الغرب..وازدواجية المعايير في التعامل مع مؤسسات الإغاثة الإسلامية والغربية
11 ربيع الأول 1430
عبد الباقي خليفة

عندما تعرضت المؤسسات الاغاثية الإسلامية للعدوان بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 م، لم يتحدث أحد من المسئولين ولا سيما في الغرب، عن ملايين الفقراء في العالم ولاسيما افريقيا وآسيا وأوربا الشرقية، وتحديدا في البوسنة وكوسوفا وألبانيا ومقدونيا وغيرها، رغم أن الفقراء هم المستهدفون بالدرجة الأولى والذين بقوا بدون مساعدات إنسانية. مئات الآلاف من الأيتام بقوا بدون كفالة، ومئات الآلاف بل الملايين من الأسر المحتاجة ظلت بدون الخدمات التي كانت تقدمها لهم المؤسسات الخيرية الإسلامية. بينما خلا الجو للمنظمات التنصيرية التي تمول بعضها من قبل الدول الإسلامية عن طريق الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها كبرنامج الغذاء العالمي والصليب الأحمر الدولي وصندوق التنمية الدولية واليونيسيف غيرها من المنظمات. وقد فرض حظر وتضييق على أعمال المؤسسات الخيرية الإسلامية في دول المنشأ، إلى جانب إغلاق مكاتب تلك المؤسسات في العالم بقرارات سياسية في غياب القضاء. وكان الهدف تشفيف منابع الخير، حتى لا يكون للمسلمين إسهام في رفع الغبن عن الفقراء والمحتاجين، وزرع صورة نمطية عن المسلم، وهي " الإرهاب أوالعهر "ولا شئ آخر.

 

وعندما قرر السودان طرد 13 مؤسسة، وهي كير انترناشيونال والتي كانت تعمل في السودان منذ 28 سنة، ولجنة الإنقاذ الدولية، وأطباء بلا حدود، فرع هولندا، وأطباء بلا حدود فرع فرنسا، واكسفام، من بريطانيا، ومؤسسة تضامن الفرنسية، ومنظمة عمل ضد الجوع، الفرنسية، وسي اتش اف الاميركية، وميرسي كوربس الأميركية، ومجلس اللاجئين النرويجية، وصندوق إنقاذ الطفولة، البريطانية، وبادكو الأميركية، وهي أسماء جميلة تخفي قبح النوايا وأسرار التجسس، ودعم التمرد، بدأ الحديث عن اعتبار ذلك (جريمة حرب) فأين كانت الأمم المتحدة والدول الغربية عندما تعرضت المؤسسات الإسلامية لمجزرة مالية وإدارية وإغاثية، وبقي أيتام البوسنة وكوسوفا وغيرهما بدون كفالات، وبقي الطلبة بدون كفالات دراسية، وبقي المهجرون بدون طعام وبدون كساء، ولم تقدم لهم أية بدائل. لماذا لم يعتبر ذلك جريمة حرب ؟!!!.

 

ليس ذلك فحسب، بل أن الجهات التي تذرف دموع التماسيح لأن " مليون سوداني سيظلون بدون مساعدات " هي التي ضغطت على الدول الهشة لإغلاق مقار المؤسسات الخيرية الإسلامية وإغلاق حساباتها المصرفية ومصادرة أموالها. وهي نفس الجهات التي ضغطت على دول المنشأ لتجفيف منابع تمويلها أو حتى إغلاقها تماما، ومنع إرسال أي أموال مهما كانت بسيطة لأشخاص أو مؤسسات في تلك البلاد الواقعة تحت الهيمنة المباشرة لتلك القوى وهي الأمم المتحدة، وأمريكا، والاتحاد الأوروبي، والإجرام الدائرة في فلك هذا المحور الشرير. 
لم نسمع من أي ناطق باسم البيت الأبيض ولا أي مسئول في الأمم المتحدة أو أي من قادة أوربا يدعو الدول المغلوبة على أمرها، أوالسلطات التي تأتمر بأمرها لمراجعة موقفها كما يتطاول اليوم على السودان وقيادته وشعبه والأمة جمعاء. بل أن الدعوات التي توجه للسودان اليوم مترعة بالغرور، وسوء الأدب والاستفزاز، وذلك عندما تقرن بالحديث عن الرئيس عمر البشير بأنه " فار من العدالة ". ولا يتحدث عن المجرمين الحقيقيين في واشنطن مثل الرئيس الاميركي الأسبق جورج بوش، ونائبه ديك تشيني، ووزير دفاعه الاسبق دونالد رامسفيلد المسؤولون عن قتل مليون عراقي، بشكل مباشر وغير مباشر، وهو الاحتلال، وكذلك قتل آلاف الأفغان عن طريق الغارات الجوية، والتي لم تكن أبدا بطريق الخطأ، فالهدف هو قتل أكبر عدد ممكن من المسلمين سواء كانوا مقاتلين أوفي أكواخ مشيدة. وعندما يغض الطرف عن جرائم الصهاينة في فلسطين وتغير القوانين حتى لا يلقى عليهم القبض في عواصم أوربا. بل تعرب واشنطن عن قلقها لمجرد الحديث عن خرق حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة من قبل الصهاينة.

