خمسة وعشرون مقترحاً للحد من ظاهرة الفقر في العالم الإسلامي

                  [email protected]

المتأمل لساحة العالم الإسلامي يحزنه كثيراً أن يجد مناطق فيها لا يجد سكانها قوت يومها، أو أن يجد رجال ونساء تخطوا الأربعين من عمرهم دون أن يتزوجوا لا لعلة إلا ضيق ذات اليد، وهذا المتأمل إذا نظر لبلاد الغرب وجد الملذات والرغد في المعيشة والحياة المرفهة.

 لكنه يتوقف كثيراً عن نظرات الإعجاب برغد العيش في الغرب بعدما ضربت الأزمة المالية أركان هذا الغرب، وتسريح كبرى الشركات العالمية للآلاف من منسوبيها، وهرولة ساسته للبلدان الإسلامية الثرية ليتسولون منها ما يخرجهم من أزمتهم. حينها يزداد يقين المرء بأن الثروات الإسلامية المتاحة الآن كفيلة بإذن الله أن تحد من أزمة الفقر في العالم الإسلامي، إذا تم التوظيف الشرعي للمال وفق مراد الشارع الكريم.

من هنا سنحاول طرح بعض     المقترحات المنهجية العملية لمحاصرة تلك الظاهرة المنغصة للمسلمين في العالم الإسلامي، وتحقيق نوعاً من التكافل الاجتماعي بين أغنياء المسلمين وفقرائهم.

 
1-       الزكاة بكافة أنواعها فريضة أصلية وركن من أركان الإسلام الخمس، والأصل أنها لا تحتاج لمجهود دعوي كبير لإقناع المسلمين بأهميتها وفوائدها، فالمفترض أنها بالنسبة للمسلم كالماء والهواء مطلقات لا يتم انكارها ولا الجدال حولها بأي حال من الأحوال. ولكن الدعوة هنا تكون منصبة على إنشاء مؤسسة إسلامية للزكاة تعمل كمظلة مالية لكافة المسلمين على وجه الأرض والمعروفة شرعاً ببيت مال المسلمين، البيت المالي للأمة جمعاء.
 
2-       خسائر الأموال العربية في الخارج جراء الأزمة المالية العالمية طبقاً لتقدير جامعة الدول العربية 2400 مليار دولار، وقد نوهنا كثيراً في كتابات بحثية ومنابر إعلامية متعددة على مدار عشر سنوات بضرورة سحب الأموال العربية من الخارج لأن الغرب يخطط لافتراسها، ودللنا على ذلك حينها بالوثائق الدامغة الكاشفة للمخططات الغربية، ولكن لا حياة لمن تنادى، فقد وقع ما نبهنا عليه من قبل، وخسر العرب أكثر من 40% من ثروته المغتربة في ديار الغرب. وعلى كلٍ وبناءً على تقدير الخسائر العربية الضخمة الأخيرة فقد أصبح المناخ الغربي مقلق للاستثمارات العربية وبالتالي فمن الأهمية بمكان وضع آليات لجذب الاستثمارات العربية الموجودة بالخارج لإعادة توطينها داخل العالم العربي والإسلامي، وإذا نجحنا في ذلك فسوف تتوافر داخل البلدان الإسلامية وفرة مالية تسمح بتواجد فرص عمل متعددة ستسهم في حل أزمة الفقر بإذن الله.
 
  
3-       الشعب العربي والخليجي بصفة عامة والسعودي بصفة خاصة أثبت كفاءة عالية في حملات التبرع الخيرية للإغاثة في أوقات الأزمات، مثل أزمة تسونامي، والزلازل والبراكين في مناطق متعددة من العالم، فضلاً عن الأزمة الأخيرة في غزة، وعلى هذا الدرب أقترح عمل حملات تبرع خيرية هدفها معالجة ظاهرة الفقر في العالم الإسلامي بحيث توجه تبرعات القادرين من المسلمين لكل الفقراء داخل العالم الإسلامي، وبالتالي يحدث نوعاً من التكافل الإجتماعي داخل المجتمع الإسلامي.
 
4-       رفع شعار داخل العالم الإسلامي يهدف إلى تزويج الشباب والفتيات الغير قادرين على الزواج، وذلك بتضافر المجهودات الرسمية والشعبية، فقد أشارت دراسة لوزارة التخطيط السعودية أن عدد الفتيات اللائي تخطين سن الزواج تجاوز المليون وخمسمائة ألف فتاة، وأرجع المحللون ذلك إلى عوامل عدة من بينها ارتفاع كلفة الزواج في المملكة العربية السعودية والتي قدرها البعض بأنها تصل إلى 250 ألف ريال موزعة ما بين مهر وشبكة وأثاث منزل وهدايا وحفل زواج وغير ذلك من مستلزمات العرس وهي تكلفة مغالية أعجزت شباب كثر عن إتمام الزواج، وإذا كان هذا يحدث في مجتمع شديد الثراء كالمجتمع السعودي، فلنا أن نتصور الأحوال في المجتمعات الإسلامية شديدة الفقر.
 
