مستقبل الأمة وصراع الاستراتيجيات..في تقرير "البيان" الارتيادي السادس
16 ربيع الأول 1430
لطفي عبد اللطيف

"مستقبل الأمة و صراع الاستراتيجيات "..هو عنوان التقرير الاستراتيجي الارتيادي_السنوي,الذي يصدر عن مجلة "البيان" بالتعاون مع "المركز العربي للدراسات الإنسانية"- خلال أيام - ,ليقدم رؤية تحليلية تفسيرية لأبرز الأحداث والقضايا التي وقعت في العام الهجري المنصرم ,وآثارها الإيجابية والسلبية على الأمتين العربية والإسلامية..

 

التقرير الذي يرأس  تحريره الشيخ احمد بن عبد الرحمن الصويان ,جاء في أكثر من 450 صفحة من القطع الكبير ,وفي سبعة أبواب حاول من خلالها 21 مفكرا و أكاديمياً ومحللاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً 'تقديم رؤية منهجية تأصيلية ,لما وقع من أحداث ,بدأت ب:"النظرية و الفكر" والسياسة الشرعية بين القديم و الحديث واختتمت بمقترح"فكرة تأسيس معهد دراسات بيت المقدس في أحد البلدان العربية والإسلامية"..

 

وما بين التأصيل الفكري والرؤية المنهجية والمشروع الارتيادي الذي تم طرحه يرصد التقرير واقع الأمتين العربية والإسلامية وإبراز القضايا الدولية من"الأمن في الحوض الخليجي ,والدور الذي تقوم به"المدارس الأجنبية في الخليج...البحرين نموذجاً",,و"العلاقات الخليجية الإيرانية"وانعكاساتها على الأمن والاستقرار في المنطقة و"الأقليات الدينية في الخليج العربي"..

 

ويتناول التقرير قضايا"العمل الإسلامي"من خلال قضيتين مهمتين:الأولى عن"التماسك الاجتماعي والأسري في ظل ضغوط العولمة" والثانية عن كيفية الاستفادة من التقنية الحديثة في طرح القضايا الإسلامية وكيفية استثمار الانترنت في هذا المجال..
ثم ينتقل التقرير إلى رصد أهم قضايا العالم الإسلامي فيستهلها بالحديث عن:"موقع المقاومة العراقية في الاستراتيجيات الأمريكية الجديدة",,ويغوص بعد ذلك في"أزمة دارفور"وأبعادها وماّلاتها ثم إلى"أحوال أهل السنة الإقليمية والدولية",ثم يختتم بتقديم رؤية تحليلية لـ"أزمة الجنوب القديم في تقسيم اليمن",وبعد ذلك يتطرق التقرير إلى"العلاقات الدولية"فيستشرف مستقبل العلاقات الأوروبية الأمريكية وأثرها في العالم الإسلامي ثم "مستقبل النظام الدولي في ضوء أزمة أوسيتيا".

 

أما القضايا الاقتصادية,فقد تناول التقرير الاستراتيجي السادس موضوع"الأزمة المالية العالمية المعاصرة والنظام الإسلامي البديل",و"العملة الخليجية الموحدة"واحتمالات النجاح وتداعيات التطبيق ,ومشكلة الغذاء وتأثيرها استراتيجياً على العالم الإسلامي والثروة النفطية العراقية في السياسة الأمريكية..!!!

 

الانتظار..والبطة العرجاء

"عالم الانتظار"عالمياً'و"الركود" عربياً و"البطة العرجاء"أمريكياً ...أوصاف وردت في مقدمة التقرير الاستراتيجي عن العام الهجري المنصرم,فهو"عام الانتظار"لما يمكن أن تتمخض عنه الأحداث والتفاعلات على الساحة الدولية,فالقطب الذي ظن نفسه أنه أصبح مهيمناً بات مثقلاً بحروب كبرى'خاضها منذ عدة سنوات,ولكنه أصبح الآن يعيش أجواء أشبه بهزيمة في العراق وأفغانستان ,وكارثة مالية أدت إلى إفلاس أكبر بنك أمريكي وسقوط شركات عملاقة,وتعرض الاقتصاد العالمي لأكبر هزه في تاريخه منذ ستين عاماً تقريباً ويدفع العالم ثمن الجشع,بل ثمن نظام رأسمالي سائد قائم على الربا..