 

وفي خضم الأزمة الاقتصادية العالمية، لا يستبعد أن يلجأ الغرب إلى ذلك الخيار الذي يدعو للسيطرة على ثروات المسلمين بما في ذلك النفط. وليس السودان سوى بوابة لذلك التدخل الوحشي. الذي كلما تلقى الضربات في جهة يتحول إلى جهة أخرى ليجرب حظه العاثر مرة أخرى وهكذا دواليك. وهكذا تجد الأمة نفسها مستهدفة مرة أخرى بعد أن تنفس البعض الصعداء بذهاب إدارة المحافظين الجدد، وتطلع العالم للسلام بعيدا عن الحروب التي لم يجن منها الغرب سوى الخسران المبين. فأميركا بعد حرب العراق وأفغانستان ليست أميركا قبل ذلك ولا أوربا أيضا. إنهم يهربون إلى الأمام، ليسقطوا في الهاوية. يخوضون الحروب ليحسنوا اقتصادهم، ولكنهم يصابون بانهيارات لم تكن في حسبانهم.فالله لا يصلح عمل المفسدين، ولا يهدي كيد الخائنين.

 

بينما لا يزال الوضع العربي يدعو للشفقة،ولا يزيد على الظاهرة الصوتية،فكلمة العرب ليست مسموعة، لأنها بدون رصيد، أولا تستخدم ( أرصدتها ) الشعبية والنفطية ولا معابرها المائية ولا بقية ثرواتها الطبيعية. كما أنها في حاجة لتطبيع أوضاعها الداخلية لتقوية الجبهة الوطنية، سواء على مستوى السودان، أو بقية الدول العربية، وكذلك الدول الإسلامية. والوضع يحتاج لتقديم مبادرات كالتي قدمها حزب الأمة بخصوص تكوين محاكم مختلطة للنظر في قضايا التجاوزات في دارفور، وأن تكون في السودان وليس خارجه. كما أن انتهاء هذه القضية رهن بانتهاء الأزمة في دارفور والتي دولت بشكل كبير خدمة لأجندات استدمارية جديدة. وإلا كيف نفهم محاصرة جميع حركات المقاومة الاسلامية، ووصمها بالإرهاب والمطالبة بنزع سلاحها، بينما تمول وتسلح حركات التمرد في العالم الإسلامي ؟!!!

 

لماذا يحتفظ نصارى الجنوب السوداني بأسلحتهم الثقيلة ويمولون وكذلك الأمر لحركات التمرد في دارفور، في حين جرد المسلحون المسلمون من أسلحتهم في مقدونيا بعد اتفاقية أهريد في 13 أغسطس سنة 2001 م. لماذا يدعم مقاتلو تيمور بل آتشي في اندونيسيا ولا يطالب بتجريدهم من السلاح، وفي نفس الوقت تحارب حركات التحرر في مورو بالفلبين، وكشمير والشيشان، فضلا عن حركات المقاومة في فلسطين المحتلة وفي مقدمتها حماس والجهاد الإسلامي ؟!!!
لا شك أن الأيام القادمة ستشهد تصعيدا كبيرا، لا سيما إذا رفع قرار المحكمة الجنائية إلى مجلس الأمن، والذي قد يفرض عقوبات على السودان، لاستنزافه كما حدث مع العراق وليبيا. وقد يتطور الأمر( لا قدر الله )  لتدخل عسكري ولوعن طريق توجيه ضربات جوية. ويبدو أن السودان سيكون ساحة اختبار جديدة للسادية الغربية بعد تدمير العراق وأفغانستان، لتوفير فرص عمل لشركاتها ومؤسساتها باسم إعادة الإعمار. وعلى السودان والأمة جمعاء الإعداد لمرحلة جديدة من حروب التحرر الوطني فكل الدلائل تؤكد بأن الحضارة الغربية بنيت على جرف هار. وأن الغرب لم ينزل بعد من فوق الأشجار، فهو يفكر كانسان بدائي رغم كل ما حققه من تقدم مادي، أي تفكير أنا والآخر، أو فكر القطيع، شرق وغرب، وشمال وجنوب، وفي كل الأحوال يعتبر نفسه متمدنا لأنه يتصرف ببربرية مقيتة ضد من يصفهم بالبرابرة.