رئيس جمعية يد المساعدة التركية: غزة بثت في الأمة روحاً جديدة وسنستثمرها.. التفاعل عم كل تركيا.. تآخينا مع3000 أسرة غزاوية
15 ربيع الأول 1430
إيمان يس
 في إطار التحركات التركية الرسمية والشعبية لنصرة غزة، قامت مجموعة من الجمعيات الخيرية بزيارة جرحى محرقة غزة في المستشفيات المصرية، كما تمكن بعضهم من الدخول إلى القطاع ليكون شاهد عيان على صمود هذا الشعب في وجه كافة محاولات إبادته، وكان من بين هؤلاء الدكتور صادق طانشما رئيس جمعية يد المساعدة، التي أنشئت في تركيا لتمد يد المساعدة لضحايا الكوارث الطبيعية، ولاجئي الحروب، والفقراء والمساكين، عن طريق جمع أموال الزكاة والصدقات من أوروبا، ودفعها إلى مستحقيها في جميع أنحاء العالم.
الدكتور طانشما الذي سبق أن زار غزة عدة مرات، يحلم بأن يسود السلام عالمنا الإسلامي وأن تجمعنا القدس عاصمة، كما يتمنى أن يصلي ركعتين في المسجد الأقصى، كما يدعو كافة الشعوب الإسلامية إلى تطبيق مشروع المآخاة.
التقيناه فور عودته من غزة وكان لنا معه هذا الحوار.
*بداية كيف تقيمون تفاعل الشعب التركي مع الحرب على غزة؟
** أرى أن 98 % من الأتراك يتعاطفون الآن مع الشعب الفلسطيني عامة ومع أهل غزة خاصة، فبالإضافة إلى المظاهرات التي عمت شوارع تركيا، هناك المعونات المادية، وليس هذا فحسب فقد تحركت 50 سيارة من اسطنبول بهدف الوصول إلى غزة برا ودخلوا الحدود السورية حتى وصلوا إلى الجولان حيث تم منعهم من مواصلة السير فعادوا يحملون أملهم في في الوصول إلى غزة يوم ما .
*ذكرت أن 50 سيارة تحركت من اسطنبول، ورأينا عبر شاشات الإعلام مسيرة مليونية تتحرك من اسطنبول فماذا عن باقي المدن والتركية؟ أم أن هذه المدينة بعبقها التاريخي وامتدادها التراثي هي وحدها من تتجاوب معنا؟
**دعيني أوضح أن المظاهرات قد عمت أكثر من 81 مدينة في تركيا، فالتحركات الشعبية كانت في ملاطيا كما كانت في أنقرة وبورسلان وجميع المدن، إلا أن اسطنبول هي الأكبر في عدد سكانها كما أن شعبها يتمتع بثقافة أكبر ووعي أكثر بالأحداث الخارجية وربما كما ذكرت كان لامتدادها التراثي أثرا في تحرك أوسع لكنها لم تكن وحدها.
*وماذا عن مساجد تركيا وعلمائها، هل لكن لهم دور في هذا التحرك؟
**المساجد في تركيا لإقامة الصلوات والشعائر الدينة فقط، فالأئمة هم موظفون لدى الحكومة يتقاضون رواتبهم مقابل الأعمال المطلوبة منهم فقط، وليس لهم أي دور آخر.
*هل معنى ذلك أنكم ترتبطون بعلماء العالم الإسلامي وتعتمدون على فتواهم وتوجيهاتهم؟
**حقيقة نحن لا نعرف كثيرا عن علماء العالم الإسلامي فلدينا في تركيا علماء دين مثل الشيخ مصطفى إسلام أوغلو ( أوغلو تعني ابن المسلم )، وخيري الدين كارامان، ونحن نلجأ إليهم في الفتوى وغيرها من أمور ديننا.
*إذا كانت المساجد لم تتحرك، فمن وراء هذا التفاعل الرسمي والشعبي المفاجيء بعد غياب تركيا عن العالم الإسلامي لسنوات عديدة؟
**دعيني أوضح أن الشعب التركي لم يكن يوما بعيد عن هموم أمته لكن الحكومات السابقة لم تكن تؤيد هذا التعاطف من الشعب التركي تجاه القضايا الإسلامية، ففي السابق كنا نتعرض للمساءلة والتضييق إذا قمنا بمثل هذه الأعمال، أما الآن في ظل حكومة العدالة والتنمية فلا يوجد تضييق وبالتالي بدى التحرك التركي واضحا بعد انتهاء هذه المشكلة، والشعب الآن يريد أن يعاون إخوانه المحتاجين في كل مكان.