 

ويستشهد التقرير الاستراتيجي بدراسة أعدها مجلس المخابرات القومي الأمريكي تحت عنوان"الاتجاهات العالمية في عام 2035م" جاء فيها أن الأزمة العالمية الحالية هي بداية إعادة توازن اقتصاد عالمي,وأن دور الدولار الأمريكي باعتباره العملة العالمية الرئيسية سيضعف،كما سيتزايد الاعتماد على مصادر طاقة بديلة عن النفط وتشير دراسة مجلس المخابرات القومي الأمريكي إلى"أن العشرين عاماً المقبلة ستكون فترة انتقالية,نحو نظام عالمي جديد مليء بالمخاطرة" وتتوقع الدراسة انضمام الصين والهند إلى الولايات المتحدة على رأس القوى الكبرى،وأن النظام العالمي الجديد الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية ستطمس معالمه تماماً عام 2025م ,بسبب بروز القوى الجديدة الصاعدة أو عولمة الاقتصاد والانتقال التاريخي للثروة من الغرب إلى الشرق..

 

السياسة الشرعية..والتحضير للاستعباد

في الباب الأول من التقرير"النظرية والفكر" يتعرض  محمد شاكر الشريف من خلال قراءته "كتب السياسة الشرعية بين القديم والحديث"لأسس النظرية السياسية الإسلامية,ويرد على مزاعم بعض الناس حول عدم اهتمام المسلمين بالحديث عن السياسة بالقول:إن الشريعة الخاتمة التي أنزلها الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم تعنى بالأمرين جميعاً:الدنيا والآخرة ولا تعرف هذا الفصل الحاد بين الحالين.

ويرصد المحلل السياسي الإسلامي محمد إبراهيم مبروك أثار العولمة على الشعوب الإسلامية و"تهيئة الشعوب للاستعباد" ويقول:عند تجاوز النظرة المعتادة للأبعاد السياسية,لمسألة الهيمنة الغربية الأمريكية على العالم,إلى التعمق في الأبعاد الفلسفية والإنسانية لها,يتكشف عند ذلك مدى بشاعة هذه الهيمنة وآثارها المدمرة على الإنسانية جمعاء,فمن خلال العولمة وأذرعها تمارس عملية استبعاد على الشعوب لا الفقيرة بل المستضعفة,وتتم تهيئة هذه الشعوب للاستعباد عبر السيطرة والتزييف في مجالات السياسة,,الفكر,,الاقتصاد,,الإعلام

 

التفاعلات الدولية والواقع الخليجي...!!

ويتعرض  مدير وحدة البحوث والدراسات بالمركز العربي للدراسات الإنسانية حسن الرشيدي ل" تطورات علم الجغرافيا السياسية ..وأثرها في فهم التفاعلات الدولية الراهنة" ,ليدخل الفصل الباب الثاني  من التقرير الارتيادي الاستراتيجي "ملف التقارير" في قضايا " الخليج العربي ..من ملامح الواقع وآفاق المستقبل" , فيكتب الدكتور سامي بن صالح الدلال "أستاذ العلوم السياسية" عن " الأمن في الحوض الخليجي" محذراً من المطامع الإيرانية التي بدأت تطل برأسها بقوة , بسبب الاختلال في ميزان القوى لصالح طهران ،مؤكداً أن الوضع في العراق يعتبر من مهددات امن الحوض الخليجي, لأسباب واقعية وإستراتيجية, هذا بجانب هبوب رياح الاحتقان الطائفي من لبنان وإيران , وبروز مخاوف من انتقال هذا الاحتقان من طهران وبيروت إلى دول أخرى , ولعل المخاوف من امتلاك إيران للأسلحة النووية يعد من ابرز التهديدات التي تحدق بامن الخليج , ولا يقتصر التهديد على الخطر القادم من إيران , ولكن من دولة الكيان الصهيوني التي تسعى بدورها للتغلغل في مختلف القطاعات العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية وحتى الرياضية.

