لله فإن كثيرا من بيوت المسلمين الآن فيها حفظ القرآن الكريم , وإن غاب عن بعض الأسر فهذا لعدم رغبتهم في تعليم أمور الدين نتيجة لتنشئة بعيدة عن دينهم , ولكن هذه الأمة لا تزال بخير ماحفظت كتاب ربها , وذلك مصداقا لقول نبيها صلى الله عليه وسلم :" تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا : كتاب الله وسنتي "

 

المسلم : هل ترون مستوى مرضيا من التميز في التدريس الأزهري للقرآن ؟ وماأسباب ذلك ؟

ج4 – في الحقيقة إن الأزهر هو منارة العلم ومنه قد تخرج العلماء العاملين والمصلحين , إلا أنه الآن يحتاج إلى وقفة مع القرآن الكريم على أنه الكتاب الخالد لا على أنه مادة رسوب أو نجاح , وأيضا ينظر لمدرس القرآن الكريم كما ينظر لمدرس مادة اللغة الأجنبية والمواد التجريبية , فهناك فارق شاسع بين كل منهما في التعامل والحقوق والواجبات ..

 

المسلم : للمروءة والرجولة معان تربوية قرآنية خاصة خلط الناس في فهمها ونتج ذلك سلبيا على التصور التربوي لها خصوصا فيما يختص بحفظة الفرآن كيف ترون ذلك ؟

ج5- لاشك أن الرجولة والمروءة معلمان من المعالم الهامة في القرآن الكريم, ويكفي الرجولة فخرا أنها صفة من صفات الرسل وأنها تعني الصدق في العهد والثبات على العقيدة الصحيحة والشجاعة في قول الحق وغير ذلك مما سجله القرآن ومن أراد الزيادة فليرجع إلى كتابي " معالم الرجولة في القرآن الكريم " , وخير من يؤمر ويطلب منه تحقيق معاني المروءة والرجولة هم أهل القرآن وحفظته .

 

 
المسلم : هل ترون استخدام القراءات المختلفة في الصلاة الواحدة كما يفعله بعض القراء؟

ج6 – القراءات القرآنية المتواترة جزء من كل من القرآن الكريم , وعليه فيجوز الصلاة بأي قراءات من القراءات أو بأي رواية من الروايات مادامت قد بلغت حد التواتر , ووافقت رسم المصحف , ووافقت وجها من وجوه العربية , وقد قال الله تعالى " فاقرؤا ما تيسر منه " , ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على حكيم بن هشام قراءته لسورة الفرقان عندما كان يصلي إماما وكان عمر مأموما , ولكن ياحبذا لو كان من خلف الإمام عندهم معرفة بالقراءات أو يخبرهم الإمام أنه سيصلي برواية فلان , لقلة هذا وعدم انتشاره بين أقطار المسلمين .

 

المسلم : كيف ترون الانتفاع الأمثل بالمنهج القرآني خارج المدارس والجامعات؟

ج7- المنهج الأمثل للانتفاع بالقرآن الكريم هو رفع همة الطالب إلى حفظ القرآن وعدم التوقف عن حفظه ومراجعته , والتذكير بسير الحفاظ وتراجمهم من سلف الأمة , قال ابن الجوزي : دراسة سير الرجال وتراجمهم أحب إلى من كثير من الفقه, كذلك إعطاء الطالب مكافأة على إتمامه لحفظ أجزاء من القرآن الكريم , فإن حفظه يساعد على تذكر أوامر الله ونواهيه الواردة في كتابه , وخلاصة القول أن ينعكس نور القرآن على سلوك صاحبه فيخلص لله سبحانه في القول والعمل

 

المسلم : هل ترون صورا عصرية لهجر القرآن وما نصيحتكم في ذلك وما هو دور المؤسسات العلمية في ذلك ؟
ج8- بخصوص صور هجر القرآن فقد جاءت آية في القرآن الكريم إذا قرأها المرء يعتصر حزنا , وأسى , ألا وهي شكوى الرسول الكريم من قوم هجروا القرآن الكريم :" قال تعالى حكاية عن الرسول صلى الله عليه وسلم :" وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا "
 
والهجر كما يقول بعض العلماء على خمسة أقسام : هي هجر الإيمان به وهجر التلاوة والتدبر وهجر الاستماع والإنصات وهجر العمل بالقرآن وهجر الاستشفاء بالقرآن – والمراد به ابتداء استشفاء القلوب - , وعلى المؤسسات العلمية أن تحفز أبناءها على حفظهم للقرآن , وإعادة النظر في وسائل تعليم القرآن الكريم وأساليبها والاستفادة من التقنية الحديثة في ذلك – كالحاسب الآلي والمرتل الاليكتروني – والاهتمام بحلقات القرآن لإعداد جيل جديد يحفظ كتاب الله تعالى
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل