الأب الطفل!
24 ربيع الأول 1430
د. محمد يحيى

منذ أسابيع قليلة شغلت أوروبا، ومعها العالم الغربي كله بقصة غريبة، هي أن أحد الأطفال ويبلغ من السن الثالثة عشرة، أقام علاقة معاشرة مع فتاة تكبره بعامين أي في الخامسة عشرة من عمرها، وأثمرت هذه العلاقة عن طفلة رضيعة شاهدها العالم كله على شاشات التليفزيون في العشرات من البرامج الإخبارية والاجتماعية وبرامج الحوار والثرثرة المعتادة، وعلم المشاهدون أن الطفل المذكور لم يخشن صوته بعد، وأن صوته مازال صوت طفل، ولكنه كان يبلغ من القدرة الجنسية ما يؤهله لإحداث هذا الحمل في عشيقته الصغيرة هي الأخرى، والتي تشبه ملامحها ملامح طفلة أصغر منه سنًا.

 

وعندما حدثت هذه الواقعة فإن ردود الأفعال لم تتطرق إلى الحلال والحرام أو لم تتطرق إلى الإدانة، فلم يرى أحد من المعلقين، وهم كثر، على هذه الحادثة أن هناك شيئًا غريبًا أو محرمًا أو شاذًا في قيام طفل بمعاشرة طفلة أخرى، والإنجاب منها، ولم يتطرق أحد إلى أن هذا الأمر مثلاً حرام في دينهم أو في دين غيرهم، بل على العكس كان التصور هو أن إقامة العلاقة الجنسية دون زواج ودون علاقة بالسن هو أمر طبيعي لأن الجنس في تصورهم هو نشاط طبيعي غريزي مثل الأكل والشرب وبالتالي فلا تثريب على هذا الطفل ولا على تلك الطفلة أن أقاما معًا علاقة لإشباع هذه الغريزة، وهذا الأمر الطبيعي، ولكن كان التعليق الوحيد الذي ذكر، وتردد هو التشكيك في قدرة الطفل والطفلة على رعاية ابنتهما الرضيعة، وعلى توفير المال لها وعلى إطعامها وكسوتها وإسكانها، لا سيما وأنهما ليسا متزوجين ولا يقيمان في منزل واحد، وإن كان الطفل الأب قد صرح بأنه سوف يسكن في منزل والده أو أهل عشيقته الطفلة، وسوف يدبر المال لابنتهما من عطايا الأهل من الجانبين.

 

ربما مرت هذه الحادثة دون أن تثير كثيرًا من الاستغراب، سواء في العالم الغربي أو في العالم الإسلامي، لأن الحديث الآن هناك قد تجاوز أمثال هذه الوقائع إلى غيرها، وذلك بعد أن أصبحت أمور مختلفة مثل زواج الشواذ وغيرها من الأمور الطبيعية التي تحدث هناك، لكن الحادثة استوقفتني لسبب هو أنه في نفس الوقت الذي جرت فيه بل وفي نفس اليوم كانت هناك في بلدين عربيين قرارات، وقوانين تصدر برفع سن الزواج بين الفتيات لكي يبلغ سن السابعة عشرة والخامسة عشرة، وفي قبلها كان هناك رفع لسن الزواج في مصر ليبلغ سن الثامنة عشرة، وقد أثارت هذه القرارات ولا سيما القرار الصادر برفع سن الزواج للفتاة وللشاب إلى الثامنة عشرة تساؤلات عديدة حول مسالة التشدد في إجراء الزواج الذي أصبح الآن السمة الغالبة والمشتركة بين قوانين الأحوال الشخصية في معظم البلاد العربية، فقد شهدت هذه القوانين على مدى السنوات الأخيرة تعديلات عديدة كانت تنصب بالأساس على تصعيب الدخول في الزواج، وكأن الزواج هو أمر خطير لابد أن يقدم عليه من يبلغ سنًا كبيرة تتجاوز سن البلوغ والنضج الجنسي بخمس أو ست سنوات إلى غير ذلك من الشروط المعقدة التي تجعل مجرد الدخول في الزواج أمرًا صعبًا ومحفوفًا بالمشاكل القانونية وبالغرامات المالية وبالتعقيدات الإدارية، وعلى الضوء فهذه الحادثة التي وقعت في الغرب، وهي في الواقع ليست الوحيدة من نوعها، فمن المعروف الآن أن العلاقات الجنسية سواء في أوروبا أو في أمريكا تتم بمجرد بلوغ الفتى أو الفتاة سن النضج الجنسي في فترة تتراوح من الثانية عشرة إلى الرابعة عشرة، وتكثر هذه العلاقات دون ضابط ولا رابط، وهي بالطبع تقع خارج إطار الزواج، كما أن هذه العلاقات تثمر كثيرًا من الأطفال إلى حد أن هناك في الكتابات الاجتماعية في الغرب مشكلة دائمة نقابلها كثيرًا، وهي مشكلة ما يسمى بالمراهقات الحاملات، أو الأمهات المراهقات، وبالطبع فإن هؤلاء المراهقات لا يتزوجن، بل تهتم الدولة برعايتهم، ورعاية أبناءهم، ومعالجة هذه المشكلة، ذلك لأن هناك أصبح فارق بين الزواج كشكل اجتماعي قانوني، لا يقبل عليه الكثيرون الآن، وبين العلاقات الجنسية الحرة التي أصبحت متاحة للجميع، وفي كل أشكالها، وبين مختلف الأعمار، وحتى فيما بين أفراد الجنس الواحد.

 

فالذي حدث في الغرب ببساطة هو الفصل التام بين الممارسة الجنسية داخل أو خارج الزواج، قبل أو بعد الزواج، وفي أي سن كما قلت، وبين الزواج نفسه كمؤسسة اجتماعية لها شكل قانوني محدد يشبه الأشكال القانونية التي بمقتضاها تؤسس الشركات العامة والخاصة، وهنا يثور تساؤل على ضوء هذه الحمى التي انتابت بعض البلاد العربية في رفع سن الزواج للفتيات والفتيان، فهل المقصود بها مثلاً، ونحن هنا نتحدث عن رفع سن الزواج إلى ثمانية عشر عامًا، وهي فترة تترك فارقًا لا يقل عن خمس أو ست سنوات، وربما أكثر بين النضج الجنسي والبلوغ، وبين القدرة على إيقاع الزواج رسميًا وتوثيقه.

 

أقول هل المقصود مثلاً من خلال هذه الإجراءات لرفع سن الزواج إحداث ثورة تحررية جنسية كما تسمى، وإيقاع الفتيات والفتيان والشباب في حرج وعلة لا يستطيعون أمامهم وفي ظل السعار والإثارة الجنسية المتصاعدة بشكل كبير في عالمنا العربي، لا يستطيعون معه إلا أن يقدموا على العلاقات الجنسية خارج الزواج، وهي التي نسميها بالزنا، هل المقصود أن نصل إلى حالة مثل حالة أوروبا توجد فيها مئات الآلاف من الأمهات المراهقات، كما يوجد فيها الجنس مشاعًا للجميع، وتختلط الأنساب، وتضيع القيم، وينشغل الجميع بسعار جنسي يتخاطفون فيه بعضهم بعضًا، ويتناسون قضايا أمتهم بل وينسون دينهم، وتحدث بينهم وبينه قطيعة لا رجعة فيها، هذا سؤال يحتمل التدبر والتساؤل.