*هل يعني هذا أن حزب العدالة التنمية هو الذي يقف وراء هذا التحرك؟
** التحرك جاء بشكل إنساني عام أولا ثم إسلامي، ولم يكن بحاجة إلى من يحركه فالجريمة البشعة التي تعرض لها إخواننا الفلسطينيون لم يستطع الشعب التركي أن يتحملها أو ينظر إليها وهو مكتوف الأيدي، وكذلك الحكومة التركية المتمثلة في حزب العدالة والتنمية، فمن الناحية الإنسانية بعد أن شاهدنا جميعا ما تناقلته وسائل الإعلام من صور لمجازر بشعة كان من الطبيعي جدا أن يأتي هذا التحرك  فهذه وظيفة كل إنسان يرى قتل الأطفال ويسمع استغاثة النساء والشيوخ، ويشاهد تدمير المنازل والمساجد والشجر والحجر،. ومن الناحية الإسلامية تحركنا عملا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "ما ءامن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به "، وقال أيضا "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى" ، فالشعب التركي شعب مسلم بالدرجة الأولى، فإذا كان الغرب لديهم من الأمثال الشعبية ما يحمل نفس المعنى فنحن المسلمون أولى بهذا التحرك.
* هذا يدفعنا للسؤال عن دور الإعلام التركي،وكيف يصور القضية الفلسطينية والقضايا الإسلامية بشكل عام؟
** الإعلام التركي تغلب عليه الصبغة العلمانية، إلا أنه قد تنازل القضية بشكل إنساني، كما أن لدينا بعض والقنوات التلفزيونية ذات الطابع الإسلامي مثل تلفزيون الهلال وقناة الدوست وتلفزيون النت، كذلك بعض المجلات مثل مجلة عقيد وزمان والعهد الجديد التي أعطت للقضية بعدا إسلاميا، ونأمل أن تتزايد مثل هذه القنوات.
*في رأيكم هل هذه غضبة مؤقتة أم أن لها أثرا على المدى البعيد سيظهر في تمسك الأجيال القادمة بدينها بشكل أكبر؟
**بالتأكيد سوف يكون لها أكبر الأثر، فنحن ننظر إلى غزة الآن نظرة إكبار وندرك أنها بثت في الأمة كلها روحا جديدة وتتردد بيننا عبارات عديدة مثل : غزة شوارعها من ذهب، غزة مدرسة الأمة ، غزة  مدرسة المقاومة والإيمان.
*كيف يمكنكم استثمار هذه العواطف الجياشة لتتحول إلى عمل إيجابي؟
** أرى أن هذا دور المنظمات والمؤسسات الخيرية ؛ فعلينا أن نستثمر هذه الهبة الجماهيرية ونحولها إلى عمل مثمر ومستمر، ونحن في جمعية يد المساعدة، قمنا بعمل مشروع المآخاه الذي استوحينا فكرته من مآخاة الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، فكل أسرة تركية تقوم بكفالة أسرة فلسطينية، وقد بدأنا هذا المشروع منذ شهر مايو الماضي واستطعنا حتى شهر ديسمبر أن نؤاخي بين 1300 أسرة تركية وإخوانهم من المحتاجين في مختلف دول العالم وليس فقط فلسطين، في كشمير وأثيوبيا، والمخيمات الفلسطينية في سوريا ولبنان والعراق.
 أما منذ 27 ديسمبر، فقد كان تركيزنا الأكبر على غزة، واستطعنا خلال زيارتنا لغزة أن نآخي بين 3000 أسرة من ذوي الشهداء والجرحى والمنازل المدمرة، على أن تكون الكفالة لمدة عام كامل بمساهمه قدرها 100 يورو للأسرة الوحدة، ويمكن بعدها للأسرة الكافلة أن تستمر في المشروع أو أن تنسحب منه.
* زيارتكم  لغزة لم تكن الأولى من نوعها، فكيف لمستم أثر الحصار على الشعب الفلسطيني؟
**بالطبع هناك فرق واضح بين هذه الزيارة وسابقاتها، ففي السابق كنت ألاحظ وفرة وتنوع على موائد الطعام، أما الآن فهم يعتمدون على صنف واحد قد يكون زعتر أو زيتون أو بندورة مقلية!!، حتى هذا الصنف يقدم بكميات محدودة لا تكفي، كما يمثل الخبز المشكلة الأكبر فبالكاد يحصل كل شخص على رغيف واحد صغير بحجم الكف أو أصغر، هذا بالإضافة إلى ما تشاهدونه في الإعلام من طوابير الخبر والكاز التي تصل إلى 100 شخص وأكثر، والعودة للحطب والبابور.