 

أما الباحث المتخصص في الأديان والمذاهب عبد العزيز بن احمد البداح فيتناول "المدارس الأجنبية في الخليج ...البحرين نموذجا" منذ افتتاح مدرسة الرجاء عام 1892م , والتي كانت في الأصل مدرسة الإرسالية الأمريكية , والتي قام بتأسيسها القس صموائيل زويمر, ليصل عدد هذه المدارس في البحرين إلى 55مدرسة في عام 2005م , وتنقسم هذه المدارس إلى قسمين : مدارس وطنية , ومدارس أجنبية , ولكن لا فرق بينها إلا في الأسماء, إذ المنهج الأجنبي هو نفسه في كل من النوعين, و لغة التدريس – الدائمة- الأجنبية, ويقوم على العملية التعليمية مدرسون أجانب, والأنشطة التي تمارس ذات طبيعة واحدة, والأكثر خطورة ان بعض المدارس الأجنبية في البحرين , ذات طابع تمييزي , مثل مدرسة "القلب المقدس" , التي تسعى من خلال مناهجها وأنشطتها إلى الدعوة النصرانية , أو إلى أضعاف التمسك بالإسلام , والبعض الأخر له طابع تغريبي , كمدرسة البحرين , التي تسعى من خلال مناهجها وأنشطتها إلى ترسيخ السلوك الغربي.

 

ويحاول الأكاديمي والباحث السعودي الدكتور ضيف الله الضعيان تفسير الإشكالات التي تخيم على "العلاقات الخليجية – الإيرانية"على ضوء المطامع الإيرانية , في البحرين واحتلالها الجزر الإماراتية الثلاث في عام 1971م , ولم يتغير الوضع بعد ثورة الخميني ' إذ تأكد أن هذه الأطماع القديمة بالسيطرة على الخليج لم تنته بانتهاء النظام الشاهنشاهي , بل تعززت وتعاظمت , بامتزاجها بالفكر الطائفي.

 

العمل الإسلامي

أما الباب الثالث فقد جاء تحت عنوان "العمل الإسلامي", وطرح قضيتين الأولى عن العولمة والتماسك الاجتماعي , والثانية عن الاستثمار في الانترنت , فقد  تناول الدكتور عبد الله الصبيح"التماسك الاجتماعي والأسري في ظل العولمة"ويقول:لقد تعرضت منطقة الخليج لكل مؤثرات العولمة فأصبحت مسرحاً لصراع ثقافات وأفكار متعددة متباينة وفدت إلى المنطقة من خلال القنوات الفضائية والشركات العابرة للقارات ولا يبدو واضحاً مستقبل التماسك الأسري والاجتماعي في ظل ضغوط العولمة لاسيما وأن العولمة نفسها تواجه أزمات ربما تساهم في تغيير المفهوم وموقف الدول النافذة منه خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر والانهيار المالي الكبير الذي تعانيه الولايات المتحدة في الوقت الحاضر..

ويرى الصبيح أن الأسرة تتأثر بعاملين كبيرين هما:التدين والاقتصاد فالتدين رغم أنه يواجه معركة عنيفة فقد أثبت أنه قادر على المقاومة والانتشار ويبدو أن هجمة العولمة وما صاحبها من غزو للمنطقة استثارت العامل الديني وساهمت في نشر ظاهرة التدين ,,أما العامل الاقتصادي فرغم الضربات التي واجهها في ظاهرة الغلاء الشديدة والبطالة وانتكاسة الأسهم فإن الانهيار المالي الكبير الذي حدث في الغرب ربما كان له مردود إيجابي على شعوب المنطقة..

 

استثمار النت والعالم الإسلامي

وتطرح "مديرة وحدة البحوث والتطوير في شبكة إسلام أون لاين" وسام فؤاد قضية "المسلمون واستثمار الإنترنت" فتؤكد ضرورة وضع رؤية لترشيد الاستثمار في شبكة الانترنت الجديدة والاستفادة من إمكانياتها المذهلة وما توفره القيم ما بعد التفاعلية من الآليات والآفاق التي يمكن أن يتم استثمار الوجود الإسلامي بها على نحو أفضل ويمثل إضافة نوعية للنهضة بالعالم الإسلامي على صعيد الموارد البشرية..