5-       تقديم القروض الحسنة من قبل الميسورين للشباب المقدم على الزواج.
 
6-       تكفل رجال الأعمال والقادرون من المسلمين بتقديم المساهمات العينية من مستلزمات الحياة الزوجية للشباب المقدم على الزواج وغير القادر على تدبير نفقاته، مع إقامة الأعراس الجماعية مما يوفر تكاليف حفلات الأعراس.
 
7-        تكفل الحكومات والأثرياء بتقديم المساهمات المالية التحفيزية والتي تشجع الشباب على المضي قدماً نحو خطوة الزواج دون رهبة مالية، إضافة إلى تقديم بعض الدعم المادي المعين على مواجهة الاحتياجات المستقبلية للأسر المبتدئة.
 
8-       السعي لـ"وقف عام" لتيسير الزواج في العالم الإسلامي، فالعنوسة المبنية على الفقر مشكلة عامة يعاني منها العالم الإسلامي بعمومه لذا فإن حلها ينبغي أن يتسم بالعمومية أيضاً، وهذا لن يتوافر إلا إذا استحدثت مؤسسة وقفية عامة يخصص ريعها لدعم مؤسسات ومشروعات تيسير الزواج داخل الأمة الإسلامية، ويبحث العلماء في الضوابط الشرعية لتمويل هذه الوقفية.
 
 
9-       التشجيع على دعم مشروعات البناء الإسكاني لتوفير مساكن مناسبة مجانية للفقراء، والمعروف بمشروع السكن الخيري حيث تستخدم بعض المؤسسات الخيرية مشروع السكن الخيري كصدقة جارية، وهذا المشروع يهدف إلى بناء مشروع سكني خيري يعود ريعه لصالح الفقراء.
 
10- الدعوة لمشروع ترميم منازل الفقراء، ودعوة رجال الأعمال لدعم هذا المشروع.
 
11-  عمل دراسات تفصيلية عن المشروعات الاستثمارية المناسبة لمؤسسات العمل الخيري والتي تضمن لها الاستمرارية والاعتماد على الذات، ومن ثم قدرتها على مواجهة أكبر شريحة ممكنة من الفقراء.
 
12- قيام العلماء والباحثون ببحث طرائق جذب زكاة مستخرجات باطن الأرض ( زكاة الركاز) لصرفها في مصارفها الشرعي ومن ثم وصولها إلى مستحقيها من الفقراء.
 
13- إحياء ثقافة الوقف داخل المجتمعات الإسلامية، مع تشجيع وتحفيز رجال الأعمال على عمل وقفيات يعود ريعها على الفقراء.
 
14- وضع تصورات منهجية لإدارة الأوقاف من أجل تحقيق الاستفادة المثلى في الأعمال الخيرية، والإنفاق على الفقراء.
 
15- الدعوة لمشروع السهم الوقفي بعد وضع ضوابطه الشرعية من قبل علماء الأمة الثقات. ومشروع السهم الوقفي تعلن فيه المؤسسة الخيرية عن مشروع وقفي تعتزم الاستثمار فيه لصالح الفقراء، ثم تطرح في المجتمع أسهم وقفية بقيمة معينة كمثال تقليدي للشركات المساهمة، ويصير الواقف مشاركاً بسهم وقفي في مشروع ربحي يعود ريعه على الفقراء، كما تيسر تلك المؤسسات الخيرية على الراغبين في المساهمة في ذلك المشروع بإمكانية دفع السهم الوقفي على أقساط مريحة وبذلك تضمن المؤسسة الخيرية مشاركة أوسع من المجتمع الإسلامي.
 
16-  القيام بدراسة المؤسسات الخيرية حال مضاربتها في سوق الاستثمار وذلك بإنشاء أقسام خاصة للاستثمار تابعة لها، ودراسة أي الوضعين أجدى: الدخول بأسهم في الشركات؟ أم إقامة مشروعات خاصة بها؟ مع تقديم دراسات جدوى تفصيلية في ذلك. وطرح نماذج للمشروعات الناجحة التي يمكن الاستثمار فيها وتتناسب مع طبيعة العمل الخيري. ودراسة الإطار الشرعي لهذه الاستثمارات، وكل ذلك بهدف توفير سيولة دائمة للمؤسسات الخيرية تعينها على آداء رسالتها نحو فقراء المسلمين.
 
17- دراسة أسباب ضعف دعم "شركات المساهمة العامة" للعمل الخيري الإسلامي بالمقارنة مع الشركات العائلية- مع وضع نظم تحفيزية لجذبها لميدان العمل الخيري ومعالجة الفقر.
 
18- دراسة آليات تكوين ائتلافات لمؤسسات العمل الخيري الإسلامي لتضافر المجهودات لمواجهة ظاهرة الفقر في العالم الإسلامي.
 
19- دراسة الآليات التنظيمية لتحويل المسجد إلي مركز خيري متكامل داخل العالم الإسلامي بحيث يتكفل كل مسجد بفقراء الحي الذي يتواجد فيه.
 