*وماذا عن أهم انجازاتكم خلال هذه الزيارة؟
**استطعنا خلال هذه الزيارة  إبرام العديد من اتفقيات المآخاة، فقد وقعنا  اتفاقية مؤاخاة مع وزارة الشؤون الاجتماعية بكفالة 2000 أسرة من أسر الشهداء والجرحى، وأخرى مع بلدية بيت حانون بكفالة 250 أسرة، كذلك 100 أسرة مع بلدية بني سهيلة،و150 مع جمعية تنمية أسرة فلسطين، كماقمنا بإنشاء مكتب تمثيل لنا في غزة بمساعدة وزير الشؤون الإجتماعية أحمد الكرد،وستكون أولى مشاريعيه بإذن الله دراسة حالات أسر طلاب الجامعة الإسلامية الذين يحتاجون إلى الإستفادة من هذا المشروع وذلك بمساعدة النائب جمال الخضري رئيس مجلس أمناء الجامعة.
*هل جاءت هذه الزيارة بالتنسيق مع جهات حكومية أو جمعيات أخرى؟
**نعم هناك تنسيق بين العديد من الجمعيات لتوحيد الجهود الإغاثية للشعب الفلسطيني، فهناك جمعية فيدر ، وجمعية رجال الأعمال الفلسطينية، وجمعية الصداقة الفلسطينية، وقد تم الاتفاق على أن يقوم 6 أشخاص يمثلون هذه الجمعيات بزيارة غزة على أن يمثل كل منهم أحد التخصصات التالية ( حقوق الإنسان ـ الصحة ـ التعليم ـ إعادة الإعمار ـ إغاثة ـ أسرة ) ليقوم كل منهم بالتقدم بمذكرة لرفع الواقع في مجال تخصصه ثم تشكيل لجنة لدراسة سبل حل هذه المشكلات. وها نحن في انتظار إعادة فتح معبر رفح.
 
*في زيارتكم السابقة هل تمكنتم من إدخال المعونات إلى غزة؟
** نعم استطعنا أن ندخل 32 طن من الأدوية والمسلتزمات الطبية إلى قطاع غزة، لكن ما زال لدينا شاحنتين من الدقيق بالإضافة إلى مستشفى ميداني في العريش تنتظر الإفراج عنها لتدخل عبر معبر رفح  وقد عرض علينا أن ندخلها من معبر كرم أبو سالم لكننا رفضنا رفضا قطعيا مؤكدين أننا لا نتعامل إلا مع معبر رفح، فنحن لن ندير صدقات الناس عبر معابر يهودية فهذه آمانات لدينا لن نضعها في يد اليهود.
*ماذا لو أصرت السلطات على المرور من معبر كرم أبو سالم؟
** سنضطر لوقف المعونات العينية وسنكتفي بالدعم المادي لكننا أبدا لن نتعامل مع أي ميناء يخضع للكيان الصهيوني.!!
*أثناء زيارتكم لغزة، ما أكثر المواقف التي تأثرتم بها؟
**تأثرت كثيرا عندما رأيت أصحاب المنازل المهدمة ينصبون الخيام على أطلال مساكنهم، ويبحثون بين الحطام عن أي شيء يمكن الانتفاع به، فهنا أم استشهد 3 من أبنائها، وهناك أسرة فقدت عائلها و5 من أفرادها إلا أنهم جميعا يصرون على البقاء مؤكدين أنهم سيعيدون بناء ما هدم ولن يخرجوا من هنا مهما حصل، لم ينعهم البرد القارص ولا الأمطار الغزيرة من التمسك بحقهم.
كما تأثرت جدا لقصة رجل مسن في الستين من عمره رأيته يصنع شبكة لصيد السمك، ليطعم أحفاده الصغار الذين استشهد والدهم، و عندما سألته لماذا لا يساعده أحد أبنائه؟، أخبرني بأن ابنه الثاني استشهد منذ شهر عندما خرج لشراء خبز له ولزوجته ولم يكن قد مر على زواجهما سوى 3 أشهر وهز رأسه وتنهد قائلا : رحمة الله عليهم جميعا.
قصة أخرى لم ارها لكني رايت شواهد عدة تدل على صحتها ؛ في أيام عيد الأضحى رفضت بعض الأسر ما يقدم لها من لحوم !، وعندما سئلوا عن السبب أجابوا بأنهم ليس لديهم غاز لطهي هذه اللحوم كما ليس لديهم كهرباء لحفظها في ثلاجات، فما فائدة اللحم.!!