وفي الباب الرابع يتناول الدكتور خالد المعيني"رئيس مركز دراسة الاستقلال"موضوع"موقع المقاومة الأمريكية في الإستراتجية الأمريكية الجديدة"وتقول:أن المقاومة العراقية حققت إنجازات ونجاحات على المستوى العسكري بل على المستوى العسكري بل على المستوى السياسي_أيضاً_
ويتطرق د.حمدي عبد الرحمن حسن"أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة"إلى "أبعاد أزمة دارفور ومالاتها"وينتهي إلى القول أن الخيارات الإستراتيجية المطروحة أمام السودان للخروج من هذه الأزمة يتطلب إحداث إصلاحات سياسية واقتصادية مهمة بجانب دعم وتعاون المجتمع الدولي ولاسيما العربي والإسلامي..

 

ويؤكد الكاتب والباحث السياسي على حسين باكير في تناوله لموضوع:أهل السنة في لبنان"على التحديات الجسام التي تواجه أهل السنة هناك,بسبب اتساع دائرة الخطر التي تمثلها على الصعيد الداخلي بعض القوى والأحزاب والطوائف التي تعمل على العبث بمصير ومقدرات أهل السنة والجماعة تحت شعارات متعددة ومختلفة وبكافة الوسائل الإعلامية والمالية والتنظيمية وحتى بالقوة العسكرية والسلاح وهم يحتاجون إلى تعزيز وعيهم بهذا الخطر والعمل على احتوائه..
أما مدير تحرير التقرير الإستراتيجي لمجلة"البيان":محمد عادل,,فيتعرض للقضية الكشميرية والمتغيرات الإقليمية والدولية ويرى:أن حركة المقاومة الكشميرية تمر بموقف شديد الصعوبة,ومرحلة من أهم مراحل القضية وأشدها خطورة إذ تواجه المحتل الهندي الذي ألقى بكل ثقله وكثف تحركاته لإغلاق الملف الكشميري بلا رجعة..
ويؤكد "رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث"في تعرضه لـ"أزمة الجنوب في تقييم اليمن"على أن اليمن كانت محل أطماع قوى إقليمية ودولية منذ عهد بعيد ولكن هذه القوى استطاعت تحقيق نفوذها ومخططاتها بأيد يمنية..

 

العلاقات الدولية والأزمة المالية

الباب الخامس_التقرير الذي جاء تحت عنوان"علاقات دولية يتناول قضيتين الأولى يتحدث فيها الدكتور عدنان الهياجنة "أستاذ العلوم السياسة بالجامعة الهامشية عن"مستقبل العلاقات الأوروبية الأمريكية وأثرها في العالم الإسلامي"
أما القضية الثانية فهي خاصة بـ:مستقبل النظام الدولي في ضوء أزمة أوسيتيا الجنوبية" وتتناولها الدكتورة نورهان الشيخ أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة وتقول:أن هذه الأزمة تؤكد أن روسيا عادات من جديد إلى مصاف الدول الكبرى الفاعلة في النظام الدولي...

 

وقد خصص الباب السابع من التقرير لـلقضايا الاقتصادية,فالدكتور رفعت العوضي "أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر"يطرح موضوع "الأزمة المالية العالمية المعاصرة والنظام الإسلامي البديل",,ويقول أن الأزمة المالية لها صلة مباشرة بالواقع الأمريكي ولكنها انتشرت في العالم كله نتيجة التشابك المخيف بين اقتصاديات دول العالم,,ويقول أن الإسلام لا يقدم علاجاً للأزمة المالية ولكنه يقدم نظاماً بديلاً لا يولد الأزمة ويتطرق د.رجاء مناحي المرزوقي"الأستاذ بمعهد الدراسات الدبلوماسية بالرياض"إلى العملة الخليجية الموحدة واحتمالات النجاح وتداعيات التطبيق",ويقول:أن إقامة الاتحاد النقدي له فوائد كثيرة على دول مجلس التعاون الخليجي وأن العملة الخليجية الموحدة ستؤثر في زيادة التبادل التجاري وسترفع كفاءة اقتصاديات هذه البلدان..

 

أما الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي فيحذر من"مشكلة الغذاء وتأثيرها على العالم الإسلامي",ويقول:ان عجز الدول الإسلامية عن توفير متطلباتها من الغذاء أدعى لنكوصها عن تقديم رسالتها للآخر..
ويحذر الأكاديمي العراقي الدكتور حسن الرشيد من المستقبل الخطير الذي يواجه الثروة النفطية العراقية بسبب المحتل..