20- دراسة سبل تطوير قدرات المؤسسات الخيرية من أجل اجتذاب الفئات المستهدفة والمتمثلة هنا في الفقراء إلى صفوفها، وتحويلهم من متلقين للمساعدة إلى أفراد يعون حقوقهم وواجباتهم الاجتماعية مع تشجيع المبادرات الذاتية للمستهدفين والاعتماد على الذات ومحاولة القضاء على التبعية والتواكل.
 
21- العمل على إدماج الفقراء في سوق العمل لتحويلهم من مجرد متلقين للمساعدة إلى ساعين على الرزق بالعمل ففي الحديث عن أنس بن مالك " أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال أما في بيتك شيء قال بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء، قال ائتني بهما قال فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال من يشتري هذين؟، قال رجل أنا آخذهما بدرهم قال من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا قال رجل أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فأتني به فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال له اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع".
 وهذا يمكن تيسيره عن طريق القروض الحسنة التي تقدمها المؤسسات الخيرية لمشروعات اقتصادية بعينها يتقدم بها الفقير للمؤسسة الخيرية لتتولى هي تمويلها أو مخاطبة رجال الاعمال لتمويلها.
 
 
22-  سعت المؤسسات الخيرية الإسلامية إلى تيسير المشروعات الصغيرة لذوي الحاجات والمعوزين القادرين على العمل، وذلك بتوفير منح أو قروض حسنة لكل من يتقدم بفكرة مشروع تنموي صغير، أو اختيار أحد المشروعات المناسبة والتي تقترحها المؤسسة الخيرية؛ ومن هذه المشروعات التنموية مشروعات الأسر المنتجة، والتي تخدم قطاعاً عريضاً من المسلمين، ويتم استثمارها لخدمة قطاع من الأرامل واليتيمات الفقيرات الذين لا يوجد لهن عائل أو كفيل، فيعملن في منازلهن من خلال مشروعات تناسب وضعهن، وتساعدهن المؤسسة الخيرية في تسويق منتجاتهن سواء بعمل المعارض الدائمة والموسمية أو بشراء المنتجات أو بالتنسيق مع العملاء الذين يحتاجون لمنتجات هؤلاء النسوة، وعلى ذلك فمن الأهمية بمكان دعم تلك المشروعات وتوفير أموال فائضة للمؤسسات تمكنها من توسيع دائرة نشاطها.
 
23- مشروع الحقيبة المدرسية الموسمي وفيه يتم تجهيز أطفال الفقراء المقبلون على عام دراسي جديد؛ وذلك بتوفير الأدوات المدرسية والكتب الدراسية، فضلاً عن الزى المدرسي ويقدم في صورة حقيبة لليتيم.
 
24- مشروع كسوة وعيدية الفقراء، وهو مشروع يوفر الكسوة والعيدية للفقير في العيدين الفطر والأضحى المباركين.
 
25-  لقد من الله على بعض الدعاة الذين نحسبهم على خير بنعمة الجماهيرية وحب الناس ومعلوم دعوياً وإعلامياً مدى انعكاس هذه الجماهيرية على الثمرة الدعوية فهي بمثابة قناة اتصال تهيئيه تسمح بعبور الرسائل الدعوية بيسر وفاعلية لتؤتي أثرها بإذن ربها، واستثماراً لهذه الجاهيرية وامتداداً لما فعله علماء كبار مثل الشيخ ابن باز والشيخ ابن العثيمين عليهم رحمة الله وغيرهم كثير من علماء المسليمين، نقترح تعميم إنشاء مؤسسات وجمعيات خيرية باسم الداعية الجماهيري حيث يكون هو على رأسها محدداً هدفها الخيري وأوجه أنشطتها البذلية وليس شرطاً أن يتفرغ لها الداعية كلية فوقته بلا شك لا يسمح بذلك إنما يكفي أمران، الأول كون المؤسسة باسمه ووجود هيكل إداري ثقاة من اختيار الداعية وما سيصاحب ذلك من جذب لجمهور الداعية واطمئنان لأوجه الإنفاق الخيرية عنده، الأمر الآخر هو وجود نموذج عملي فعلي يروج له الداعية إعلامياً مستثمراً إياه في التربية بالقدوة إضافة إلى عرضه كل فترة لتقرير الشفافية الذي يوضح مدخلات ومخرجات واحتياجات المؤسسة، وهذا أمر سيكون له بإذن الله صدى كبير في معالج الفقر في المنطقة المحيطة بالداعية، فضلاً عن تغطيته لعموم المسلمين متى اتسعت الدائرة المالية للمؤسسة .
وبعد فما سبق هو بعض المقترحات القابلة للتعديل والإضافة عليها نضعها بين يدي القائمين على السياسات الاجتماعية في الأمة، والأثرياء فيها، فضلاً عن علماء الأمة ودعاتها عسى أن يلقى مقترحاً منها صدى تطبيقى يأخذ بيد أحد فقراء المسلمين.