أما ما لا أنساه أبدا فهو دعاؤهم لنا وشكرهم لنا على قدومنا لهذا المكان لنشد من أزرهم
*كيف ينظر الشعب التركي للخلاف الداخلي بين فتح وحماس؟
** أولا يجب أن أوضح أننا في الجمعية نساعد كل محتاج ولا نفرق في ذلك بين جنس أو لون أو حتى ديانة، مع احتفاظ المجاهدين في حماس والحكومة في غزة بمكانة خاصة في قلوبنا، والشعب التركي يرى أن هذه حرب أهلية ومن حقهم علينا أن نساعدهم كي يتجاوزوا هذه المرحلة لا أن نتخلى عنهم بحجة أنهم مشاركون في الأزمة، هم إخواننا وعلينا أن نجبرهم على الحوار حتى يتوافقوا على الحل الذي يحقق مصلحة الشعب.
* عرفنا أنكم حاولتم اصطحاب بعض الجرحى للعلاج في تركيا إلا أن تعسف العديد من الجهات وبخاصة حكومة رام الله حال دون ذلك، فهل لديكم بديل للسفر؟
**البديل أننا اتفقنا مع وزارة الصحة المصرية ومع اتحاد الأطباء العرب على أن نعود بعد 4 أشهر، أي بعد التئام الجروح بشكل مناسب، لنقوم بتركيب حوالي 200 طرف صناعي للجرحى الذين يحتاجون لذلك.
*أنت كطبيب هل ترى ما يدل على أن القوات الصهيونية استخدمت بالفعل أسلحة محرمة دوليا؟
**نعم أنا أؤكد ذلك من خلال مشاهدتي للحروق الجسيمة وبتر الأطراف بهذا الكم، فهذا لا يحدث إلا باستخدام أسلحة غير اعتيادية، فقد كانت غزة حقل تجارب لأسلحة لم نرها ولم نسمع عنها، لكنني بمجرد أن وقعت عيناني على هذه المشاهد المؤلمة جدا، قلت في نفسي هذه ليست مشكلة اليهود، إنها مشكلة أمة الإسلام، فلو أننا يد واحده في وجه عدونا لما استطاعوا أن يفعلوا ذلك بإخواننا.
*وهل ستقومون بتوثيق هذه الشهادات وتقديم الجناة للعدالة؟
**بالفعل لقد بدأت منظمة " مظلوم " في تركيا باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وهم الآن بصدد تقديم جميع الوثائق للمحاكم المختصة، وهنا لابد من التأكيد أن هذه القضية إنسانية بالدرجة الأولى، فهي قضية الأمريكي كما هي قضية الكويتي والمصري والسعودي والتركي، وأؤكد أننا سنحقق نتائج إيجابية إذا تكاتفت الجهود وإلا فسوف يسجل التاريخ صفحة سوداء في حقنا لن تنساها لنا الأجيال القادمة.
*على الصعيد الرسمي ما هي الجهود التركية لرفع الحصار عن غزة؟
**الديبلوماسية التركية تتبنى توضيح قضية الحصار في المحافل الدولية، وتعمل على بيان آثاره وتداعياته وسلبياته في أمريكا والاتحاد الأوروبي، كما أن أحمد داود أوغلو مستشار رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان يقوم بزيارات بين فلسطين ودور الجوار لإجراء مباحثات بين تركيا وعباس وحماس والكيان الصهيوني لبحث سبل رفع الحصار.
*ولكن ألا تخشى الحكومة التركية أن يؤدي دعمها لقضايا الشرق الأوسط إلى توتر العلاقات بينها وبين دول أخرى مثل أمريكا والاتحاد الأوروبي؟
**لا ؛ فنحن نعرض القضية من الناحية الإنسانية قبل كل شيء، وبالتالي هي قضية يجب أن يتبناها الجميع،فالقوات الصهيونية دمرت غزة وقد شاهدت بنفسي آثار تدمير مصنع دقيق في بني سهيلة، وآخر للزيتون في جباليا، فالحرب لم تترك شيئا، حتى حظائر المواشي والطيور، فكيف يعيش أهل غزة ومن أين يحصلون على احتياجاتهم اليومية من الطعام والخدمات الصحية، ومن هنا كانت القضية إنسانية، وكثير من اليهود أنفسهم لا يقبلون بهذا العدوان.
*ماذا عن دور المرأه التركية في القضية الفلسطينية؟
** المرأه التركية تشارك في جميع هذه الفعاليات، كما أننا الآن بصدد التنسيق لمؤتمر سيتم عقده في شهر يونيو ـ القادم ن تجتمع فيه نساء تركيا بنساء فلسطينيات من مختلف أقطار العالم ومن الضفة الغربية والقدس ونتمنى أن تتمكن نساء غزة من حضور هذا المؤتمر، ويهدف هذا المؤتمر لبحث سبل تقديم المساعدة المادية والمعنوية للمرأة الفلسطينية، وكذلك مناقشة قضية الاحتلال ورفع الحصار وجميع القضايا التي تهم المرأة الفلسطينية.