"لبيك يا حسين" بالبقيع وصداها في قلب القاهرة!!
28 صفر 1430
أمير سعيد







تجمهر المئات في البقيع يهتفون "لبيك يا حسين".. "هيهات منا الذلة"، وهي هتافات لم تنطلق أبداً إلا حينما يكون الخصم مسلماً، وتختفي أمام كل غاصب محتل وعدو صائل..

لا غرابة في المشهد؛ فتلك سمة للقوم لم تعد تثير فضولاً؛ فالجهاد موقوف حتى آخر الزمان عندما يأتي المهدي، وما بين بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ونهاية الزمان، لا وجود لعداوة حقيقية في التراث الشيعي مع أعداء الأمة الحقيقيين، وإنما "ثغور" الخصومة والعداء ربما كانت المدينة المنورة أو بغداد أو دمشق أو القاهرة، لكن لا سبيل لتفكير في فتح رومية مثلاً!!

على كل حال، كان البقيع الساكن على موعد مع الصرخات عن الذلة التي تتأباها النفوس الأبية في المدينة المنورة!! في حلبة المصارعة تلك التي لابد وأن يكون محلها في قلب العالم الإسلامي، وكانت هذه المرة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند قبور أصحابه رضوان الله تعالى عليهم، حيث المبرر مجموعة من الطقوس يتوجب على معتنقي الفكر الشيعي ممارستها في هذا المكان الطاهر، ولو كان في ذلك خرق لثوب التوحيد الخالص، ولو علا فيها هتاف "لبيك يا حسين" صوت الضمير المسلم القادم من ربوع الأرض يردد "لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك، لبيك".

الحسين رضي الله عنه لم يدفن في البقيع، ولا في القاهرة، حيث انفجرت أمس عبوة مخلفة عدداً من القتلى والجرحى في صفوف السياح والمصريين بالقرب مما يزعم أنه مشهد أو مقام لحفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا رابط في الحقيقة معلن ما بين التلبية في البقيع والانفجار عند المشهد، لكن المحصلة واحدة في الحقيقة..

دعونا نتجاوز هنا السيناريوهات المتوقعة وضرب الأخماس في الأسداس، لأنه ربما يبدو اليقين في مثل تلك الأمور مستحيلاً، لكن من تخدمه تلك العملية وهتافات البقيع ربما واحد، هذا على الأقل ثابت من دون أن نضطر إلى توجيه أصابع الاتهام إلى إيران؛ فلسنا في الحقيقة مولعين بتعليق كل مصيبة في العالم العربي والإسلامي على إيران، ولا مدفوعين بالضرورة إلى تصديق تورط جهاز أمني كبير في عملية استخدمت في صناعة عبوتها عشرات من المسامير!!

عندما هتف المتعبدون بالتقرب إلى الله بالتوسل من قلة من الصحابة ولعن الأكثرية منهم "هيهات منا الذلة" لم يكونوا يقيناً يدركون أنهم ينفذون سياسة معينة اتخذت توقيتاً بارعاً لتنفيذ ضغوطها على الدول المؤثرة في العالم الإسلامي، وعندما وضع الجاني العبوة أسفل الكرسي في ميدان الحسين بالقاهرة، ربما لم يكن كذلك يدري أن طهران ستطرب لصنيعه ولو كان يدين سياستها ليل نهار ويصم حكامها بالروافض.. لكن في الحقيقة كانت العاصمة الإيرانية هي الأسعد بهذا التفجير الذي يبلغ القاهرة رسالة مبطنة بما يمكن أن تلقاه إذا ما تمادت في تصديها للمطامع الإيرانية في المنطقة، ولو لم تكن طهران في الحقيقة هي بلد الإرسال!!

وكانت في الحالتين تقول للرياض والقاهرة أن المناسك والمشاهد ليست آمنة لا هنا ولا هناك، وأن الشعائر وفقاً للفقه الشيعي لن تتم في المدينة أو في القاهرة من دون أن يكون ثمة حضور تمثيلي لطهران هنا أو هناك، وهو ما يتقاطع مع مطامح قديمة سبق أن كشف عنها الخميني، المرشد الأول للثورة الإيرانية... ومع كل هذا، قد لا نحتاج بالضرورة إلى توجيه أصابع الاتهام لإيران، لكن ـ أكرر ـ نتناول فقط الجهة التي تخدمها هاتين الحادثتين معاً، لاسيما إذا ما قرأنا المشهد السياسي في تلك اللحظة والصفقات والمباحثات المتوقعة هنا وهناك..

وسواها، تبدو جهات أخرى، مفيدة من إحدى هاتين الحادثتين؛ فما أسعد ليبراليي السعودية بحادثة يمكنهم من خلالها أن يلوكوا بألسنة حدادٍ دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الأحداث، وطريقتها في التعامل مع المواطنين والنساء خصوصاً، وما أفرح من يضعون اللمسات الأخيرة على قوانين الإرهاب في العالم العربي من توفير مبرر تافه كمثل انفجار الحسين بقلب القاهرة للتذرع به لتقييد الحريات وتوسيع دوائر الاشتباه، وما أحسنها من فرصة لاجترار موضوع مكافحة الإرهاب في العالم العربي، وإعادة إنتاج خطره لتقديم مبررات قوية أو مفتعلة عربياً لخفض سقف التعبير ارتكاناً على هذه الحادثة ولو كان النافذون بريئين من ارتكابها..

وستسعد "إسرائيل" بالحادثة التي تعيد مصر إلى دائرة الاستهداف السياحي ولو بحادثة بسيطة ولكنها مؤثرة وفي أوج الموسم السياحي الغربي، وستطنطن لها "إسرائيل" بأن المنطقة تعانى كلها من "الإرهاب" مثلما هي تعاني منه أيضاً!! وقد قال ذلك بيريز صراحة عندما وجه سؤاله لرئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان في دافوس: "ماذا لو كانت الصواريخ تسقط على اسطنبول كما تسقط على سيديروت"!! (ومن يدري فلعل بعض الكتاب المصريين "المبوصلين" سيلجؤون إليها في إدانة حماس، خصوصاً أولئك الذين لم يقرؤوا عن حليفهم دحلان وتورطه ـ بحسب وثائق حماس إبان سيطرتها على مباني الأجهزة الأمنية في غزة ـ في تفجيرات دهب وغيرها).

إن الحاجة تبدو أكثر إلحاحاً للنظر فيمن تخدمه هذه الحادثة، لا لشيء سوى الوعي بما تفرزه تلك الحوادث سواء أكانت باسم الحسين في المدينة أو عند مشهده المدعى في القاهرة، أما الفاعلون والأدوات فليكونوا من كانوا..